تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
بَابُ الْإِحْرَامِ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَمَّا حَكَى أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي الْإِحْرَامِ . هَلْ هُوَ رُكْنٌ ؟ أَمْ لَا ؟ ثُمَّ إنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : أَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَارَةٌ عَنْ نِيَّةِ الْحَجِّ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْخِلَافُ فِي النِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْحَجِّ الشَّرْعِيِّ بِدُونِهَا أَبِنْ لَنَا عَنْ هَذَا مُثَابًا مُعَظَّمَ الْأَجْرِ ؟ .
1
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْجَوَابُ مِنْ طَرِيقَيْنِ : إجْمَالِيٍّ وَتَفْصِيلِيٍّ . أَمَّا الْإِجْمَالِيُّ فَنَقُولُ : أَمَّا النِّيَّةُ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَصِحُّ إلَّا بِهَا إمَّا مِنْ الْحَاجِّ نَفْسِهِ وَإِمَّا مَنْ يَحُجُّ بِهِ كَمَا يَحُجُّ وَلِيُّ الصَّبِيِّ وَلَوْ عَمِلَ الرَّجُلُ أَعْمَالَ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَمْ يَصِحَّ الْحَجُّ كَمَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَسَوَاءٌ قِيلَ : إنَّ الْحَجَّ يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِهَا وَبِشَيْءِ آخَرَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ : مِنْ تَلْبِيَةٍ أَوْ تَقْلِيدِ هَدْيٍ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ . وَسَوَاءٌ قُلْنَا : إنَّ الْإِحْرَامَ رُكْنٌ أَمْ لَيْسَ بِرُكْنِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَقْبَلُ الْخِلَافَ فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودَةَ يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْعِبَادَاتِ الْمَأْمُورَ بِهَا بِدُونِ النِّيَّةِ . وَأَمَّا انْعِقَادُ الْإِحْرَامِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ فَفِيهِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَفَرْقٌ بَيْنَ النِّيَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ لِلْحَجِّ وَالنِّيَّةِ الَّتِي يَنْعَقِدُ بِهَا الْإِحْرَامُ فَإِنَّ الرَّجُلَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْوِيَ الْحَجَّ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ وَيَقِفَ وَيَطُوفَ مُسْتَصْحِبًا لِهَذِهِ النِّيَّةِ ; ذِكْرًا وَحُكْمًا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْإِحْرَامَ وَلَا يَخْطُرُ بِقَلْبِهِ . وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ النِّيَّةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الْعِبَادَاتِ تَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرَيْنِ : عَلَى قَصْدِ الْعِبَادَةِ وَقَصْدِ الْمَعْبُودِ . وَقَصْدُ الْمَعْبُودِ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : { وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } { وقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ } . فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيَّزَ بَيْنَ مَقْصُودٍ وَمَقْصُودٍ وَهَذَا الْمَقْصُودُ فِي الْجُمْلَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلِّ فِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ } فَإِنَّ كُلَّ بَشَرٍ بَلْ كُلَّ حَيَوَانٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ هِمَّةٍ وَهُوَ الْإِرَادَةُ وَمِنْ حَرْثٍ وَهُوَ الْعَمَلُ إذْ مِنْ لَوَازِمِ الْحَيَوَانِ أَنَّهُ يَتَحَرَّكُ بِإِرَادَتِهِ ثُمَّ ذَلِكَ الَّذِي يَقْصِدُهُ هُوَ غَايَتُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْدُثُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَصْدِ قَصْدٌ آخَرُ وَإِنَّمَا تَطْمَئِنُّ النُّفُوسُ بِوُصُولِهَا إلَى مَقْصُودِهَا . وَأَمَّا قَصْدُ الْعِبَادَةِ فَقَصْدُ الْعَمَلِ الْخَاصِّ فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ اللَّهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ بِعَمَلِهِ : فَقَدْ يُرِيدُهُ بِصَلَاةِ وَقَدْ يُرِيدُهُ بِحَجِّ . وَكَذَلِكَ مَنْ قَصَدَ طَاعَتَهُ بِامْتِثَالِ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَقَدْ أَطَاعَهُ فِي هَذَا الْعَمَلِ . وَقَدْ يَقْصِدُ طَاعَتَهُ فِي هَذَا الْعَمَلِ فَهَذَا الْقَصْدُ الثَّانِي مِثْلُ قَصْدِ الصَّلَاةِ دُونَ الصَّوْمِ ثُمَّ صَلَاةِ الظُّهْرِ دُونَ صَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ وَهَذِهِ النِّيَّةُ الَّتِي تُذْكَرُ غَالِبًا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ النِّيَّتَيْنِ فَرْضٌ فِي الْجُمْلَةِ . أَمَّا الْأُولَى : فَبِهَا يَتَمَيَّزُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ مِمَّنْ يَعْبُدُ الطَّاغُوتَ أَوْ يُشْرِكُ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَمَنْ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ مِمَّنْ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا وَهُوَ الدِّينُ الْخَالِصُ لِلَّهِ الَّذِي تَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ الشَّرَائِعِ الَّذِي نُهِيَ الْأَنْبِيَاءُ عَنْ التَّفَرُّقِ فِيهِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } . وَلِهَذَا كَانَ دِينُ الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدًا وَإِنْ كَانَتْ شَرَائِعُهُمْ مُتَنَوِّعَةً . قَالَ تَعَالَى : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ } . وَأَمَّا النِّيَّةُ الثَّانِيَةُ : فَبِهَا تَتَمَيَّزُ أَنْوَاعُ الْعِبَادَاتِ وَأَجْنَاسُ الشَّرَائِعِ فَيَتَمَيَّزُ الْمُصَلِّي مِنْ الْحَاجِّ وَالصَّائِمِ وَيَتَمَيَّزُ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَيَصُومُ قَضَاءَ رَمَضَانَ مِمَّنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَيَصُومُ شَيْئًا مِنْ شَوَّالٍ وَيَتَمَيَّزُ مَنْ يَتَصَدَّقُ عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ مِمَّنْ يَتَصَدَّقُ مِنْ نَذْرٍ عَلَيْهِ أَوْ كَفَّارَةٍ . وَأَصْنَافُ الْعِبَادَاتِ مِمَّا تَتَنَوَّعُ فِيهِ الشَّرَائِعُ إذْ الدِّينُ لَا قِوَامَ لَهُ إلَّا الشَّرِيعَةُ إذْ أَعْمَالُ الْقُلُوبِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِأَعْمَالِ الْأَبْدَانِ كَمَا أَنَّ الرُّوحَ لَا قِوَامَ لَهَا إلَّا بِالْبَدَنِ . أَعْنِي مَا دَامَتْ فِي الدُّنْيَا . وَكَمَا أَنَّ مَعَانِيَ الْكَلَامِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْأَلْفَاظِ وَبِمَجْمُوعِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى يَصِيرُ الْكَلَامُ كَلَامًا وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأُمَمِ وَاللَّفْظُ يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ الْأُمَمِ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ لُغَةُ بَعْضِ الْأُمَمِ أَبْلَغَ فِي إكْمَالِ الْمَعْنَى مِنْ بَعْضٍ وَبَعْضُ أَلْفَاظِ اللُّغَةِ أَبْلَغَ تَمَامًا لِلْمَعْنَى مِنْ بَعْضٍ . فَالدِّينُ الْعَامُّ يَتَعَلَّقُ بِقَصْدِ الْقَلْبِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ عَمَلٍ بَدَنِيٍّ يَتِمُّ بِهِ الْقَصْدُ وَيَكْمُلُ فَتَنَوَّعَتْ الْأَعْمَالُ الْبَدَنِيَّةُ كَذَلِكَ وَتَنَوَّعَتْ لِمَا اقْتَضَتْهُ مَشِيئَةُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ لِعِبَادِهِ وَبِحِكْمَتِهِ فِي أَمْرِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ النِّيَّتَيْنِ ; لِأَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْنَا أَنْ نُقِيمَ دِينَهُ بِالشَّرِيعَةِ الَّتِي بَعَثَ بِهَا رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ لَا يَقْبَلُ مِنَّا أَنْ نَعْبُدَهُ بِشَرِيعَةِ غَيْرِهَا . وَالْأَعْمَالُ الْمَشْرُوعَةُ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَعْمَالٍ مَخْصُوصَةٍ قَدْ يُعْتَبَرُ لَهَا أَوْقَاتٌ وَأَمْكِنَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَصِفَاتٌ كُلَّمَا كَانَ فَرْضًا عَلَيْنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَأَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ عَلَى وَصْفٍ مُعَيَّنٍ كَانَ فَرْضًا عَلَيْنَا أَنْ نَقْصِدَهُ الْقَصْدَ الَّذِي نَكُونُ بِهِ عَابِدِينَ . وَالْقَصْدَ الَّذِي بِهِ نَكُونُ عَابِدِينَ بِنَفْسِ الْعَمَلِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ . ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ النِّيَّاتِ قَدْ تَحْصُلُ جُمْلَةً وَقَدْ تَحْصُلُ تَفْصِيلًا وَقَدْ تَحْصُلُ بِطَرِيقِ التَّلَازُمِ وَقَدْ تَتَنَوَّعُ النِّيَّاتُ حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ بِحَيْثُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِأَدْنَاهَا لَكِنَّ الْفَضْلَ لِمَنْ أَتَى بِالْأَعْلَى . وَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مَقْصُودًا بِالْقَصْدِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَدْ يَحْضُرُ الْإِنْسَانَ الْقَصْدُ الثَّانِي وَيُذْهَلُ عَنْ الْقَصْدِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِي قَصْدِهِ الْعِبَادَةَ قَدْ يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَوْ يُرِيدُ طَاعَتَهُ أَوْ عِبَادَتَهُ أَوْ التَّقَرُّبَ إلَيْهِ أَوْ يُرِيدُ ثَوَابَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَشْعِرَ ثَوَابًا مُعَيَّنًا أَوْ يَرْجُوَ ثَوَابًا مُعَيَّنًا فِي الْآخِرَةِ أَوْ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِيهِمَا أَوْ يَخَافُ عِقَابًا إمَّا مُجْمَلًا وَإِمَّا مُفَصَّلًا . وَتَفَاصِيلُ هَذِهِ النِّيَّاتِ بَابٌ وَاسِعٌ . وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي نَوْعٍ مِنْ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ دُونَ نَوْعٍ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَقْيِيسِ ذَلِكَ نِيَّةَ نَوْعِ الْعَمَلِ فَإِنَّ مَنْ قَصَدَ الْحَجَّ قَدْ يَكُونُ قَدْ اسْتَشْعَرَ الْحَجَّ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَهُوَ أَنَّهُ قَصْدُ مَكَانٍ مُعَيَّنٍ فَيَقْصِدُ مَا اسْتَشْعَرَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَلَا قَصْدِ تَفْصِيلِ أَعْمَالِهِ مِنْ وُقُوفٍ وَطَوَافٍ وَتَرْكِ مَحْظُورَاتٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ; بَلْ إنَّمَا تَصِيرُ تَفَاصِيلُ أَعْمَالِ الْحَجِّ مَقْصُودَةً إذَا اسْتَشْعَرَهَا وَقَدْ يَكُونُ عَالِمًا بِجِنْسِ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَأَنَّهَا وُقُوفٌ وَطَوَافٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا قَدْ وُصِفَتْ لَهُ . وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَيْنَ الْمَكَانِ وَصُورَةَ الطَّوَافِ فَيَنْوِي ذَلِكَ . وَقَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ كُلَّهُ فَيَنْوِي مَا قَدْ عَلِمَهُ . وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ وَقُلْنَا لَهُ : قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْك الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يَلْتَزِمُهَا وَيَنْوِيهَا لِاسْتِشْعَارِهِ لَهَا جُمْلَةً وَلَمْ يَعْلَمْ صِفَتَهَا ; بَلْ كُلُّ مَنْ آمَنَ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيمَانًا رَاسِخًا فَإِنَّ إيمَانَهُ مُتَضَمِّنٌ لِتَصْدِيقِهِ فِيمَا أَخْبَرَهُ وَطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَقْصِدْ أَنْوَاعَ الْأَخْبَارِ وَالْأَعْمَالِ ثُمَّ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالتَّفْصِيلِ : إمَّا أَنْ يُصَدِّقَ وَيُطِيعَ فَيَصِيرَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَوْ يُخَالِفَ ذَلِكَ فَيَصِيرَ إمَّا مُنَافِقًا وَإِمَّا عَاصِيًا فَاسِقًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ . وَهَذَا يُبَيِّنُ لَك أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ : رَجُلٌ يَقْصِدُ عِبَادَةَ اللَّهِ وَطَاعَتَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ الْعَمَلَ الْمُعَيَّنَ الْمَأْمُورَ بِهِ : كَرَجُلِ لَهُ أَمْوَالٌ يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى السَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ مُرِيدًا بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْطُرَ بِبَالِهِ لَا زَكَاةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَلَا وَضْعُهَا فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ دُونَ بَعْضٍ . فَهَذَا يُثَابُ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ لَكِنْ بَقِيَ فِي عُهْدَةِ الْأَمْرِ بِالْوَاجِبَاتِ . وَرَجُلٌ قَدْ يَقْصِدُ الْعَمَلَ الْمُعَيَّنَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ طَاعَةَ اللَّهِ وَعِبَادَتَهُ كَمَنْ يَدْفَعُ زَكَاةَ مَالِهِ إلَى السُّلْطَانِ ; لِئَلَّا يَضْرِبَ عُنُقَهُ أَوْ يَنْقُصَ حُرْمَتَهُ أَوْ يَأْخُذَ مَالَهُ أَوْ قَامَ يُصَلِّي خَوْفًا عَلَى دَمِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ عِرْضِهِ . وَهَذِهِ حَالُ الْمُنَافِقِينَ عُمُومًا وَالْمُرَائِينَ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ خُصُوصًا . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ } وَقَالَ : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ } { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } { الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ } { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ } . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَقْصِدَ فِعْلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ الْمُعَيَّنِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ . وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ نَوْعِ الْعَمَلِ الْوَاجِبِ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي الْجُمْلَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ الصَّلَاةَ أَوْ الْحَجَّ أَوْ الصِّيَامَ وَلَهُمْ فِي فُرُوعِ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ . وَاخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ الْأُولَى : وَهِيَ نِيَّةُ الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى : مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودَةِ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِ الْمَقْصُودَةِ كَالطَّهَارَةِ وَالتَّيَمُّمِ " وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لَمْ يَعْتَبِرُوا نِيَّةَ الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ . وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْسَ نِيَّةِ فِعْلِ الْعِبَادَةِ تَتَضَمَّنُ الْإِضَافَةَ كَمَا تَتَضَمَّنُ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ لَا تُشْرَعُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي الْحَضَرِ لَا تَكُونُ إلَّا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ نِيَّةُ الْإِضَافَةِ . وَأَيْضًا : النِّيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ تَقُومُ مَقَامَ النِّيَّةِ الْمُسْتَحْضَرَةِ وَإِنْ كَانَتْ النِّيَّةُ الْمُسْتَحْضَرَةُ أَكْمَلَ وَأَفْضَلَ فَإِذَا نَوَى الْعَبْدُ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ أَجْزَأَهُ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ حُكْمًا فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ الَّذِي دَخَلَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ قَدْ نَوَى نِيَّةً عَامَّةً : أَنَّ عِبَادَاتِهِ هِيَ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مُنَافِقًا . فَإِذَا نَوَى عِبَادَةً مُعَيَّنَةً مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ كَانَ مُسْتَصْحِبًا لِحُكْمِ تِلْكَ النِّيَّةِ الشَّامِلَةِ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ كَمَا أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ إذَا نَوَى الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ كَانَ مُسْتَصْحِبًا لِحُكْمِ نِيَّةِ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ الشَّامِلَةِ لِجَمِيعِ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ ثُمَّ إنْ أَتَى بِمَا يَنْقُضُ عِلْمَ تِلْكَ أَفْسَدَهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ فَاسِخًا لَهَا كَمَا لَوْ فَسَخَ نِيَّةَ الصَّلَاةِ فِي أَثْنَائِهَا فَإِذَا قَامَ يُصَلِّي لِئَلَّا يُضْرَبَ أَوْ يُؤْخَذَ مَالُهُ أَوْ أَدَّى الزَّكَاةَ لِئَلَّا يُضْرَبَ : كَانَ قَدْ فَسَخَ تِلْكَ النِّيَّةَ الْإِيمَانِيَّةَ . فَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ فَاسِدَةٌ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَقُلْنَا : إنَّ عِبَادَاتِ الْمُرَائِينَ الْوَاجِبَةَ بَاطِلَةٌ وَإِنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ الْمُمْتَنِعِ مِنْ أَدَائِهَا لَمْ يُجْزِهِ فِي الْبَاطِنِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ غَالِبُ الْمُسْلِمِينَ يُولَدُ بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ يَصِيرُونَ مُسْلِمِينَ إسْلَامًا حُكْمِيًّا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ إيمَانٌ بِالْفِعْلِ ثُمَّ إذَا بَلَغُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يُرْزَقُ الْإِيمَانَ الْفِعْلِيَّ فَيُؤَدِّي الْفَرَائِضَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ الْمَحْضَةِ وَالْمُتَابَعَةِ لِأَقَارِبِهِ وَأَهْلِ بَلَدِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : مِثْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ السُّلْطَانَ يَأْخُذُ الْكُلَفَ وَلَمْ يَسْتَشْعِرْ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا . فَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ الْكُلَفِ الْمُبْتَدَعَةِ وَبَيْنَ الزَّكَاةِ الْمَشْرُوعَةِ أَوْ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ [ كُلَّ ] سَنَةٍ إلَى عَرَفَاتٍ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اسْتِشْعَارِ أَنَّ هَذَا عِبَادَةٌ لِلَّهِ . لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا أَوْ يُقَاتِلُ الْكُفَّارَ لِأَنَّ قَوْمَهُ قَاتَلُوهُمْ فَقَاتَلَ تَبَعًا لِقَوْمِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ . فَهَؤُلَاءِ لَا تَصِحُّ عِبَادَتُهُمْ بِلَا تَرَدُّدٍ بَلْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ فَلَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ : إنَّ نِيَّةَ الْإِضَافَةِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً : أَرَادَ مِثْلَ هَؤُلَاءِ وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِيهَا بِالنِّيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ . فَفَرَّقَ بَيْنَ مَنْ لَمْ يُرِدْ اللَّهَ بِعَمَلِهِ لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا وَبَيْنَ مَنْ أَرَادَهُ جُمْلَةً وَذُهِلَ عَنْ إرَادَتِهِ بِالْعَمَلِ الْمُعَيَّنِ تَفْصِيلًا . فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ الْأُمَّةِ لَا يَقُولُ : إنَّ الْأَوَّلَ عَابِدٌ لِلَّهِ وَلَا مُؤَدٍّ لِمَا أَمَرَ بِهِ أَصْلًا ; وَهَذَا ظَاهِرٌ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ اشْتَرَطَ هَذِهِ النِّيَّةَ عِنْدَ الْعَمَلِ الْمُعَيَّنِ فَقَالَ : النِّيَّةُ الْوَاجِبَةُ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَدَاءَ فِعْلِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ بِعَيْنِهَا وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ رِيَاءٍ وَلَا سُمْعَةٍ . وَلَفْظُ بَعْضِهِمْ : اتِّبَاعُ أَمْرِهِ وَإِخْلَاصُ الْعَمَلِ لَهُ . وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ كَلَامُ أَكْثَرِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَسْتَدِلُّونَ عَلَى النِّيَّةِ الْوَاجِبَةِ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا بِقَوْلِهِ : { وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } قَالُوا : وَإِخْلَاصُ الدِّينِ هُوَ النِّيَّةُ . وَمَنْ اغْتَسَلَ لِلتَّبَرُّدِ أَوْ التَّنَظُّفِ لَمْ يُخْلِصْ الدِّينَ لِلَّهِ وَيَسْتَدِلُّونَ بِقَوْلِهِ : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ } قَالُوا : وَمَنْ اغْتَسَلَ لِلتَّبَرُّدِ وَالتَّنَظُّفِ لَمْ يُرِدْ حَرْثَ الْآخِرَةِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُخْلِصَ لَهُ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ تَدُلَّانِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ أَبْلَغَ مِنْ دَلَالَتِهِمَا عَلَى وُجُوبِ نِيَّةِ الْعَمَلِ الْمُعَيَّنِ ; لَكِنْ مَنْ نَصَرَ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ قَدْ يَقُولُ : نِيَّةُ النَّوْعِ مُسْتَلْزِمَةٌ لِنِيَّةِ الْجِنْسِ فَإِنَّ مَنْ نَوَى الْعَمَلَ الْمُعَيَّنَ فَقَدْ نَوَى الْعَمَلَ لِلَّهِ بِحُكْمِ إيمَانِهِ كَمَا تَقَدَّمَ . وَمَنْ نَصَرَ الثَّانِيَ يَقُولُ : النِّيَّةُ الْوَاجِبَةُ لَا تَتَقَدَّمُ عَلَى الْعَمَلِ بِعِشْرِينَ سَنَةً بَلْ إنَّمَا تُقَدَّمُ عَلَيْهِ إمَّا بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ وَإِمَّا مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْوُجُوبِ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ . وَأَيْضًا : فَالدَّلِيلُ الظَّاهِرُ وَالْقِيَاسُ يُوجِبُ وُجُودَ النِّيَّةِ الْمُحْضَرَةِ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَةِ وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْ اسْتِصْحَابِهَا فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَلَا مَشَقَّةَ فِي نِيَّةِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ عِنْدَ فِعْلِ كُلِّ عِبَادَةٍ . وَأَيْضًا فَغَالِبُ النَّاسِ إسْلَامُهُمْ حُكْمِيٌّ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي قُلُوبِهِمْ فِي أَثْنَاءِ الْأَمْرِ إنْ دَخَلَ . فَإِنْ لَمْ تُوجَبْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ النِّيَّةُ لَمْ يَقْصِدُوهَا فَتَخْلُو قُلُوبُهُمْ مِنْهَا فَيَصِيرُونَ مُنَافِقِينَ إنَّمَا يَعْمَلُونَ الْأَعْمَالَ عَادَةً وَمُتَابَعَةً كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ .