تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ قَالَ تَعَالَى : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ذُكِرَ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } { وَلِتَصْغَى إلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ } { أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } ثُمَّ قَالَ : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا } . فَأَخْبَرَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَنَّهُ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَأَخْبَرَ فِي الْأُولَى أَنَّهَا تَمَّتْ صِدْقًا وَعَدْلًا . وَقَدْ تَوَاتَرَ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعِيذُ وَيَأْمُرُ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ } . وَقَالَ تَعَالَى : { أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } { لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } . وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ } فَأَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ; عَقِبَ قَوْله : { فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } وَذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَهُ رُسُلَهُ مِنْ كَلِمَاتِهِ الَّتِي لَا مُبَدِّلَ لَهَا لَمَّا قَالَ فِي أَوْلِيَائِهِ : { لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ } فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَأَنَّ لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ . فَوَعَدَهُمْ بِنَفْيِ الْمَخَافَةِ وَالْحُزْنِ وَبِالْبُشْرَى فِي الدَّارَيْنِ . وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : { وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ } فَكَانَ فِي هَذَا تَحْقِيقُ كَلَامِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ وَعْدُهُ . كَمَا قَالَ : { فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ } . وَقَالَ : { وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } . وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ : { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ } . فَإِخْلَافُ مِيعَادِهِ تَبْدِيلٌ لِكَلِمَاتِهِ - وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ . يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ } { مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ قَدَّمَ إلَيْهِمْ بِالْوَعِيدِ وَقَالَ : { مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ } وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ صَادِقٌ فِي وَعِيدِهِ أَيْضًا وَأَنَّ وَعِيدَهُ لَا يُبَدَّلُ . وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ فُسَّاقَ الْمِلَّةِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ . وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; لَكِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُضْعِفُ جَوَابَ مَنْ يَقُولُ : إنَّ إخْلَافَ الْوَعِيدِ جَائِزٌ . فَإِنَّ قَوْلَهُ : { مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ } بَعْدَ قَوْلِهِ : { وَقَدْ قَدَّمْتُ إلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَعِيدَهُ لَا يُبَدَّلُ كَمَا لَا يُبَدَّلُ وَعْدَهُ . لَكِنَّ التَّحْقِيقَ الْجَمْعُ بَيْنَ نُصُوصِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَتَفْسِيرُ بَعْضِهَا بِبَعْضِ مِنْ غَيْرِ تَبْدِيلِ شَيْءٍ مِنْهَا كَمَا يَجْمَعُ بَيْنَ نُصُوصِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ غَيْرِ تَبْدِيلِ شَيْءٍ مِنْهَا . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إذَا انْطَلَقْتُمْ إلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .