تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ قَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِ مَا أُنْزِلَ إلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا وَبِاتِّبَاعِ مَا يَأْتِي مِنْهُ مِنْ الْهُدَى وَقَدْ أَنْزَلَ عَلَيْنَا الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ } وَالْحِكْمَةُ مِنْ الْهُدَى قَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا } وَالْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالْقُرْآنِ يُوجِبُ الْأَمْرَ بِاتِّبَاعِ الْحِكْمَةِ الَّتِي بَعَثَ بِهَا الرَّسُولَ وَبِاتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ مُطْلَقًا . وَقَالَ تَعَالَى : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } وَقَالَ تَعَالَى : { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } وَقَالَ تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } . وَقَدْ أَمَرَ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ فِي نَحْوِ أَرْبَعِينَ مَوْضِعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } وقَوْله تَعَالَى { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } وَقَوْلِهِ : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } إلَى قَوْلِهِ : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } إلَى قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } إلَى قَوْلِهِ : { أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وقَوْله تَعَالَى { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وقَوْله تَعَالَى { قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } وقَوْله تَعَالَى { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } وقَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } وقَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } إلَى قَوْلِهِ : { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا } وقَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } وقَوْله تَعَالَى { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا } { وَقَالُوا رَبَّنَا إنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا } { رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } وقَوْله تَعَالَى { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا } { يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } { لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } فَهَذِهِ النُّصُوصُ تُوجِبُ اتِّبَاعَ الرَّسُولِ وَإِنْ لَمْ نَجِدْ مَا قَالَهُ مَنْصُوصًا بِعَيْنِهِ فِي الْكِتَابِ كَمَا أَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ تُوجِبُ اتِّبَاعَ الْكِتَابِ وَإِنْ لَمْ نَجِدْ مَا فِي الْكِتَابِ مَنْصُوصًا بِعَيْنِهِ فِي حَدِيثٍ عَنْ الرَّسُولِ غَيْرِ الْكِتَابِ . فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَّبِعَ الْكِتَابَ وَعَلَيْنَا أَنْ نَتَّبِعَ الرَّسُولَ وَاتِّبَاعُ أَحَدِهِمَا هُوَ اتِّبَاعُ الْآخَرِ ; فَإِنَّ الرَّسُولَ بَلَّغَ الْكِتَابَ وَالْكِتَابُ أَمْرٌ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ . وَلَا يَخْتَلِفُ الْكِتَابُ وَالرَّسُولُ أَلْبَتَّةَ كَمَا لَا يُخَالِفُ الْكِتَابُ بَعْضُهُ بَعْضًا قَالَ تَعَالَى : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } . وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَفِي وُجُوبِ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِهِ : { لَا أُلْفِيَن أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيه الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْت بِهِ أَوْ نَهَيْت عَنْهُ فَيَقُولُ : بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هَذَا الْقُرْآنُ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ حَلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ أَلَا وَإِنِّي أُوتِيت الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا وَإِنَّهُ مِثْلُ الْقُرْآنِ أَوْ أَعْظَمُ } هَذَا الْحَدِيثُ فِي السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ مَأْثُورٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِدَّةِ جِهَاتٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَأَبِي رَافِعٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ : { وَقَدْ تَرَكْت فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ : كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى } وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : لَا قِيلَ : فَكَيْفَ كَتَبَهُ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةَ ؟ قَالَ : أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ } . وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ كَمَا فَسَّرَتْ أَعْدَادَ الصَّلَوَاتِ وَقَدْرَ الْقِرَاءَةِ فِيهَا وَالْجَهْرَ وَالْمُخَافَتَةَ وَكَمَا فَسَّرَتْ فَرَائِضَ الزَّكَاةِ وَنُصُبِهَا وَكَمَا فَسَّرَتْ الْمَنَاسِكَ وَقَدْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَهَذِهِ السُّنَّةُ إذَا ثَبَتَتْ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهَا وَقَدْ يَكُونُ مِنْ سُنَّتِهِ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَزِيَادَةٌ عَلَيْهِ كَالسُّنَّةِ الْمُفَسِّرَةِ لِنِصَابِ السَّرِقَةِ وَالْمُوجِبَةِ لِرَجْمِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ فَهَذِهِ السُّنَّةُ أَيْضًا مِمَّا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَسَائِرِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يُحَقِّرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ . فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَاتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } . وَقَدْ اسْتَفَاضَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي وَصْفِهِمْ وَذَمِّهِمْ وَالْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ : صَحَّ الْحَدِيثُ فِي الْخَوَارِجِ مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثَهُمْ مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخَذَ عَنْ أَحْمَد . وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ حَدِيثَهُمْ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ وَهَؤُلَاءِ أَوَّلُهُمْ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ فَإِنَّك لَمْ تَعْدِلْ . فَمَنْ جَوَّزَ عَلَيْهِ أَنْ يَظْلِمَهُ فَلَا يَعْدِلْ كَمَنْ يُوجِبُ طَاعَتَهُ فِيمَا ظَلَمَ فِيهِ ; لَكِنَّهُمْ يُوجِبُونَ اتِّبَاعَ مَا بَلَغَهُ عَنْ اللَّهِ وَهَذَا مِنْ جَهْلِهِمْ وَتَنَاقُضِهِمْ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَيْحَك وَمَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ أَعْدِلْ وَقَالَ : لَقَدْ خِبْت وَخَسِرْت إنْ لَمْ أَعْدِلْ } أَيْ : إنْ اتَّبَعْت مَنْ هُوَ غَيْرُ عَادِلٍ فَأَنْتَ خَائِبٌ خَاسِرٌ . وَقَالَ : { أَيَأْمَنُنِي مَنْ فِي السَّمَاءِ وَلَا تَأْمَنُونِي } يَقُولُ : إذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ ائْتَمَنَنِي عَلَى تَبْلِيغِ كَلَامِهِ أَفَلَا تَأْمَنُونِي عَلَى أَنْ أُؤَدِّيَ الْأَمَانَةَ إلَى اللَّهِ ؟ قَالَ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } . وَفِي الْجُمْلَةِ فَالْقُرْآنُ يُوجِبُ طَاعَتَهُ فِي حُكْمِهِ وَفِي قَسْمِهِ وَيَذُمُّ مَنْ يَعْدِلُ عَنْهُ فِي هَذَا أَوْ هَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حُكْمِهِ : { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وَقَالَ تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا } { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا } { فَكَيْفَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إنْ أَرَدْنَا إلَّا إحْسَانًا وَتَوْفِيقًا } { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا } { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ } { وَإِذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ } { وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إلَيْهِ مُذْعِنِينَ } { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } { إنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } . وَقَالَ فِي قَسْمِهِ لِلصَّدَقَاتِ وَالْفَيْءِ قَالَ فِي الصَّدَقَاتِ : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إنَّا إلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ } وَقَالَ فِي الْفَيْءِ { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ } الْآيَاتِ الثَّلَاثَ . فَالطَّاعِنُ فِي شَيْءٍ مِنْ حُكْمِهِ أَوْ قَسْمِهِ - كَالْخَوَارِجِ - طَاعِنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَارِقٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ شَيْطَانُ الْخَوَارِجِ مَقْمُوعًا لَمَّا كَانَ الْمُسْلِمُونَ مُجْتَمِعِينَ فِي عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمَّا افْتَرَقَتْ الْأُمَّةُ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَدَ شَيْطَانُ الْخَوَارِجِ مَوْضِعَ الْخُرُوجِ فَخَرَجُوا وَكَفَّرُوا عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ وَمَنْ وَالَاهُمَا فَقَاتَلَهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ تَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ } . وَلِهَذَا لَمَّا نَاظَرَهُمْ مَنْ نَاظَرَهُمْ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِمَا بَيَّنُوا لَهُمْ بُطْلَانَ قَوْلِهِمْ بِالْكِتَابِ وَالْمِيزَانِ كَمَا بَيَّنَ لَهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ حَيْثُ أَنْكَرُوا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قِتَالَهُ لِأَهْلِ الْجَمَلِ وَنَهْيِهِ عَنْ اتِّبَاعِ مُدَبِّرِهِمْ وَالْإِجْهَازِ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَغَنِيمَةِ أَمْوَالِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَكَانَتْ حُجَّةُ الْخَوَارِجِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إلَّا مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ فَإِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ لَمْ يَحِلَّ قِتَالُهُمْ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا أُبِيحَتْ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ فَأَجَابَهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيَّنَ أَنَّ أُمَّهَاتَ الْمُؤْمِنِينَ حَرَامٌ فَمَنْ أَنْكَرَ أُمُومَتَهَا فَقَدْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ وَمَنْ اسْتَحَلَّ فَرْجَ أُمِّهِ فَقَدْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ . وَمَوْضِعُ غَلَطِهِمْ ظَنُّهُمْ أَنَّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا لَمْ يُبَحْ قِتَالُهُ بِحَالِ وَهَذَا مِمَّا ضَلَّ بِهِ مَنْ ضَلَّ مِنْ الشِّيعَةِ حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّ مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا كَافِرٌ ; فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ مُقْتَتِلُونَ وَأَمَرَ إنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى أَنْ تُقَاتِلَ الَّتِي تَبْغِي فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَمَرَ بِقِتَالِ أَحَدِهِمَا ابْتِدَاءً ثُمَّ أَمَرَ إذَا فَاءَتْ إحْدَاهُمَا بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَقَالَ : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } فَدَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى إيمَانِهِمْ وَأُخُوَّتِهِمْ مَعَ وُجُودِ الِاقْتِتَالِ وَالْبَغْيِ وَأَنَّهُ يَأْمُرُ بِقِتَالِ الْبَاغِيَةِ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ . وَكَذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا نَاظَرَهُمْ وَأَقَرُّوا بِوُجُوبِ الرُّجُوعِ إلَى مَا نَقَلَهُ الصَّحَابَةُ عَنْ الرَّسُولِ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ بَيَّنَ لَهُمْ عُمَرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ يَجِبُ [ الرُّجُوعُ ] إلَى مَا نَقَلُوهُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَرِيضَةِ الرَّجْمِ وَنِصَابِ الزَّكَاةِ وَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ بَيْنٌ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فَرَجَعُوا إلَى ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَاظَرَهُمْ لَمَّا أَنْكَرُوا تَحْكِيمَ الرِّجَالِ بِأَنَّ اللَّهَ قَالَ فِي الزَّوْجَيْنِ : إذَا خِيفَ شِقَاقُ بَيْنِهِمَا أَنْ يَبْعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَقَالَ : { إنْ يُرِيدَا إصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا } وَأَمَرَ أَيْضًا أَنْ يَحْكُمَ فِي الصَّيْدِ بِجَزَاءِ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ فَمَنْ أَنْكَرَ التَّحْكِيمَ مُطْلَقًا فَقَدْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ التَّحْكِيمَ فِي أَمْرِ أَمِيرَيْنِ لِأَجْلِ دِمَاءِ الْأُمَّةِ أَوْلَى مِنْ التَّحْكِيمِ فِي أَمْرِ الزَّوْجَيْنِ ; وَالتَّحْكِيمِ لِأَجْلِ دَمِ الصَّيْدِ . وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالِاعْتِبَارِ وَقِيَاسِ الْأَوْلَى وَهُوَ مِنْ الْمِيزَانِ فَاسْتُدِلَّ عَلَيْهِمْ بِالْكِتَابِ وَالْمِيزَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } . أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنَّا وَأَمَرَ إنْ تَنَازَعْنَا فِي شَيْءٍ أَنْ نَرُدَّهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا تَنَازَعَ الْمُؤْمِنُونَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يُعْدَمُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْأَمْرُ ثَابِتًا وَكَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا كَانُوا عَلَى هُدًى وَطَاعَةٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا يَحْتَاجُوا حِينَئِذٍ أَنْ يَأْمُرُوا بِمَا هُمْ فَاعِلُونَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ . وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا بَلْ اجْتَمَعُوا فَإِنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَلَوْ كَانُوا قَدْ يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ لَكَانُوا حِينَئِذٍ أَوْلَى بِوُجُوبِ الرَّدِّ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْهُمْ إذَا تَنَازَعُوا فَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ مُطِيعًا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ . فَإِذَا كَانُوا مَأْمُورِينَ فِي هَذَا الْحَالِ بِالرَّدِّ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ لِيَرْجِعَ إلَى ذَلِكَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ - خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ - فَلَأَنْ يُؤْمَرُوا بِذَلِكَ إذَا قُدِّرَ خُرُوجُهُمْ كُلِّهِمْ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى أَيْضًا فَقَدْ قَالَ لَهُمْ { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } . فَلَمَّا نَهَاهُمْ عَنْ التَّفَرُّقِ مُطْلَقًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى بَاطِلٍ ; إذْ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى بَاطِلٍ لَوَجَبَ اتِّبَاعُ الْحَقِّ الْمُتَضَمِّنِ لِتَفَرُّقِهِمْ وَبَيَّنَ أَنَّهُ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ فَأَصْبَحُوا بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا كَمَا قَالَ : { هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ } { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } فَإِذَا كَانَتْ قُلُوبُهُمْ مُتَأَلِّفَةٌ غَيْرَ مُخْتَلِفَةٍ عَلَى أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ; وَمِمَّا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ اجْتِمَاعًا عَلَى بَاطِلٍ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمُ بِجَمِيعِ الْأُمُورِ . انْتَهَى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .