تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَلِلنَّاسِ فِي الشَّفَاعَةِ أَنْوَاعٌ مِنْ الضَّلَالِ قَدْ بُسِطَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ : يَظُنُّ أَنَّ الشَّفَاعَةَ هِيَ بِسَبَبِ اتِّصَالِ رُوحِ الشَّافِعِ بِرُوحِ الْمَشْفُوعِ لَهُ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ . وَيَقُولُونَ : مَنْ كَانَ أَكْثَرَ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحَقَّ بِالشَّفَاعَةِ مِنْ غَيْرِهِ . وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ أَحْسَنَ ظَنًّا بِشَخْصِ وَأَكْثَرَ تَعْظِيمًا لَهُ : كَانَ أَحَقَّ بِشَفَاعَتِهِ . وَهَذَا غَلَطٌ . بَلْ هَذَا هُوَ قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا : نَتَوَلَّى الْمَلَائِكَةَ لِيَشْفَعُوا لَنَا . يَظُنُّونَ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ أَحَدًا - مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَتَوَلَّاهُ - كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِشَفَاعَتِهِ لَهُ . وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ . بَلْ الشَّفَاعَةُ : سَبَبُهَا تَوْحِيدُ اللَّهِ وَإِخْلَاصُ الدِّينِ وَالْعِبَادَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا لَهُ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَعْظَمَ إخْلَاصًا كَانَ أَحَقَّ بِالشَّفَاعَةِ كَمَا أَنَّهُ أَحَقُّ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الرَّحْمَةِ . فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ : مِنْ اللَّهِ مَبْدَؤُهَا وَعَلَى اللَّهِ تَمَامُهَا فَلَا يَشْفَعُ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ . وَهُوَ الَّذِي يَأْذَنُ لِلشَّافِعِ . وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ شَفَاعَتَهُ فِي الْمَشْفُوعِ لَهُ . وَإِنَّمَا الشَّفَاعَةُ سَبَبٌ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي بِهَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ يَرْحَمُ مِنْ عِبَادِهِ . وَأَحَقُّ النَّاسِ بِرَحْمَتِهِ : هُمْ أَهْلُ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَكْمَلَ فِي تَحْقِيقِ إخْلَاصِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " عِلْمًا وَعَقِيدَةً وَعَمَلًا وَبَرَاءَةً وَمُوَالَاةً وَمُعَادَاةً : كَانَ أَحَقَّ بِالرَّحْمَةِ . وَالْمُذْنِبُونَ - الَّذِينَ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ فَخَفَّتْ مَوَازِينُهُمْ فَاسْتَحَقُّوا النَّارَ - : مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " فَإِنَّ النَّارَ تُصِيبُهُ بِذُنُوبِهِ . وَيُمِيتُهُ اللَّهُ فِي النَّارِ إمَاتَةً . فَتُحَرِّقُهُ النَّارُ إلَّا مَوْضِعَ السُّجُودِ . ثُمَّ يُخْرِجُهُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ . وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ . فَبَيَّنَ أَنَّ مَدَارَ الْأَمْرِ كُلِّهِ : عَلَى تَحْقِيقِ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ وَهِيَ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " لَا عَلَى الشِّرْكِ بِالتَّعَلُّقِ بِالْمَوْتَى وَعِبَادَتِهِمْ كَمَا ظَنَّهُ الْجَاهِلِيُّونَ . وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْحَمْدِ الَّذِي هُوَ رَأْسُ الشُّكْرِ وَبَيْنَ التَّوْحِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَيَقُولُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ . أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ - وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ - : لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت . وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت . وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ . اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ } كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ - قَالَ : اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ . أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ - وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ - لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت . وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ } . وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ - قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ . اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ . اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ . اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْوَسَخِ } . وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ وَقَالَ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا } . وَلَمْ يَذْكُرْ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ . لِأَنَّ " السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ " قَدْ يُرَادُ بِهِمَا : الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ مُطْلَقًا . فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْهَوَاءُ وَغَيْرُهُ . فَإِنَّهُ عَالٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَحْتَهُ وَسَافِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فَوْقَهُ . فَقَدْ يَجْعَلُ مِنْ السَّمَاءِ . كَمَا يَجْعَلُ السَّحَابَ سَمَاءً وَالسَّقْفَ سَمَاءً . وَكَذَا قَالَ فِي الْقُرْآنِ { هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } وَلَمْ يَقُلْ " وَمَا بَيْنَهُمَا " كَمَا يَقُولُ { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ } . فَتَارَةً يَذْكُرُ قَوْلَهُ وَمَا بَيْنَهُمَا فِيمَا خَلَقَهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ . وَتَارَةً لَا يَذْكُرُهُ . وَهُوَ مُرَادٌ . فَإِنْ ذَكَرَهُ كَانَ إيضَاحًا وَبَيَانًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ دَخَلَ فِي لَفْظِ " السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ " وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَارَةً يَقُولُ { مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ } وَلَا يَقُولُ " وَمَا بَيْنَهُمَا " وَتَارَةً يَقُولُ " وَمَا بَيْنَهُمَا " وَفِيهَا كُلُّهَا { وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ } وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ { أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ } إلَى آخِرِهِ . وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى الدُّعَاءُ بِالطَّهَارَةِ مِنْ الذُّنُوبِ . فَفِي هَذَا الْحَمْدِ رَأْسُ الشُّكْرِ وَالِاسْتِغْفَارِ . فَإِنَّ رَبَّنَا غَفُورٌ شَكُورٌ . فَالْحَمْدُ بِإِزَاءِ النِّعْمَةِ . وَالِاسْتِغْفَارُ : بِإِزَاءِ الذُّنُوبِ . وَذَلِكَ تَصْدِيقُ قَوْله تَعَالَى { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } . فَفِي { سَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ أَبُوءُ لَك بِنِعْمَتِك عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي } وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { الْحَمْدُ رَأْسُ الشُّكْرِ وَالتَّوْحِيدِ } كَمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي أُمِّ الْقُرْآنِ . فَأَوَّلُهَا تَحْمِيدٌ وَأَوْسَطُهَا : تَوْحِيدٌ وَآخِرُهَا : دُعَاءٌ . وَكَمَا فِي قَوْلِهِ { هُوَ الْحَيُّ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } . وَفِي حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ { أَفْضَلُ مَا قُلْت . أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ . وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . مَنْ قَالَهَا : كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ حَسَنَةٍ . وَحَطَّ عَنْهُ أَلْفَ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ . وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلَّا رَجُلٌ قَالَ مِثْلَهَا أَوْ زَادَ عَلَيْهِ . وَمَنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ } . وَفَضَائِلُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ : وَفِيهَا : التَّوْحِيدُ وَالتَّحْمِيدُ . فَقَوْلُهُ { لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ } تَوْحِيدٌ . وَقَوْلُهُ { لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ } تَحْمِيدٌ . وَفِيهَا مَعَانٍ أُخْرَى شَرِيفَةٌ . وَقَدْ جَاءَ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّوْحِيدِ وَالتَّحْمِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي مَوَاضِعَ مِثْلِ حَدِيثِ كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ { سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك . أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ . أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك } فِيهِ : التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّوْحِيدُ وَالِاسْتِغْفَارُ . مَنْ قَالَهَا فِي مَجْلِسٍ إنْ كَانَ مَجْلِسَ لَغَطٍ كَانَتْ كَفَّارَةً لَهُ وَإِنْ كَانَ مَجْلِسَ ذِكْرٍ : كَانَتْ كَالطَّابَعِ لَهُ . وَفِي حَدِيثٍ أَيْضًا " إنَّ هَذَا يُقَالُ عَقِبَ الْوُضُوءِ " . فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ . يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ } وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ يَقُولُ { سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك } . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ فِي الْكَلِمَاتِ الَّتِي تَلَقَّاهَا آدَمَ مِنْ رَبِّهِ نَحْوَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ . رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ " اللَّهُمَّ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك وَبِحَمْدِك . رَبِّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي . إنَّك خَيْرُ الْغَافِرِينَ . اللَّهُمَّ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ . سُبْحَانَك وَبِحَمْدِك . رَبِّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي فَارْحَمْنِي . فَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ . لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ . سُبْحَانَك وَبِحَمْدِك . رَبِّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي فَتُبْ عَلَيَّ . إنَّك أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " . فَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ مِنْ جِنْسِ خَاتِمَةِ الْوُضُوءِ . وَخَاتِمَةُ الْوُضُوءِ : فِيهَا التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّوْحِيدُ وَالِاسْتِغْفَارُ . فَالتَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّوْحِيدُ لِلَّهِ . فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إلَّا هُوَ . وَالِاسْتِغْفَارُ مِنْ ذُنُوبِ النَّفْسِ الَّتِي مِنْهَا تَأْتِي السَّيِّئَاتُ . وَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بَيْنَ التَّوْحِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } وَفِي قَوْلِهِ { أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّهَ إنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } { وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ } وَفِي قَوْلِهِ { قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ أَنَّمَا إلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ } . وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَغَيْرِهِ { يَقُولُ الشَّيْطَانُ : أَهَلَكْت النَّاسَ بِالذُّنُوبِ وَأَهْلَكُونِي بِالِاسْتِغْفَارِ وَبِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِكَ بَثَثْت فِيهِمْ الْأَهْوَاءَ . فَهُمْ يُذْنِبُونَ وَلَا يَسْتَغْفِرُونَ . لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } . و " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " تَقْتَضِي الْإِخْلَاصَ وَالتَّوَكُّلَ . وَالْإِخْلَاصُ [ يَقْتَضِي ] الشُّكْرَ . فَهِيَ أَفْضَلُ الْكَلَامِ . وَهِيَ أَعْلَى شُعَبِ الْإِيمَانِ . كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - شُعْبَةً . أَعْلَاهَا : قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ . وَأَدْنَاهَا : إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ } . ف " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " هِيَ قُطْبُ رَحَى الْإِيمَانِ وَإِلَيْهَا يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ . وَالْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ : مَجْمُوعَةٌ فِي قَوْله تَعَالَى { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وَهِيَ مَعْنَى " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " و " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " هِيَ مِنْ مَعْنَى " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " و " الْحَمْدُ لِلَّهِ " فِي مَعْنَاهَا و " سُبْحَانَ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " مِنْ مَعْنَاهَا . لَكِنْ فِيهَا تَفْصِيلٌ بَعْدَ إجْمَالٍ .