تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَأَمَّا النَّازِلُ أَيَّامًا فِي قَرْيَةٍ أَوْ مِصْرٍ وَهُوَ فِي ذَلِكَ كَأَهْلِ الْمِصْرِ : فَهَذَا وَإِنْ كَانَ يَقْصُرُ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ فَلَا يَجْمَعُ كَمَا أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَلَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ : فَهَذِهِ الْأُمُورُ أُبِيحَتْ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى ذَلِكَ ; بِخِلَافِ الْقَصْرِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ صَلَاةِ السَّفَرِ . وَالْجَمْعُ فِي وَقْتِ الْأُولَى كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ : مَأْثُورٌ فِي السُّنَنِ : مِثْلُ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو داود والترمذي وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ هَاشِمِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ وَفِي الْمَغْرِبِ مِثْلُ ذَلِكَ : إنْ غَابَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَإِنْ ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا } . قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ مُعَاذٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ . قُلْت : وَقَدْ رَوَاهُ قُتَيْبَةُ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ ; لَكِنْ أَنْكَرُوهُ عَلَى قُتَيْبَةَ قَالَ البيهقي تَفَرَّدَ بِهِ قُتَيْبَةُ عَنْ اللَّيْثِ وَذَكَرَ عَنْ الْبُخَارِيِّ قَالَ : قُلْت : لقتيبة مَعَ مَنْ كَتَبْت عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ ؟ فَقَالَ : كَتَبْته مَعَ خَالِدٍ الْمَدَائِنِيِّ . قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَكَانَ خَالِدٌ هَذَا يُدْخِلُ الْأَحَادِيثَ عَلَى الشُّيُوخِ . قَالَ البيهقي : وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا مِنْ هَذَا رِوَايَةَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ . فَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْل : فَهِيَ مَحْفُوظَةٌ صَحِيحَةٌ . قُلْت : وَهَذَا الْجَمْعُ الَّذِي فَسَّرَهُ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ يَدْخُلُ فِي الْجَمْعِ الَّذِي أَطْلَقَهُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ فَمَنْ رَوَى عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذٍ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ عَامَ تَبُوكَ } . وَهَذَا الْجَمْعُ الْأَوَّلُ : لَيْسَ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ . وَلَمْ يَنْزِلْ وَقْتَ الْعَصْرِ فَهَذَا مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَمْعِ بَلْ يُصَلِّي الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا وَقَدْ يَتَّصِلُ سَيْرُهُ إلَى الْغُرُوبِ : فَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَمْعِ بِمَنْزِلَةِ جَمْعِ عَرَفَةَ لَمَّا كَانَ الْوُقُوفُ مُتَّصِلًا إلَى الْغُرُوبِ صَلَّى الْعَصْرَ مَعَ الظُّهْرِ ; إذْ كَانَ الْجَمْعُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ . وَبِهَذَا تَتَّفِقُ أَحَادِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَإِلَّا فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْهُ : أَنَّهُ جَمَعَ بِمِنًى وَلَا بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَلَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ; مَعَ أَنَّهُ أَقَامَ بِهَا بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ : أَنَّهُ جَمَعَ فِي حَجَّتِهِ إلَّا بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَمْعُهُ لِقَصْرِهِ . وَقَدْ رُوِيَ الْجَمْعُ فِي وَقْتِ الْأُولَى فِي الْمِصْرِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا مُوَافَقَةً لِحَدِيثِ مُعَاذٍ : ذَكَرَهُ أَبُو داود فَقَالَ : وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ كريب عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِ الْفَضْلِ . قُلْت : هَذَا الْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ عَنْ حُسَيْنٍ وَحُسَيْنٌ هَذَا مِمَّنْ يُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهِ وَيُسْتَشْهَدُ بِهِ وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ : فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ والنسائي . وَرَوَاهُ البيهقي مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ جريج عَنْ حُسَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِذَا لَمْ تَزُلْ حَتَّى يَرْتَحِلَ سَارَ حَتَّى إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ نَزَلَ فَجَمَعَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَإِذَا لَمْ تَغِبْ حَتَّى يَرْتَحِلَ سَارَ حَتَّى [ إذَا ] أَتَتْ الْعَتَمَةُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ } قَالَ البيهقي وَرَوَاهُ حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جريج أَخْبَرَنِي حُسَيْنٌ عَنْ كريب وَكَانَ حُسَيْنٌ سَمِعَهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِرِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جريج وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَقَدْ رَوَاهَا الدارقطني وَغَيْرُهُ وَهِيَ مِنْ كُتُبِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ . قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جريج : حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَعَنْ كريب عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ ؟ قُلْنَا بَلَى . قَالَ : { كَانَ إذَا زَاغَتْ لَهُ الشَّمْسُ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ وَإِذَا لَمْ تَزُغْ لَهُ فِي مَنْزِلِهِ سَارَ حَتَّى إذَا حَانَتْ الْعَصْرُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِذَا حَانَتْ لَهُ الْمَغْرِبُ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ وَإِذَا لَمْ تَحِنْ فِي مَنْزِلِهِ رَكِبَ حَتَّى إذَا كَانَتْ الْعِشَاءُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا } . قَالَ الدارقطني وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ جريج عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ حُسَيْنٍ عَنْ كريب . فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ابْنُ جريج سَمِعَهُ أَوَّلًا مِنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ حُسَيْنٍ كَقَوْلِ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْهُ ثُمَّ لَقِيَ ابْنُ جريج حُسَيْنًا فَسَمِعَهُ مِنْهُ كَقَوْلِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَحَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ جريج . قَالَ البيهقي : وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ وَيَزِيدَ بْنِ الْهَادِي وَأَبِي رويس الْمَدَنِيِّ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَهُوَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ شَوَاهِدِهِ يَقْوَى ; وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا : حَدِيثَ إبْرَاهِيمَ بْنِ طهمان . عَنْ الْحُسَيْنِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ إذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ مَسِيرِهِ وَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ } . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ : وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ طهمان فَذَكَرَهُ . قُلْت قَوْلُهُ : { عَلَى ظَهْرِ مَسِيرِهِ } قَدْ يُرَادُ بِهِ عَلَى ظَهْرِ سَيْرِهِ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَهَذَا مِمَّا لَا رَيْبَ [ فِيهِ ] وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرِهِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَة كَمَا جَاءَ صَرِيحًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ . قَالَ البيهقي : وَقَدْ رَوَى أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قلابة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا نَعْلَمُهُ إلَّا مَرْفُوعًا بِمَعْنَى رِوَايَةِ الْحُسَيْنِ وَذَكَرَ مَا رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ إسْحَاقَ ثِنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثِنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قلابة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا مَرْفُوعًا وَإِلَّا فَهُوَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا نَزَلَ مَنْزِلًا فِي السَّفَرِ فَأَعْجَبَهُ الْمَنْزِلُ أَقَامَ فِيهِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ إسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا عَارِمٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ فَذَكَرَهُ . قَالَ عَارِمٌ هَكَذَا حَدَّثَ بِهِ حَمَّادٌ قَالَ : " كَانَ إذَا سَافَرَ فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَأَعْجَبَهُ الْمَنْزِلُ أَقَامَ فِيهِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ " وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إسْمَاعِيلُ ثِنَا حَجَّاجٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قلابة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إذَا كُنْتُمْ سَائِرِينَ فَنَبَا بِكُمْ الْمَنْزِلُ فَسِيرُوا حَتَّى تُصِيبُوا تَجْمَعُونَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كُنْتُمْ نُزُولًا فَعَجَّلَ بِكُمْ أَمْرٌ فَاجْمَعُوا بَيْنَهُمَا ثُمَّ ارْتَحِلُوا . قُلْت : فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْجَمْعِ بِالْمَدِينَةِ صَحِيحٌ مِنْ مَشَاهِيرِ الصِّحَاحِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ . وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَفِي سُنَنِ أَبِي داود وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَابَتْ لَهُ الشَّمْسُ بِمَكَّةَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِسَرَفِ } . قَالَ البيهقي وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الحماني عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرَوَاهُ الْأَجْلَحُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو داود : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ جَارِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ . عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَمْيَالٍ يَعْنِي بَيْنَ مَكَّةَ وَسَرِفٍ . قُلْت : عَشَرَةُ أَمْيَالٍ ثَلَاثَةُ فَرَاسِخَ وَثُلُثٌ وَالْبَرِيدُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَهَذِهِ الْمَسَافَةُ لَا تُقْطَعُ فِي السَّيْرِ الْحَثِيثِ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ فَإِنَّ النَّاسَ يَسِيرُونَ مِنْ عَرَفَةَ عَقِبَ الْمَغْرِبِ وَلَا يَصِلُونَ إلَى جَمْعٍ إلَّا وَقَدْ غَابَ الشَّفَقُ وَمِنْ عَرَفَةَ إلَى مَكَّةَ بَرِيدٌ فَجَمَعَ دُونَ هَذِهِ الْمَسَافَةِ وَهُمْ لَا يَصِلُونَ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ فَكَيْفَ بِسَرِفِ وَهَذَا يُوَافِقُ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ إذَا كَانَ سَائِرًا أَخَّرَ الْمَغْرِبَ إلَى أَنْ يَغْرُبَ الشَّفَقُ ثُمَّ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا . قَالَ البيهقي : وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعُذْرِ السَّفَرِ مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَعَ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَنْ أَصْحَابِهِ ثُمَّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ جَمْعِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ ثُمَّ بِالْمُزْدَلِفَةِ : وَذَكَرَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ : أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ } . قَالَ سَالِمٌ : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُقِيمُ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فَيُصَلِّيهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَيُصَلِّيَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمَ وَلَا يُسَبِّحَ بَيْنَهُمَا بِرَكْعَةِ وَلَا يُسَبِّحَ بَعْدَ الْعِشَاءِ بِسَجْدَةٍ حَتَّى يَقُومُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ . وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ : أَنَّهُ قَالَ لِسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : مَا أَشَدَّ مَا رَأَيْت أَبَاك عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ فِي السَّفَرِ ؟ قَالَ : غَرَبَتْ لَهُ الشَّمْسُ بِذَاتِ الْجَيْشِ فَصَلَّاهَا بِالْعَقِيقِ . قَالَ البيهقي : رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَزَادَ فِيهِ : ثَمَانِيَةَ أَمْيَالٍ وَرَوَاهُ ابْنُ جريج عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَزَادَ فِيهِ قَالَ قُلْت : أَيُّ سَاعَةٍ تِلْكَ ؟ قَالَ : قَدْ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ رُبُعُهُ . قَالَ وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ : فَسَارَ أَمْيَالًا ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى . قَالَ يَحْيَى : وَذَكَرَ لِي نَافِعٌ هَذَا الْحَدِيثَ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ : سَارَ قَرِيبًا مِنْ رُبُعِ اللَّيْلِ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى . وَرَوَى مِنْ مُصَنَّفِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قتادة عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَيَقُولُ : هِيَ سُنَّةٌ . وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ : أَخْبَرَنِي الجريري وَسَلْمَانُ التيمي عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النهدي قَالَ : كَانَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ إذَا عَجَّلَ بِهِمَا السَّيْرُ جَمَعَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ . وَرَوَيْنَا فِي ذَلِكَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ . وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ : سَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَلَا تَرَى إلَى صَلَاةِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ ؟ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ ثِنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ثِنَا الدراوردي عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَأَبِي الزِّنَادِ فِي أَمْثَالٍ لَهُمْ خَرَجُوا إلَى الْوَلِيدِ وَكَانَ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ يَسْتَفْتِيهِمْ فِي شَيْءٍ فَكَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ . قُلْت : فَهَذَا اسْتِدْلَالٌ مِنْ السَّلَفِ بِجَمْعِ عَرَفَةَ عَلَى نَظِيرِهِ وَأَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ مُخْتَصًّا وَهُوَ جَمْعُ تَقْدِيمٍ لِلْحَاجَةِ فِي السَّفَرِ .