تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ قَوْمٍ لَهُمْ عِنْدَ رَاهِبٍ فِي دَيْرٍ وَدِيعَةٌ وَادَّعَى عَدَمَهَا مَعَ مَا كَانَ فِي الدَّيْرِ ثُمَّ ظَهَرَ الَّذِي ادَّعَى أَنَّ مَا عَدِمَ مِنْ الدَّيْرِ قَدْ بَاعَهُ . فَهَلْ يُلْزَمُ بِالْمَالِ ؟ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ ؟ وَدَيْرُ هَذَا الرَّاهِبِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ الْمَالِحِ وَلَهُ أَخٌ حَرَامِيٌّ فِي الْبَحْرِ يَأْوِي إلَيْهِ وَالْحَرَامِيَّةُ أَيْضًا . فَمَا يَجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ فِيهِ ؟ وَهَلْ يَجُوزُ قَتْلُهُ وَخَرَابُ دَيْرِهِ ؟ وَكَانَ أَهْلُ الْمَالِ طَلَبُوا مَالَهُمْ مِنْهُ فَلَمْ يُسَلِّمْهُ لَهُمْ وَلَهُمْ شُهُودٌ نَصَارَى يَشْهَدُونَ بِذَلِكَ ؟
1
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . إذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي لِلْمُودِعِ لَمْ يَذْهَبْ فَادَّعَى أَنَّ الْوَدِيعَةَ ذَهَبَتْ دُونَ مَالِهِ فَهُنَا يَكُونُ ضَامِنًا لِلْوَدِيعَةِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ : كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ; فَإِنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَمَّنَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَدِيعَةً ادَّعَى أَنَّهَا ذَهَبَتْ دُونَ مَالِهِ . وَأَمَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ ذَهَبَ جَمِيعُ الْمَالِ ثُمَّ ظَهَرَ كَذِبُهُ فَهُنَا وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ أَوْكَدُ . فَإِذَا ادَّعَى الْمُودِعُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ طَلَبَ الْوَدِيعَةَ مِنْهُ فَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ خَانَ فِي الْوَدِيعَةِ وَلَمْ تَتْلَفْ : كَانَ قَبُولُ قَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ أَقْوَى وَأَوْكَدَ ; بَلْ يَسْتَحِقُّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ الَّذِي يَرْدَعُهُ وَأَمْثَالَهُ عَنْ الْكَذِبِ . وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ . وَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ الْمَقْبُولِينَ عِنْدَهُمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ . وَقَبُولُ شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ هُنَا أَوْكَدُ . وَمَنْ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُمْ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ ; لِظُهُورِ رُجْحَانِ قَوْلِ الْمُدَّعِي فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَيْضًا . وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يُؤْوِي أَهْلَ الْحَرْبِ أَوْ يُعَاوِنُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ قَدْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ وَحَلَّ دَمُهُ وَمَالُهُ وَالْوَاجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ أَلَّا يَتْرُكُوا مِثْلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمَنُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مَوْضِعٍ يُخَافُ ضَرَرُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ يُنْقَلُ إلَيْهِمْ أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّهُ قَدْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ وَحَلَّ دَمُهُ وَمَالُهُ .