تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
( فَصْلٌ ) : مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ لِينِ الْكَلَامِ وَالْمُخَاطَبَةِ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ : فَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ اسْتِعْمَالًا لِهَذَا لَكِنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ حَسَنٌ وَحَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِالْإِغْلَاظِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ لِبَغْيِهِ وَعُدْوَانِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ : فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِمُقَابَلَتِهِ لَمْ نَكُنْ مَأْمُورِينَ أَنْ نُخَاطِبَهُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا فَإِنَّهُ الْأَعْلَى بِنَصِّ الْقُرْآنِ . وَقَالَ : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } وَقَالَ : { إنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ } { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي } وَاَللَّهُ مُحَقِّقٌ وَعْدَهُ لِمَنْ هُوَ كَذَلِكَ كَائِنًا مَنْ كَانَ . وَمِمَّا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَسُوغُ فِي الْعَقْلِ وَلَا الدِّينِ طَلَبُ رِضَا الْمَخْلُوقِينَ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ . كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [ رِضَا ] النَّاسِ غَايَةٌ لَا تُدْرَكُ . فَعَلَيْك بِالْأَمْرِ الَّذِي يُصْلِحُك فَالْزَمْهُ وَدَعْ مَا سِوَاهُ وَلَا تُعَانِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّا مَأْمُورُونَ بِأَنْ نَتَحَرَّى رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ } وَعَلَيْنَا أَنْ نَخَافَ اللَّهَ فَلَا نَخَافُ أَحَدًا إلَّا اللَّهَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } . وَقَالَ : { فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ } وَقَالَ : { فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } { وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ } . فَعَلَيْنَا أَنْ نَخَافَ اللَّهَ وَنَتَّقِيَهُ فِي النَّاسِ فَلَا نَظْلِمَهُمْ بِقُلُوبِنَا وَلَا جَوَارِحِنَا وَنُؤَدِّيَ إلَيْهِمْ حُقُوقَهُمْ بِقُلُوبِنَا وَجَوَارِحِنَا وَلَا نَخَافَهُمْ فِي اللَّهِ فَنَتْرُكَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ خِيفَةً مِنْهُمْ . وَمَنْ لَزِمَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ كَانَتْ الْعَاقِبَةُ لَهُ كَمَا كَتَبَتْ عَائِشَةُ إلَى مُعَاوِيَةَ : " أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّهُ مَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ وَعَادَ حَامِدُهُ مِنْ النَّاسِ ذَامًّا وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَى عَنْهُ النَّاسَ " . فَالْمُؤْمِنُ لَا تَكُونُ فِكْرَتُهُ وَقَصْدُهُ إلَّا رِضَا رَبِّهِ وَاجْتِنَابَ سَخَطِهِ وَالْعَاقِبَةُ لَهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ . هَذَا مَعَ أَنَّ الْمُرْسَلَ فَرِحَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ جَوَّانِيَّهُ فِي الْبَاطِنِ وَكُلُّ مَا يُظْهِرُهُ فَإِنَّهُ مُرَاءَاةٌ لِقَرِينِهِ وَإِلَّا فَهُمَا فِي الْبَاطِنِ مُتَبَايِنَانِ . وَثَمَّ أُمُورٌ تَعْرِفُهَا خَاصَّتُهُمْ وَيَكْفِيك الطيبرسي قَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ الْفَرَحُ وَالِاسْتِبْشَارُ بِمَا جَرَى مَعَ أَنَّهُ الْمُخَاصِمُ الْمُغَلَّظُ عَلَيْهِ . وَهَذَا سَوَاءٌ كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ . الْأَصْلُ الَّذِي يَجِبُ اتِّبَاعُهُ هُوَ الْأَوَّلُ وَقَوْلُ النَّبِيِّ " { لَا تَبْدَءُوهُمْ بِقِتَالِ وَإِنْ أكثبوكم فَارْمُوهُمْ بِالنَّبْلِ } " . عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ وَلَمْ نَرْمِ إلَّا بَعْدَ أَنْ قَصَدُوا شَرَّنَا وَبَعْدَ أَنْ أكثبونا وَلِهَذَا نَفَعَ اللَّهُ بِذَلِكَ .