تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ أَوَّلُ التَّفَرُّقِ وَالِابْتِدَاعِ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَقْتَلِ " عُثْمَانَ وَافْتِرَاقِ الْمُسْلِمِينَ ; فَلَمَّا اتَّفَقَ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ عَلَى التَّحْكِيمِ أَنْكَرَتْ الْخَوَارِجُ وَقَالُوا لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ وَفَارَقُوا جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ ابْنَ عَبَّاسٍ فَنَاظَرَهُمْ فَرَجَعَ نِصْفُهُمْ وَالْآخَرُونَ أَغَارُوا عَلَى مَاشِيَةِ النَّاسِ وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَهُمْ فَقَتَلُوا ابْنَ خباب وَقَالُوا كُلُّنَا قَتَلَهُ فَقَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ وَأَصْلُ مَذْهَبِهِمْ تَعْظِيمُ الْقُرْآنِ وَطَلَبُ اتِّبَاعِهِ لَكِنْ خَرَجُوا عَنْ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَهُمْ لَا يَرَوْنَ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ الَّتِي يَظُنُّونَ أَنَّهَا تُخَالِفُ الْقُرْآنَ كَالرَّجْمِ وَنِصَابِ السَّرِقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَضَلُّوا ; فَإِنَّ الرَّسُولَ أَعْلَمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ قَدْ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَجَوَّزُوا عَلَى النَّبِيِّ أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا فَلَمْ يُنَفِّذُوا لِحُكْمِ النَّبِيِّ وَلَا لِحُكْمِ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ بَلْ قَالُوا : إنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَمَنْ وَالَاهُمَا قَدْ حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } فَكَفَّرُوا الْمُسْلِمِينَ بِهَذَا وَبِغَيْرِهِ وَتَكْفِيرُهُمْ وَتَكْفِيرُ سَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ بَاطِلَتَيْنِ . ( إحْدَاهُمَا أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ الْقُرْآنَ . و ( الثَّانِيَةُ أَنَّ مَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ يَكْفُرُ وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا أَوْ مُذْنِبًا مُعْتَقِدًا لِلْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ . وَبِإِزَائِهِمْ " الشِّيعَةُ " غَلَوْا فِي الْأَئِمَّةِ وَجَعَلُوهُمْ مَعْصُومِينَ يَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ وَأَوْجَبُوا الرُّجُوعَ إلَيْهِمْ فِي جَمِيعِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ فَلَا يُعَرِّجُونَ لَا عَلَى الْقُرْآنِ وَلَا عَلَى السُّنَّةِ ; بَلْ عَلَى قَوْلِ مَنْ ظَنُّوهُ مَعْصُومًا وَانْتَهَى الْأَمْرُ إلَى الِائْتِمَامِ بِإِمَامِ مَعْدُومٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَكَانُوا أَضَلَّ مِنْ الْخَوَارِجِ فَإِنَّ أُولَئِكَ يَرْجِعُونَ إلَى الْقُرْآنِ وَهُوَ حَقٌّ وَإِنْ غَلِطُوا فِيهِ وَهَؤُلَاءِ لَا يَرْجِعُونَ إلَى شَيْءٍ بَلْ إلَى مَعْدُومٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ثُمَّ إنَّمَا يَتَمَسَّكُونَ بِمَا يُنْقَلُ لَهُمْ عَنْ بَعْضِ الْمَوْتَى فَيَتَمَسَّكُونَ بِنَقْلِ غَيْرِ مُصَدَّقٍ عَنْ قَائِلٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ ; وَلِهَذَا كَانُوا أَكْذَبَ الطَّوَائِفِ وَالْخَوَارِجُ صَادِقُونَ فَحَدِيثُهُمْ مِنْ أَصَحِّ الْحَدِيثِ وَحَدِيثُ الشِّيعَةِ مِنْ أَكْذَبِ الْحَدِيثِ . وَلَكِنَّ الْخَوَارِجَ دِينُهُمْ الْمُعَظَّمُ مُفَارَقَةُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتِحْلَالُ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَالشِّيعَةُ تَخْتَارُ هَذَا لَكِنَّهُمْ عَاجِزُونَ وَالزَّيْدِيَّةُ تَفْعَلُ هَذَا وَالْإِمَامِيَّةُ تَارَةً تَفْعَلُهُ وَتَارَةً يَقُولُونَ لَا نَقْتُلُ إلَّا تَحْتَ رَايَةِ إمَامٍ مَعْصُومٍ وَالشِّيعَةُ اسْتَتْبَعُوا أَعْدَاءَ الْمِلَّةِ مِنْ الْمَلَاحِدَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَلِهَذَا أَوْصَتْ الْمَلَاحِدَةُ - مِثْلُ الْقَرَامِطَةِ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْبَحْرَيْنِ وَهُمْ مِنْ أَكْفَرِ الْخَلْقِ وَمِثْلُ قَرَامِطَةِ الْمَغْرِبِ وَمِصْرَ وَهُمْ كَانُوا يَسْتَتِرُونَ بِالتَّشَيُّعِ - أَوْصَوْا بِأَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَابِ التَّشَيُّعِ فَإِنَّهُمْ يَفْتَحُونَ الْبَابَ لِكُلِّ عَدُوٍّ لِلْإِسْلَامِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ وَهُمْ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ فَحَضَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ : وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ثَلَاثًا } فَوَصَّى الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ لَمْ يَجْعَلْهُمْ أَئِمَّةً يُرْجِعُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِمْ فَانْتَحَلَتْ الْخَوَارِجُ كِتَابَ اللَّهِ وَانْتَحَلَتْ الشِّيعَةُ أَهْلَ الْبَيْتِ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مُتَّبِعٍ لِمَا انْتَحَلَهُ ; فَإِنَّ الْخَوَارِجَ خَالَفُوا السُّنَّةَ الَّتِي أَمَرَ الْقُرْآنُ بِاتِّبَاعِهَا وَكَفَّرُوا الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَمَرَ الْقُرْآنُ بِمُوَالَاتِهِمْ وَلِهَذَا تَأَوَّلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ } { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ } وَصَارُوا يَتَتَبَّعُونَ الْمُتَشَابِهَ مِنْ الْقُرْآنِ فَيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ مِنْهُمْ بِمَعْنَاهُ وَلَا رُسُوخٍ فِي الْعِلْمِ وَلَا اتِّبَاعٍ لِلسُّنَّةِ وَلَا مُرَاجَعَةٍ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَفْهَمُونَ الْقُرْآنَ . وَأَمَّا مُخَالَفَةُ الشِّيعَةِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ فَكَثِيرَةٌ جِدًّا قَدْ بُسِطَتْ فِي مَوَاضِعَ