تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ : وَاَلَّذِينَ لَمْ يَكْرَهُوا أَنْ يُصَلِّيَ الْمُسَافِرُ أَرْبَعًا ظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ فَعَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَلَى عَهْدِهِ فَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ . وَظَنُّوا أَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعًا بِمَنْزِلِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَقَدْ اسْتَفَاضَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْهُمْ الصَّائِمُ وَمِنْهُمْ الْمُفْطِرُ . وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّرْبِيعِ فَحَسِبَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ صَحِيحًا وَبِذَلِكَ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَد . قَالَ الشَّافِعِيُّ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ : } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ بِلَا خَوْفٍ صَدَقَةٌ مِنْ اللَّهِ وَالصَّدَقَةُ رُخْصَةٌ لَا حَتْمٌ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَقْصُرَ . وَدَلَّ عَلَى أَنَّ [ لَهُ أَنْ ] يَقْصُرَ فِي السَّفَرِ بِلَا خَوْفٍ إنْ شَاءَ الْمُسَافِرُ أَنَّ { عَائِشَةَ قَالَتْ : كُلُّ ذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ وَقَصَرَ . } قُلْت وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الدارقطني وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَاصِمٍ : حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ : " { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ وَيُتِمُّ وَيُفْطِرُ وَيَصُومُ } قَالَ الدارقطني هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ . قَالَ البيهقي : وَلِهَذَا شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ دلهم بْنِ صَالِحٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ وَطَلْحَةَ بْنِ عُمَرَ وَكُلُّهُمْ ضَعِيفٌ . وَرَوَى حَدِيثَ دلهم مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى : حَدَّثَنَا دلهم بْنُ صَالِحٍ الْكِنْدِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ { عَائِشَةَ قَالَتْ : كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَرَجْنَا إلَى مَكَّةَ أَرْبَعًا حَتَّى نَرْجِعَ } . وَرَوَى حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ أَشْهَرُهَا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ وَيُتِمُّ } وَرَوَى حَدِيثَ طَلْحَةَ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ { عَائِشَةَ قَالَتْ : كُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَتَمَّ وَقَصَرَ وَصَامَ فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ } قَالَ البيهقي : وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ : كُوفِيٌّ ثِقَةٌ : أَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ : " أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ الْمَكْتُوبَةَ أَرْبَعًا " وَرَوَى ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ كَالْمُوَافِقِ لِرِوَايَةِ دلهم بْنِ صَالِحٍ وَإِنْ كَانَ فِي رِوَايَةِ دلهم زِيَادَةُ سَنَدٍ . قُلْت : أَمَّا مَا رَوَاهُ الثِّقَةُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ " أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي أَرْبَعًا " فَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ عَائِشَةَ مَعْرُوفٌ عَنْهَا مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ وَإِذَا كَانَ إنَّمَا أَسْنَدَهُ هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاءُ والثقاة وَقَفُوهُ عَلَى عَائِشَةَ : دَلَّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ الْمُسْنِدِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَاهِدًا لِلْمُسْنَدِ . قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ انْفَرَدَ بِهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ وَقَدْ قَالَ فِيهِ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ : ضَعِيفٌ كُلُّ حَدِيثٍ أَسْنَدَهُ مُنْكَرٌ . قُلْت : فَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ أَبَاهُ سُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ احْتَجُّوا بِهِ مُوَافَقَةً لِمَنْ احْتَجَّ بِهِ كَالشَّافِعِيِّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ مَكْذُوبٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : لَفْظُهُ : { كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ وَتُتِمُّ وَيُفْطِرُ وَتَصُومُ } بِمَعْنَى أَنَّهَا هِيَ الَّتِي كَانَتْ تُتِمُّ وَتَصُومُ . وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَا رُوِيَ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ مَعَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَيْهَا أَيْضًا . قَالَ البيهقي : وَلَهُ شَاهِدٌ قَوِيٌّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الدارقطني مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ : حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ { عَائِشَةَ قَالَتْ : خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصُمْت وَقَصَرَ وَأَتْمَمْت فَقُلْت يَا رَسُول اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي : أَفْطَرْت وَصُمْت وَقَصَرْت وَأَتْمَمْت قَالَ أَحْسَنْت يَا عَائِشَةُ . } وَرَوَاهُ البيهقي مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَكَمِ : ثِنَا الْعَلَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ لَمْ يَذْكُرْ أَبَاهُ قَالَ الدارقطني : الْأَوَّلُ مُتَّصِلٌ وَهُوَ إسْنَادٌ حَسَنٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَدْ أَدْرَكَ عَائِشَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا وَهُوَ مُرَاهِقٌ وَرَوَاهُ البيهقي مِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ : ثِنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ ثِنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ ثِنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ { عَائِشَةَ : أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ حَتَّى إذَا قَدِمَتْ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي : قَصَرْت وَأَتْمَمْت . وَأَفْطَرْت وَصُمْت فَقَالَ أَحْسَنْت يَا عَائِشَةُ وَمَا عَابَ عَلَيَّ } . قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ : هَكَذَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ . وَمَنْ قَالَ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَدْ أَخْطَأَ . قُلْت : أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ إمَامٌ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَكَانَ لَهُ عِنَايَةٌ بِالْأَحَادِيثِ الْفِقْهِيَّةِ وَمَا فِيهَا مِنْ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى طَرِيقَة أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ الَّتِي لَا تَعَصُّبَ فِيهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِثْلَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِينَ ; وَلِهَذَا رَجَّحَ هَذِهِ الطَّرِيقَ وَكَذَلِكَ أَهْلُ السُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا النسائي وَلَفْظُهُ عَنْ { عَائِشَةَ أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ حَتَّى إذَا قَدِمَتْ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَصَرْت وَأَتْمَمْت وَأَفْطَرْت وَصُمْت فَقَالَ أَحْسَنْت يَا عَائِشَةُ وَمَا عَابَ عَلَيَّ } وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ قَدْ يَقْصِدُ نَصْرَ قَوْلِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَيَنْطِقُ لَهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ مَا لَوْ خَلَا عَنْ ذَلِكَ الْقَصْدِ لَمْ يَتَكَلَّفْهُ وَلَحَكَمَ بِبُطْلَانِهَا . وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ بِمُتَّصِلِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهُوَ صَبِيٌّ وَلَمْ يَضْبِطْ مَا قَالَتْهُ وَقَالَ فِيهِ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ : هَذَا الْحَدِيثُ تَفَرَّدَ بِهِ الْعَلَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ الأزدي لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ خَطَأٌ قَطْعًا ; فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ : إنَّهَا خَرَجَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ وَمَعْلُومٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي رَمَضَانَ قَطُّ وَلَا خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ فِي عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ ; بَلْ وَلَا خَرَجَ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ قَطُّ إلَّا عَامَ الْفَتْحِ فَإِنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ مُسَافِرًا فِي رَمَضَانَ وَفَتَحَ مَكَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفِي ذَلِكَ السَّفَرِ كَانَ أَصْحَابُهُ مِنْهُمْ الصَّائِمُ وَمِنْهُمْ الْمُفْطِرُ فَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي بِهِمْ إلَّا رَكْعَتَيْنِ وَلَا نَقَلَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ خَطَأٌ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَعَامَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمْ يَعْتَمِرْ ; بَلْ ثَبَتَ بِالنُّقُولِ الْمُسْتَفِيضَةِ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ أَنَّهُ إنَّمَا اعْتَمَرَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَرْبَعَ عُمَرٍ . مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَالرَّابِعَةُ مَعَ حَجَّتِهِ : عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ فَحَلَّ بِالْحُدَيْبِيَةِ بِالْإِحْصَارِ وَلَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَكَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ وَكَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ أَيْضًا ثُمَّ لَمَّا قَسَّمَ غَنَائِمَ حنين بِالْجِعْرَانَةِ اعْتَمَرَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَكَانَتْ عُمْرَتُهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ أَيْضًا وَالرَّابِعَةُ مَعَ حَجَّتِهِ وَلَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَ حَجِّهِ لَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ حَجَّ مَعَهُ إلَّا عَائِشَةُ لَمَّا كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ وَأَمَرَهَا أَنْ تُهِلَّ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَعْمَرَهَا مَعَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ التَّنْعِيمِ . وَلِهَذَا قِيلَ لَمَّا بُنِيَ هُنَاكَ مِنْ الْمَسَاجِدِ مَسَاجِدُ عَائِشَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَمِرْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا قَبْلَ الْفَتْحِ وَلَا بَعْدَهُ عُمْرَةً مِنْ مَكَّةَ إلَّا عَائِشَةُ . فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ : مِثْلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إلَّا الَّتِي مَعَ حَجِّهِ : عُمْرَةٌ مِنْ الْحُدَيْبِيَة فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةٌ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةٌ مِنْ الْجِعْرَانَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ قَسَّمَ غَنَائِمَ حنين وَعُمْرَةٌ مَعَ حَجَّتِهِ } . وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ . وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ { : اعْتَمَرَ أَرْبَعًا : عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَة فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وَعُمْرَةٌ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ وَعُمْرَةُ حنين مِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَّمَ غَنَائِمَ حنين وَعُمْرَةٌ مَعَ حَجَّتِهِ . } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : { اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ } . وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ . وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْعُمْرَةَ الَّتِي أَتَمَّهَا وَهِيَ عُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ وَالْجِعْرَانَةِ وَأَمَّا الْحُدَيْبِيَةُ فَلَمْ يُمْكِنْ إتْمَامُهَا ; بَلْ كَانَ مُحْصَرًا لَمَّا صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وَفِيهَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِصَارِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ { عَائِشَةَ لَمَّا قِيلَ لَهَا : إنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ فَقَالَتْ : يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا وَهُوَ مَعَهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ } . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ { عَائِشَةَ قَالَتْ : لَمْ يَعْتَمِرْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي ذِي الْقَعْدَةِ } وَكَذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُمَا ابْنُ ماجه . وَقَدْ رَوَى أَبُو داود عَنْهَا قَالَتْ : { اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمْرَتَيْنِ : عُمْرَةٌ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةٌ فِي شَوَّالٍ } . وَهَذَا إنْ كَانَ ثَابِتًا عَنْهَا فَلَعَلَّهُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ كَانَ فِي شَوَّالٍ وَلَمْ تَقُلْ قَطُّ إنَّهُ اعْتَمَرَ فِي رَمَضَانَ فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ خَطَأٌ مَحْضٌ . وَإِذَا ثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِرْ إلَّا فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَثَبَتَ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يُسَافِرْ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ وَدَخَلَهَا إلَّا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ : عُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ ثُمَّ غَزْوَةُ الْفَتْحِ ثُمَّ حَجَّةُ الْوَدَاعِ وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَنَازَعُ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالسِّيرَةِ وَأَحْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُسَافِرْ فِي رَمَضَانَ إلَى مَكَّةَ إلَّا غَزْوَةَ الْفَتْحِ - كَانَ كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ دَلِيلًا قَاطِعًا عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ مَعَهُ فِي رَمَضَانَ وَقَالَتْ أَتْمَمْت وَصُمْت فَقَالَ : " أَحْسَنْت " خَطَأٌ مَحْضٌ . فَعُلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ لِمَنْ عُلِمَ حَالُهُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ : { مَنْ رَوَى عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ } وَلَكِنْ مَنْ حَدَّثَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَا يَسْتَحِلُّونَ هَذَا فَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ كَذِبٌ [ لَمْ يَأْثَمْ ] . فَإِنْ قِيلَ فَيَكُونُ قَوْلُهُ " فِي رَمَضَانَ " خَطَأٌ وَسَائِرُ الْحَدِيثِ يُمْكِنُ صِدْقُهُ . قِيلَ : بَلْ جَمِيعُ طُرُقِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَانَ ; لِأَنَّهَا قَالَتْ : قُلْت : أَفْطَرْت وَصُمْت وَقَصَرْت وَأَتْمَمْت فَقَالَ : " أَحْسَنْت يَا عَائِشَةُ . وَهَذَا إنَّمَا يُقَالُ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ . وَأَمَّا السَّفَرُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَلَا يُذْكَرُ فِيهِ مِثْلُ هَذَا لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْفِطْرَ فِيهِ جَائِزٌ . وَأَيْضًا فَقَدْ رَوَى البيهقي وَغَيْرُهُ بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ { عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْمَغْرِبَ فَفُرِضَتْ ثَلَاثًا فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَافَرَ صَلَّى الصَّلَاةَ الْأُولَى وَإِذَا أَقَامَ زَادَ مَعَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْمَغْرِبَ ; لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ وَالصُّبْحَ لِأَنَّهَا تُطَوَّلُ فِيهَا الْقِرَاءَةُ } . فَقَدْ أَخْبَرَتْ عَائِشَةُ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَافَرَ صَلَّى الصَّلَاةَ الْأُولَى : رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ . فَلَوْ كَانَ تَارَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا لَأَخْبَرَتْ بِذَلِكَ وَهَذَا يُنَاقِضُ تِلْكَ الرِّوَايَةَ الْمَكْذُوبَةَ عَلَى عَائِشَةَ . وَأَيْضًا فَعَائِشَةُ كَانَتْ حَدِيثَةَ السِّنِّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَعُمْرُهَا أَقَلُّ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً فَإِنَّهُ لَمَّا بَنَى بِهَا بِالْمَدِينَةِ كَانَ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ وَإِنَّمَا أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا فَإِذَا كَانَ قَدْ بَنَى بِهَا فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ كَانَ عُمْرُهَا قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ بَنَى بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَكَانَ عُمْرُهَا حِينَئِذٍ أَقَلَّ . وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً فَهِيَ إنَّمَا تَتَعَلَّمُ الْإِسْلَامَ وَشَرَائِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَصُومَ وَتُصَلِّيَ مَعَهُ فِي السَّفَرِ خِلَافَ مَا يَفْعَلُهُ هُوَ وَسَائِرُ الْمُسْلِمِينَ وَسَائِرُ أَزْوَاجِهِ وَلَا تُخْبِرَهُ بِذَلِكَ حَتَّى تَصِلَ إلَى مَكَّةَ ؟ هَلْ يُظَنُّ مِثْلُ هَذَا بِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ؟ وَمَا بَالُهَا فَعَلَتْ هَذَا فِي هَذِهِ السَّفْرَةِ دُونَ سَائِرِ أَسْفَارِهَا مَعَهُ ؟ وَكَيْفَ تَطِيبُ نَفْسُهَا بِخِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِهِ ؟ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهَا قَالَتْ { : فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَمَّهَا فِي الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْفَرِيضَةِ } وَهَذَا مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَرِوَايَةِ أَصْحَابِهِ الثِّقَاتِ وَمِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كيسان عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ : يَرْوِيهِ مِثْلُ رَبِيعَةَ وَمِنْ رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَائِشَةَ . وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ ثَابِتٌ عَنْ عَائِشَةَ . فَكَيْفَ تُقْدِمُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ تُصَلِّيَ فِي السَّفَرِ قَبْلَ أَنْ تَسْتَأْذِنَهُ وَهِيَ تَرَاهُ وَالْمُسْلِمِينَ مَعَهُ لَا يُصَلُّونَ إلَّا رَكْعَتَيْنِ وَأَيْضًا فَهِيَ لَمَّا أَتَمَّتْ الصَّلَاةَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَحْتَجَّ بِأَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَخْبَرُ النَّاسِ بِهَا عُرْوَةُ ابْنُ أُخْتِهَا بَلْ اعْتَذَرَتْ بِعُذْرٍ مِنْ جِهَةِ الِاجْتِهَادِ كَمَا رَوَاهُ النَّيْسَابُورِيُّ والبيهقي وَغَيْرُهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ : ثِنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا فَقُلْت لَهَا : لَوْ صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ فَقَالَتْ . يَا ابْنَ أُخْتِي إنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ . وَأَيْضًا فَالْحَدِيثُ الثَّابِتُ عَنْ { صَالِحِ بْنِ كيسان أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ الصَّلَاةَ حِينَ فُرِضَتْ كَانَتْ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأُتِمَّتْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا . قَالَ صَالِحٌ فَأَخْبَرَ بِهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ : إنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي أَنَّ عَائِشَةَ تُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي السَّفَرِ قَالَ فَوَجَدْت عُرْوَةَ يَوْمًا عِنْدَهُ فَقُلْت : كَيْفَ أَخْبَرْتنِي عَنْ عَائِشَةَ ؟ فَحَدَّثَ بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ . فَقَالَ عُمَرُ : أَلَيْسَ حَدَّثْتنِي أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي أَرْبَعًا فِي السَّفَرِ ؟ قَالَ : بَلَى } . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عيينة عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ " . قَالَ الزُّهْرِيُّ : قُلْت فَمَا شَأْنُ عَائِشَةَ كَانَتْ تُتِمُّ الصَّلَاةَ ؟ قَالَ : إنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ . فَهَذَا عُرْوَةُ يَرْوِي عَنْهَا أَنَّهَا اعْتَذَرَتْ عَنْ إتْمَامِهَا بِأَنَّهَا قَالَتْ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ وَقَالَ : إنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ إتْمَامَهَا كَانَ بِتَأْوِيلٍ مِنْ اجْتِهَادِهَا وَلَوْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَسَّنَ لَهَا الْإِتْمَامَ أَوْ كَانَ هُوَ قَدْ أَتَمَّ لَكَانَتْ قَدْ فَعَلَتْ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِمَّا يُتَأَوَّلُ بِالِاجْتِهَادِ . ثُمَّ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَقْوَى مَا اُعْتُمِدَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِالْإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَبْطَلُ مِنْهُ وَهُوَ كَوْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُتِمُّ فِي السَّفَرِ وَيَقْصُرُ ؟ وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالتَّوَاتُرِ مِنْ سُنَّتِهِ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا أَصْحَابُهُ نَقْلًا عَنْهُ وَتَبْلِيغًا إلَى أُمَّتِهِ لَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ قَطُّ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ صَلَّى فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا ; بَلْ تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيثُ عَنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ . وَالْحَدِيثُ الَّذِي يَرْوِيهِ زَيْدٌ العمي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : " إنَّا مَعَاشِرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّا نُسَافِرُ : فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ وَمِنَّا الْمُتِمُّ وَمِنَّا الْمُقْصِرُ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُتِمُّ عَلَى الْمُقْصِرِ " . هُوَ كَذِبٌ بِلَا رَيْبٍ وَزَيْدٌ العمي مِمَّنْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ مَتْرُوكٌ وَالثَّابِتُ عَنْ أَنَسٍ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّوْمِ . وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ فِي السَّفَرِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَ فُرَادَى ; بَلْ كَانُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ ; فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَصُومُ وَقَدْ يُفْطِرُ فَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ الْكَذِبِ وَإِنْ كَانَ البيهقي رَوَى هَذَا فَهَذَا مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ وَرَآهُ أَهْلُ الْعِلْمِ لَا يَسْتَوْفِي الْآثَارَ الَّتِي لِمُخَالِفِيهِ كَمَا يَسْتَوْفِي الْآثَارَ الَّتِي لَهُ وَأَنَّهُ يَحْتَجُّ بِآثَارٍ لَوْ احْتَجَّ بِهَا مُخَالِفُوهُ لَأَظْهَرَ ضَعْفَهَا وَقَدَحَ فِيهَا وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِي هَذَا - مَعَ عِلْمِهِ وَدِينِهِ - مَا أَوْقَعَ أَمْثَالَهُ مِمَّنْ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ آثَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَافِقَةً لِقَوْلِ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ دُونَ آخَرَ . فَمَنْ سَلَكَ هَذِهِ السَّبِيلَ دُحِضَتْ حُجَجُهُ وَظَهَرَ عَلَيْهِ نَوْعٌ مِنْ التَّعَصُّبِ بِغَيْرِ الْحَقِّ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ يَجْمَعُ الْآثَارَ وَيَتَأَوَّلُهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ بِتَأْوِيلَاتٍ يُبَيِّنُ فَسَادَهَا لِتُوَافِقَ الْقَوْلَ الَّذِي يَنْصُرُهُ كَمَا يَفْعَلُهُ صَاحِبُ شَرْحِ الْآثَارِ أَبُو جَعْفَرٍ مَعَ أَنَّهُ يَرْوِي مِنْ الْآثَارِ أَكْثَرَ مِمَّا يَرْوِي البيهقي ; لَكِنَّ البيهقي يُنَقِّي الْآثَارَ وَيُمَيِّزُ بَيْنَ صَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا أَكْثَرَ مِنْ الطحاوي . وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْصُرُ وَيُتِمُّ وَيُفْطِرُ وَيَصُومُ } قَدْ قِيلَ إنَّهُ مُصَحَّفٌ وَإِنَّمَا لَفْظُهُ " كَانَ يَقْصُرُ وَتُتِمُّ " هِيَ - بِالتَّاءِ - " وَيُفْطِرُ وَتَصُومُ " هِيَ لِيَكُونَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي إسْنَادُهُ أَمْثَلُ مِنْهُ . فَإِنَّهُ مَعْرُوفٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ لَكِنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ عَائِشَةَ . وَأَمَّا نَقْلُ هَذَا الْآخَرِ عَنْ عَطَاءٍ فَغَلَطٌ عَلَى عَطَاءٍ قَطْعًا وَإِنَّمَا الثَّابِتُ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا " كَمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ لَكَانَتْ تَحْتَجُّ بِهَا . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا مِنْ فِعْلِهِ لَمْ تَكُنْ عَائِشَةُ أَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِهِ الرِّجَالِ الَّذِينَ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَهُ دَائِمًا فِي السَّفَرِ ; فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا تَكُونُ عَائِشَةُ أَعْلَمَ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الرِّجَالِ كَقِيَامِهِ بِاللَّيْلِ وَاغْتِسَالِهِ مِنْ الْإِكْسَالِ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مُخْتَصَّةً بِعِلْمِهِ ; بَلْ أُمُورُ السَّفَرِ أَصْحَابُهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ فِيهَا مِنْ عَائِشَةَ ; لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَخْرُجُ مَعَهُ فِي كُلِّ أَسْفَارِهِ ; فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّهنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ } فَإِنَّمَا كَانَ يُسَافِرُ بِهَا أَحْيَانًا وَكَانَتْ تَكُونُ مُخَدَّرَةً فِي خِدْرِهَا وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهَا فِي الصَّحِيحِ : أَنَّهَا لَمَّا سَأَلَهَا شريح بْنُ هَانِئٍ عَنْ " الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ " قَالَتْ : سَلْ عَلِيًّا ; فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . هَذَا وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَمْرٌ قَدْ يَفْعَلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْزِلِهِ فِي الْحَضَرِ فَتَرَاهُ دُونَ الرِّجَالِ ; بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّيهَا فِي الْحَضَرِ وَلَا فِي السَّفَرِ إلَّا إمَامًا بِأَصْحَابِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْبَةٍ لِحَاجَةِ كَمَا غَابَ يَوْمَ ذَهَبَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ أَهْلِ قباء وَكَمَا غَابَ فِي السَّفَرِ لِلطَّهَارَةِ فَقَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ وَلَمَّا حَضَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَّنَ ذَلِكَ وَصَوَّبَهُ . وَإِذَا كَانَ الْإِتْمَامُ إنَّمَا كَانَ وَالرِّجَالُ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ فَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُهُ الرِّجَالُ قَطْعًا وَهُوَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ ; فَإِنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِعَادَتِهِ فِي عَامَّةِ أَسْفَارِهِ ; فَلَوْ فَعَلَهُ أَحْيَانًا لَتَوَفَّرَتْ هِمَمُهُمْ وَدَوَاعِيهِمْ عَلَى نَقْلِهِ كَمَا نَقَلُوا عَنْهُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَمَّا فَعَلَهُ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ . وَكَمَا نَقَلُوا عَنْهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ أَحْيَانًا وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا الْخَاصِّ مَعَ أَنَّ مُخَالَفَةَ سُنَّتِهِ أَظْهَرُ مِنْ مُخَالَفَةِ بَعْضِ الْوَقْتِ لِبَعْضِ فَإِنَّ النَّاسَ لَا يَشْعُرُونَ بِمُرُورِ الْأَوْقَاتِ كَمَا يَشْعُرُونَ بِمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ اخْتِلَافِ الْعُذْرِ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ يُرَى بِالْعَيْنِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَاسْتِدْلَالٍ ; بِخِلَافِ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَخُرُوجِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ . وَلِهَذَا ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ جَمْعَهُ إنَّمَا كَانَ فِي غَيْرِ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ بِأَنْ يُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ وَيُؤَخِّرَ الْأُولَى إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ كَذَلِكَ . فَهَذَا مِمَّا يَقَعُ فِيهِ شُبْهَةٌ ; بِخِلَافِ الصَّلَاةِ أَرْبَعًا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ ; فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ يَقَعُ فِيهِ شُبْهَةٌ وَلَا نِزَاعٌ بَلْ كَانَ يَنْقُلُهُ الْمُسْلِمُونَ وَمَنْ جَوَّزَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا - وَلَا يَنْقُلُهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا يُعْرَفُ قَطُّ إلَّا مِنْ رِوَايَةِ وَاحِدٍ مُضَعَّفٍ عَنْ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ وَالرِّوَايَاتُ الثَّابِتَةُ عَنْ عَائِشَةَ لَا تُوَافِقُهُ بَلْ تُخَالِفُهُ - فَإِنَّهُ لَوْ رُوِيَ لَهُ بِإِسْنَادٍ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْفَجْرَ مَرَّةً أَرْبَعًا لَصُدِّقَ ذَلِكَ . وَمِثْلُ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ بِكُلِّ الْأَخْبَارِ الَّتِي مِنْ هَذَا الْجِنْسِ الَّتِي يَنْفَرِدُ فِيهَا الْوَاحِدُ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ يُنْقَلُ وَيَسْتَفِيضُ . وَهَذَا فِي الضَّعْفِ مِثْلُ أَنْ يُنْقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى : " أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ " وَيُنْقَلُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَلَا يُنْقَلُ إلَّا مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ . وَذَلِكَ مِثْلُ مَا رَوَى أَبُو داود الطيالسي : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ { أَبِي نَضْرَةَ قَالَ : سَأَلَ سَائِلٌ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ ؟ فَقَالَ : إنَّ هَذَا الْفَتَى يَسْأَلُنِي عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَاحْفَظُوهُنَّ عَنِّي مَا سَافَرْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرًا قَطُّ إلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ وَشَهِدْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنينا وَالطَّائِفَ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ حَجَجْت مَعَهُ وَاعْتَمَرْت فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ : يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ثُمَّ حَجَجْت مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَاعْتَمَرْت فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ : يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ثُمَّ حَجَجْت مَعَ عُمَرَ وَاعْتَمَرْت فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ : أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ثُمَّ حَجَجْت مَعَ عُثْمَانَ وَاعْتَمَرْت فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ إنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ } . فَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي السَّفَرِ قَطُّ إلَّا رَكْعَتَيْنِ ؟ هُوَ مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ سَائِرُ الرِّوَايَاتِ ; فَإِنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ إنَّمَا نَقَلُوا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ . وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ : { يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ } فَهَذَا مِمَّا قَالَهُ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ لَمْ يَقُلْهُ فِي حَجَّتِهِ وَإِنَّمَا هَذَا غَلَطٌ وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ . وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ إبْرَاهِيمُ بْنُ حميد عَنْ حَمَّادٍ بِإِسْنَادِهِ رَوَاهُ البيهقي مِنْ طَرِيقِهِ . وَلَفْظُهُ : { مَا سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرًا إلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ; حَتَّى يَرْجِعَ وَيَقُولَ : يَا أَهْلَ مَكَّةَ قُومُوا فَصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ وَغَزَا الطَّائِفَ وحنينا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَأَتَى الْجِعْرَانَةَ فَاعْتَمَرَ مِنْهَا وَحَجَجْت مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَاعْتَمَرْت فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَحَجَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ } فَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ إلَّا عَامَ الْفَتْحِ قَبْلَ غَزْوَةِ حنين وَالطَّائِفِ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو داود فِي سُنَنِهِ صَرِيحًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ { عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : عَرَفْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدْت مَعَهُ الْفَتْحَ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ لَيْلَةً يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَقُولُ : يَا أَهْلَ الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ } وَهَذَا إنَّمَا كَانَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فِي نَفْسِ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ بِمِنَى . وَكَذَلِكَ الثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى بِأَهْلِ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بَعْدَ مَا سَلَّمَ : أَتِمُّوا الصَّلَاةَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ . هَذَا وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا مِمَّنْ نَقَلَ صَلَاتَهُ وَلَا مِمَّنْ نَقَلَ نُسُكَهُ وَحَجَّهُ مَعَ تَوَفُّرِ الْهِمَمِ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ مَعَ أَنَّ أَئِمَّةَ فُقَهَاءِ الْحَرَمَيْنِ كَانُوا يَقُولُونَ إنَّ الْمَكِّيِّينَ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى . أَفَيَكُونُ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُ ذَلِكَ ؟ أَمْ كَانُوا جُهَّالًا بِمِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي يَشِيعُ وَلَا يَجْهَلُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ { حَارِثَةَ بْنِ خُزَاعَةَ قَالَ : صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنَى أَكْثَرَ مَا كُنَّا وَآمَنَهُ رَكْعَتَيْنِ } حَارِثَةُ هَذَا خزاعي وَخُزَاعَةُ مَنْزِلُهَا حَوْلَ مَكَّةَ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بِمِنَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَاسْتَرْجَعَ وَقَالَ : صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنَى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْت مَعَ أَبِي بَكْرٍ بِمِنَى رَكْعَتَيْنِ ; وَصَلَّيْت مَعَ عُمَرَ بِمِنَى رَكْعَتَيْنِ : فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ } . وَإِتْمَامُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ قِيلَ إنَّهُ كَانَ لِأَنَّهُ تَأَهَّلَ بِمَكَّةَ فَصَارَ مُقِيمًا وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ { عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئَابٍ : أ�