تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ وَالْمُفَسِّرُونَ ذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ { وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ } هَذَا وَهَذَا . فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ والسدي وَغَيْرِهِمَا : أَنَّهُمْ يَقُولُونَ هَذَا تَشَاؤُمًا بِدِينِهِ . وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ . قَالَ : بِسُوءِ تَدْبِيرِك - يَعْنِي كَمَا قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبي وَغَيْرُهُ يَوْمَ أُحُدٍ - وَهُمْ كَاَلَّذِينَ { قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } . فَبِكُلِّ حَالٍ : قَوْلُهُمْ " مِنْ عِنْدك " هُوَ طَعْنٌ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ : مِنْ الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ . وَجَعَلَ ذَلِك : هُوَ الْمُوجِبُ لِلْمَصَائِبِ الَّتِي تُصِيبُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُطِيعِينَ كَمَا أَصَابَتْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ . وَتَارَةً تُصِيبُ عَدُوَّهُمْ . فَيَقُولُ الْكَافِرُونَ : هَذَا بِشُؤْمِ هَؤُلَاءِ كَمَا قَالَ أَصْحَابُ الْقَرْيَةِ لِلْمُرْسَلِينَ { إنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } وَكَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ آلِ فِرْعَوْنَ { فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } وَقَالَ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ صَالِحٍ { قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } وَلَمَّا قَالَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ { إنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } { قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ } . قَالَ الضَّحَّاكُ : فِي قَوْلِهِ { أَلَا إنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ } يَقُول : الْأَمْرُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ مَا أَصَابَكُمْ مِنْ أَمْرٍ فَمِنْ اللَّهِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ . وَقَالَ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : " مَعَايِبُكُمْ " وَقَالَ قتادة عَمَلُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ . وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ عَلِيٍّ : عَمَلُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ { بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } أَيْ تُبْتَلَوْنَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَمَعْصِيَتِهِ . رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ . وَعَنْ ابْنِ إسْحَاقَ قَالَ : قَالَتْ الرُّسُلُ " طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ " أَيْ أَعْمَالُكُمْ . فَقَدْ فَسَّرُوا " الطَّائِرَ " بِالْأَعْمَالِ وَجَزَائِهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : إنَّمَا أَصَابَنَا مَا أَصَابَنَا مِنْ الْمَصَائِبِ بِذُنُوبِ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ . فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : أَنَّ طَائِرَهُمْ - وَهُوَ الْأَعْمَالُ وَجَزَاؤُهَا - هُوَ عِنْدَ اللَّهِ . وَهُوَ مَعَهُمْ . فَهُوَ مَعَهُمْ لِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ وَمَا قَدَّرَ مِنْ جَزَائِهَا مَعَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى { وَكُلَّ إنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ } وَهُوَ مِنْ اللَّهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ تِلْكَ الْمَصَائِبَ بِأَعْمَالِهِمْ . فَمِنْ عِنْدِهِ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَصَائِبُ . جَزَاءً عَلَى أَعْمَالِهِمْ لَا بِسَبَبِ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ . وَفِي هَذَا يُقَالُ : إنَّهُمْ إنَّمَا يُجْزَوْنَ بِأَعْمَالِهِمْ لَا بِأَعْمَالِ غَيْرِهِمْ . وَلِذَلِك قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ - لَمَّا كَانَ الْمُنَافِقُونَ وَالْكُفَّارُ وَمَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ يَقُولُ : هَذَا الَّذِي أَصَابَنَا هُوَ بِسَبَبِ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ عُقُوبَةٌ دِينِيَّةٌ وَصَلَ إلينا - بَيَّنَ سُبْحَانَهُ : أن ما أصابهم من الْمَصَائِبِ إنما هو بذنوبهم . ففي هَذَا رَدٌّ على مَنْ أَعْرَضَ عن طَاعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لئلا تُصِيبَهُ تلك الْمَصَائِبُ . وعلى مَنْ انتسب إلى الْإِيمَانِ بالرسول وَنَسَبَهَا إلى فِعْلِ ما جاء بِهِ الرَّسُولُ وعلى مَنْ أصابته مع كُفْرِهِ بالرسول وَنَسَبَهَا إلى ما جاء بِهِ الرَّسُولُ .