تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى عَمَلٍ وُجُودِيٍّ بِفِعْلِ الْحَسَنَاتِ كَعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَتَرْكُ السَّيِّئَاتِ كَتَرْكِ الشِّرْكِ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ وَفِعْلُ السَّيِّئَاتِ مِثْلُ تَرْكِ التَّوْحِيدِ وَعِبَادَةُ غَيْرِ اللَّهِ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ . قَالَ تَعَالَى { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } وَقَالَ تَعَالَى { إنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } وَقَالَ تَعَالَى { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا } وَقَالَ تَعَالَى { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } { وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } - إلَى قَوْلِهِ - { أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } وَقَالَ تَعَالَى { ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ } . فَأَمَّا عَدَمُ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ : فَجَزَاؤُهُ عَدَمُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ . وَإِذَا فُرِضَ رَجُلٌ آمَنَ بِالرَّسُولِ مُجْمَلًا وَبَقِيَ مُدَّةً لَا يَفْعَلُ كَثِيرًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَا سَمِعَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فَلَمْ يَعْتَقِدْ تَحْرِيمَهَا . مِثْلُ مَنْ آمَنَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَلَا عَلِمَ أَنَّهُ حَرَّمَ نِكَاحَ الْأَقَارِبِ سِوَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ وَلَا حَرَّمَ بِالْمُصَاهَرَةِ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ - حَرَّمَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أُصُولَ الْآخَرِ وَفُرُوعَهُ - فَإِذَا آمَنَ وَلَمْ يَفْعَلْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَا اعتقد تَحْرِيمَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِك : فَهَذَا لَا يُثَابُ وَلَا يُعَاقَبُ . وَلَكِنْ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَاعْتَقَدَهُ : أُثِيبَ عَلَى اعْتِقَادِهِ . وَإِذَا تَرَكَ ذَلِك - مَعَ دُعَاءِ النَّفْسِ إلَيْهِ - أُثِيبَ ثَوَابًا آخَرَ كَاَلَّذِي تَدْعُوهُ نَفْسُهُ إلَى الشَّهَوَاتِ فَيَنْهَاهَا كَالصَّائِمِ الَّذِي تَشْتَهِي نَفْسُهُ الْأَكْلَ وَالْجِمَاعَ فَيَنْهَاهَا وَاَلَّذِي تَشْتَهِي نَفْسُهُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَالْفَوَاحِشَ فَيَنْهَاهَا . فَهَذَا يُثَابُ ثَوَابًا آخَرَ بِحَسَبِ نَهْيِهِ لِنَفْسِهِ وَصَبْرِهِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ وَاشْتِغَالِهِ بِالطَّاعَاتِ الَّتِي هِيَ ضِدُّهَا . فَإِذَا فَعَلَ تِلْكَ الطَّاعَاتِ كَانَتْ مَانِعَةً لَهُ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ . وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا : فَالْحَسَنَاتُ الَّتِي يُثَابُ عَلَيْهَا كُلُّهَا وُجُودِيَّةٌ نِعْمَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا أَحَبَّتْهُ النَّفْسُ مِنْ ذَلِك وَكَرِهَتْهُ مِنْ السَّيِّئَاتِ : فَهُوَ الَّذِي حَبَّبَ الْإِيمَانَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ . وَكَرَّهَ إلَيْهِمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ .