تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَكَذَلِكَ جَمْعُ الْمَطَرِ : السُّنَّةُ أَنْ يَجْمَعَ لِلْمَطَرِ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ حَتَّى اخْتَلَفَ مَذْهَبُ أَحْمَد هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ لِلْمَطَرِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ . وَقِيلَ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّ الْأَفْضَلَ التَّأْخِيرُ وَهُوَ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ الْقَدِيمِ وَصَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ ظَنَّ أَنَّ التَّأْخِيرَ فِي الْجَمْعِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ يَجُوزُ فِعْلُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ عِنْدَ النَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ وَلَا يَجُوزُ فِعْلُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ بِحَالِ بَلْ لَوْ صَلَّاهَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ أَعَادَهَا وَهَذَا غَلَطٌ ; فَإِنَّ الْجَمْعَ بمزدلفة إنَّمَا الْمَشْرُوعُ فِيهِ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ إلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ سَوَّغَ لَهُ هُنَاكَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ فِي طَرِيقِهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَغْرِبِ هَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي طَرِيقِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَأَمَّا التَّأْخِيرُ فَهُوَ كَالتَّقْدِيمِ بَلْ صَاحِبُهُ أَحَقُّ بِالذَّمِّ وَمَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَإِنَّ وَقْتَهَا فِي حَقِّهِ حِينَ يَسْتَيْقِظُ وَيَذْكُرُهَا وَحِينَئِذٍ هُوَ مَأْمُورٌ بِهَا لَا وَقْتَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ فَلَمْ يُصَلِّهَا إلَّا فِي وَقْتِهَا . وَأَمَّا مَنْ صَلَّى قَبْلَ الزَّوَالِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا فَهَذَا فَعَلَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ كَالْمَحْبُوسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ فَهَذَا فِي إجْزَائِهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ فِي صِيَامِهِ إذَا صَامَ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ شُهُورِ رَمَضَانَ كَالْأَسِيرِ إذَا صَامَ بِالتَّحَرِّي ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ قَبْلَ الْوَقْتِ فَفِي إجْزَائِهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَأَمَّا مَنْ صَلَّى فِي الْمِصْرِ قَبْلَ الْوَقْتِ غَلَطًا فَهَذَا لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ وَهَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ نَفْلًا أَوْ تَقَعُ بَاطِلَةً ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُبِحْ لِأَحَدٍ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا بِحَالِ كَمَا لَمْ يُبِحْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا بِحَالِ فَلَيْسَ جَمْعُ التَّأْخِيرِ بِأَوْلَى مِنْ جَمْعِ التَّقْدِيمِ ; بَلْ ذَاكَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ فَقَدْ يَكُونُ هَذَا أَفْضَلَ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا أَفْضَلَ وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد الْمَنْصُوصِ عَنْهُ وَغَيْرِهِ . وَمَنْ أَطْلَقَ مِنْ أَصْحَابِهِ الْقَوْلَ بِتَفْضِيلِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا فَقَدْ أَخْطَأَ عَلَى مَذْهَبِهِ . وَأَحَادِيثُ الْجَمْعِ الثَّابِتَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْثُورَةٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَمُعَاذٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَقَدْ تَأَوَّلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مَنْ أَنْكَرَ الْجَمْعَ عَلَى تَأْخِيرِ الْأُولَى إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَتَقْدِيمِ الثَّانِيَةِ إلَى أَوَّلِ وَقْتِهَا وَقَدْ جَاءَتْ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ بِأَنَّ الْجَمْعَ كَانَ يَكُونُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَفِي وَقْتِ الْأُولَى وَجَاءَ الْجَمْعُ مُطْلَقًا وَالْمُفَسَّرُ يُبَيِّنُ الْمُطْلَقَ . فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ } وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَيَذْكُرُ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ } . قَالَ الطحاوي : حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ إنَّمَا فِيهِ الْجَمْعُ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ مَنْ فَعَلَهُ وَذَكَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَيْفَ كَانَ جَمْعُهُ ; وَهَذَا إنَّمَا فِيهِ التَّأْخِيرُ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ لَا فِيمَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْمُثْبِتُونَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذهلي حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مُسْعِدَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ { عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَسْرَعَ السَّيْرَ فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَسَأَلْت نَافِعًا فَقَالَ : بَعْدَ مَا غَابَ الشَّفَقُ بِسَاعَةِ وَقَالَ : إنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ } وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اسْتَصْرَخَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَهِيَ بِالْمَدِينَةِ فَأَقْبَلَ فَسَارَ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَبَدَتْ النُّجُومُ فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ يَصْحَبُهُ : الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ فَسَارَ ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ : الصَّلَاةَ فَقَالَ : { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ أَمْرٌ فِي سَفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ } . فَسَارَ حَتَّى إذَا غَابَ الشَّفَقُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَسَارَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثًا . وَرَوَى البيهقي هَذَيْنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مَشْهُورٍ قَالَ وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ { نَافِعٍ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ : فَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّفَقِ حَتَّى ذَهَبَ هَوِيٌّ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ قَالَ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَوْ حَزَبَهُ أَمْرٌ } . قَالَ : وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ سَارَ قَرِيبًا مِنْ رُبُعِ اللَّيْلِ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الدارقطني حَدَّثَنَا ابْنُ صَاعِدٍ والنيسابوري حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ زَيْدٍ حَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ وَجَاءَهُ خَبَرُ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ فَأَسْرَعَ السَّيْرَ فَلَمَّا غَابَتْ الشَّمْسُ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : الصَّلَاةَ فَسَكَتَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ : الصَّلَاةَ فَقَالَ الَّذِي قَالَ لَهُ " الصَّلَاةَ " : إنَّهُ لَيَعْلَمُ مِنْ هَذَا عِلْمًا لَا أَعْلَمُهُ فَسَارَ حَتَّى إذَا كَانَ بَعْدَ مَا غَابَ الشَّفَقُ بِسَاعَةٍ نَزَلَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَكَانَ لَا يُنَادِي لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا جَمَعَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ : { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ بِسَاعَةِ وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ أَيْنَ تَوَجَّهَتْ بِهِ السُّبْحَةُ فِي السَّفَرِ } . وَيُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ . قَالَ البيهقي : اتَّفَقَتْ رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَيُّوبَ السختياني وَعُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ : عَلَى أَنَّ جَمْعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ وَخَالَفَهُمْ مَنْ لَا يُدَانِيهِمْ فِي حِفْظِ أَحَادِيثِ نَافِعٍ وَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ جَابِرٍ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ وَلَفْظُهُ : حَتَّى إذَا كَانَ فِي آخِرِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَقَامَ الصَّلَاةَ وَقَدْ تَوَارَى الشَّفَقُ فَصَلَّى بِنَا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا عَجَّلَ بِهِ الْأَمْرُ صَنَعَ هَكَذَا . وَقَالَ : وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ فضيل بْنُ غَزَوَانَ وَعِطَافُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ نَافِعٍ وَرِوَايَةُ الْحُفَّاظِ مِنْ أَصْحَابِ نَافِعٍ أَوْلَى بِالصَّوَابِ . فَقَدْ رَوَاهُ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَسْلَمُ مَوْلَى عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ذُؤَيْبٍ : عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَ رِوَايَتِهِمْ أَمَّا حَدِيثُ سَالِمٍ فَرَوَاهُ عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَخِيهِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَالِمٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْلَمَ فَأَسْنَدَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ : أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي { زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ شِدَّةُ وَجَعٍ فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى [ إذَا ] كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ : إنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا } . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ . وَأَسْنَدَ أَيْضًا مِنْ كِتَابِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ أَنَا أَبُو صَالِحٍ وَابْنُ بكير قَالَا حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي { عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْمُسْلِمِينَ صِدْقًا وَدِينًا قَالَ : غَابَتْ الشَّمْسُ وَنَحْنُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَسِرْنَا فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ قَدْ أَمْسَى قُلْنَا لَهُ : الصَّلَاةَ فَسَكَتَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَتَصَوَّبَتْ النُّجُومُ فَنَزَلَ فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ : رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ صَلَّى صَلَاتِي هَذِهِ يَقُولُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ لَيْلٍ } . وَأَمَّا حَدِيثُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأُسْنِدَ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ ابْنِ عيينة عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ { إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ : صَحِبْت ابْنَ عُمَرَ فَلَمَّا غَابَتْ الشَّمْسُ هِبْنَا أَنْ نَقُولَ لَهُ قُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَمَّا ذَهَبَ بَيَاضُ الْأُفُقِ وَفَحْمَةُ الْعِشَاءِ نَزَلَ فَصَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَرَكْعَتَيْنِ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ } . وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ } هَذَا لَفْظُ الْفِعْلِ عَنْ عَقِيلٍ عَنْهُ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ : حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ } . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شَبَّابَةَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا } وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَنَا الفريابي أَنَا إسْحَاقُ بْنُ راهويه أَنَا شَبَّابَةُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَقِيلٍ عَنْ أَنَسٍ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ فِي السَّفَرِ فَزَالَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ ارْتَحَلَ } . قُلْت : هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْمَشْهُورِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ فَمِنْ إفْرَادِ مُسْلِمٍ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَزُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَقُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ وَهَذَا لَفْظُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ : أَنَّ { مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُمْ : أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءِ } . قُلْت : الْجَمْعُ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ : أَمَّا إذَا كَانَ سَائِرًا فِي وَقْتِ الْأُولَى فَإِنَّمَا يَنْزِلُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ . فَهَذَا هُوَ الْجَمْعُ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَهُوَ نَظِيرُ جَمْعِ مُزْدَلِفَةَ . وَأَمَّا إذَا كَانَ وَقْتَ الثَّانِيَةِ سَائِرًا أَوْ رَاكِبًا فَجَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى فَهَذَا نَظِيرُ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي السُّنَنِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ نَازِلًا فِي وَقْتِهِمَا جَمِيعًا نُزُولًا مُسْتَمِرًّا : فَهَذَا مَا عَلِمْت رُوِيَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَيْهِ إلَّا حَدِيثَ مُعَاذٍ هَذَا ; فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ كَانَ نَازِلًا فِي خَيْمَةٍ فِي السَّفَرِ وَأَنَّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ دَخَلَ إلَى بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا . فَإِنَّ الدُّخُولَ وَالْخُرُوجَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَنْزِلِ وَأَمَّا السَّائِرُ فَلَا يُقَالُ دَخَلَ وَخَرَجَ بَلْ نَزَلَ وَرَكِبَ . وَتَبُوكُ هِيَ آخِرُ غَزَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُسَافِرْ بَعْدَهَا إلَّا حِجَّةَ الْوَدَاعِ وَمَا نُقِلَ أَنَّهُ جَمَعَ فِيهَا إلَّا بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَأَمَّا بِمِنًى فِلْم يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ جَمَعَ هُنَاكَ بَلْ نَقَلُوا أَنَّهُ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ هُنَاكَ وَلَا نَقَلُوا أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ الْأُولَى إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَلَا يُقَدِّمُ الثَّانِيَةَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ أَحْيَانًا فِي السَّفَرِ وَأَحْيَانًا لَا يَجْمَعُ وَهُوَ الْأَغْلَبُ عَلَى أَسْفَارِهِ : أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا . وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْجَمْعَ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ السَّفَرِ كَالْقَصْرِ ; بَلْ يُفْعَلُ لِلْحَاجَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي السَّفَرِ أَوْ الْحَضَرِ فَإِنَّهُ قَدْ جَمَعَ أَيْضًا فِي الْحَضَرِ لِئَلَّا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ . فَالْمُسَافِرُ إذَا احْتَاجَ إلَى الْجَمْعِ جَمَعَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِسَيْرِهِ وَقْتَ الثَّانِيَةِ أَوْ وَقْتَ الْأُولَى وَشَقَّ النُّزُولُ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ مَعَ نُزُولِهِ لِحَاجَةٍ أُخْرَى : مِثْلَ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى النَّوْمِ وَالِاسْتِرَاحَةِ وَقْتَ الظُّهْرِ وَوَقْتَ الْعِشَاءِ فَيَنْزِلُ وَقْتَ الظُّهْرِ وَهُوَ تعبان سَهْرَانُ جَائِعٌ مُحْتَاجٌ إلَى رَاحَةٍ وَأَكْلٍ وَنَوْمٍ فَيُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَحْتَاجُ أَنْ يُقَدِّمَ الْعِشَاءَ مَعَ الْمَغْرِبِ وَيَنَامَ بَعْدَ ذَلِكَ لِيَسْتَيْقِظَ نِصْفَ اللَّيْلِ لِسَفَرِهِ فَهَذَا وَنَحْوُهُ يُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ .