تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ ثَبَتَ لِلشَّامِ وَأَهْلِهِ مَنَاقِبُ : بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَآثَارِ الْعُلَمَاءِ . وَهِيَ أَحَدُ مَا اعْتَمَدْته فِي تَحْضِيضِي الْمُسْلِمِينَ عَلَى غَزْوِ التَّتَارِ وَأَمْرِي لَهُمْ : بِلُزُومِ دِمَشْقَ وَنَهْيِي لَهُمْ عَنْ الْفِرَارِ إلَى مِصْرَ وَاسْتِدْعَائِي الْعَسْكَرَ الْمِصْرِيَّ إلَى الشَّامِ وَتَثْبِيتِ الشَّامِيِّ فِيهِ . وَقَدْ جَرَتْ فِي ذَلِكَ فُصُولٌ مُتَعَدِّدَةٌ . وَهَذِهِ الْمَنَاقِبُ أُمُورٌ : أَحَدُهَا : الْبَرَكَةُ فِيهِ . ثَبَتَ ذَلِكَ بِخَمْسِ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى : قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى : { قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ } - إلَى قَوْلِهِ - { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ } { فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ } { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا } وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ إنَّمَا أُورِثُوا مَشَارِقَ أَرْضِ الشَّامِ وَمَغَارِبَهَا بَعْدَ أَنْ أُغْرِقَ فِرْعَوْنُ فِي الْيَمِّ . وقَوْله تَعَالَى { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } وَحَوْلَهُ أَرْضُ الشَّامِ وقَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ إبْرَاهِيمَ : { وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ } { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } وَمَعْلُومٌ أَنَّ إبْرَاهِيمَ إنَّمَا نَجَّاهُ اللَّهُ وَلُوطًا إلَى أَرْضِ الشَّامِ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ وَالْفُرَاتِ . وقَوْله تَعَالَى { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } وَإِنَّمَا كَانَتْ تَجْرِي إلَى أَرْضِ الشَّامِ الَّتِي فِيهَا مَمْلَكَةُ سُلَيْمَانَ . وقَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ سَبَأٍ : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ } وَهُمَا كَانَا بَيْنَ الْيَمَنِ مَسَاكِنِ سَبَأٍ وَبَيْنَ مُنْتَهَى الشَّامِ مِنْ الْعِمَارَةِ الْقَدِيمَةِ كَمَا قَدْ ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ . فَهَذِهِ خَمْسُ نُصُوصٍ حَيْثُ ذَكَرَ اللَّهُ أَرْضَ الشَّامِ فِي هِجْرَةِ إبْرَاهِيمَ إلَيْهَا وَمَسْرَى الرَّسُولِ إلَيْهَا وَانْتِقَالِ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَيْهَا وَمَمْلَكَةِ سُلَيْمَانَ بِهَا وَمَسِيرِ سَبَأٍ إلَيْهَا : وَصَفَهَا بِأَنَّهَا الْأَرْضُ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا . وَأَيْضًا فَفِيهَا الطُّورُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى . وَاَلَّذِي أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ فِي " سُورَةِ الطُّورِ " وَفِي { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ } { وَطُورِ سِينِينَ } وَفِيهَا الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى وَفِيهَا مَبْعَثُ أَنْبِيَاءَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَإِلَيْهَا هِجْرَةُ إبْرَاهِيمَ وَإِلَيْهَا مَسْرَى نَبِيِّنَا وَمِنْهَا مِعْرَاجُهُ وَبِهَا مُلْكُهُ وَعَمُودُ دِينِهِ وَكِتَابِهِ وَطَائِفَةٌ مَنْصُورَةٌ مِنْ أُمَّتِهِ ; وَإِلَيْهَا الْمَحْشَرُ وَالْمَعَادُ كَمَا أَنَّ مِنْ مَكَّةَ الْمَبْدَأُ . فَمَكَّةُ أُمُّ الْقُرَى مِنْ تَحْتِهَا دُحِيَتْ الْأَرْضُ وَالشَّامُ إلَيْهَا يُحْشَرُ النَّاسُ كَمَا فِي قَوْلِهِ : { لِأَوَّلِ الْحَشْرِ } نَبَّهَ عَلَى الْحَشْرِ الثَّانِي فَمَكَّةُ مَبْدَأٌ وإيليا مَعَادٌ فِي الْخَلْقِ وَكَذَلِكَ فِي الْأَمْرِ فَإِنَّهُ أُسْرِيَ بِالرَّسُولِ مِنْ مَكَّةَ إلَى إيليا . وَمَبْعَثُهُ وَمَخْرَجُ دِينِهِ مِنْ مَكَّةَ وَكَمَالُ دِينِهِ وَظُهُورُهُ وَتَمَامُهُ حَتَّى مَمْلَكَةِ الْمَهْدِيِّ بِالشَّامِ فَمَكَّةُ هِيَ الْأَوَّلُ وَالشَّامُ هِيَ الْآخِرُ : فِي الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ فِي الْكَلِمَاتِ الْكَوْنِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ بِهَا طَائِفَةً مَنْصُورَةً إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ [ وَهِيَ ] الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا الْحَدِيثُ فِي الصِّحَاحِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ : { لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ } وَفِيهِمَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : " وَهُمْ فِي الشَّامِ " وَفِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا قَالَ : " وَهُمْ بِدِمَشْقَ " وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَا يَزَالُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ } قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ : أَهْلُ الْمَغْرِبِ هُمْ أَهْلُ الشَّامِ وَهُمْ كَمَا قَالَ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ فِي سَائِرِ الْحَدِيثِ بَيَانَ أَنَّهُمْ أَهْلُ الشَّامِ الثَّانِي : أَنَّ لُغَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلَ مَدِينَتِهِ فِي " أَهْلِ الْمَغْرِبِ " هُمْ أَهْلُ الشَّامِ وَمَنْ يُغَرِّبُ عَنْهُمْ . كَمَا أَنَّ لُغَتَهُمْ فِي أَهْلِ الْمَشْرِقِ هُمْ أَهْلُ نَجْدٍ وَالْعِرَاقِ فَإِنَّ التَّغْرِيبَ وَالتَّشْرِيقَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ فَكُلُّ بَلَدٍ لَهُ غَرْبٌ قَدْ يَكُونُ شَرْقًا لِغَيْرِهِ وَلَهُ شَرْقٌ قَدْ يَكُونُ غَرْبًا لِغَيْرِهِ . فَالِاعْتِبَارُ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ غَرْبًا وَشَرْقًا لَهُ حَيْثُ تَكَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ الْمَدِينَةُ . وَمَنْ عَلِمَ حِسَابَ الْأَرْضِ كَطُولِهَا وَعَرْضِهَا عَلِمَ أَنَّ حَرَّانَ وَالرَّقَّةَ وسيمسياط عَلَى سَمْتِ مَكَّةَ وَأَنَّ الْفُرَاتَ وَمَا عَلَى جَانِبَيْهَا بَلْ أَكْثَرُهُ عَلَى سَمْتِ الْمَدِينَةِ بَيْنَهُمَا فِي الطُّولِ دَرَجَتَانِ . فَمَا كَانَ غَرْبِيِّ الْفُرَاتِ فَهُوَ غَرْبِيَّ الْمَدِينَةِ وَمَا كَانَ شَرْقِيَّهَا فَهُوَ شَرْقِيُّ الْمَدِينَةِ . فَأَخْبَرَ أَنَّ أَهْلَ الْغَرْبِ لَا يَزَالُونَ ظَاهِرِينَ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّرْقِ فَقَدْ يَظْهَرُونَ تَارَةً وَيُغْلَبُونَ أُخْرَى . وَهَكَذَا هُوَ الْوَاقِعُ ; فَإِنَّ جَيْشَ الشَّامِ مَا زَالَ مَنْصُورًا وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ " الأوزاعي إمَامَ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَيُسَمُّونَ " الثَّوْرِيّ شَرْقِيًّا وَمِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ الْأَرْضِ [ أَوْ ] أَنَّ أَهْلَهَا خِيرَةُ اللَّهِ وَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ وَاسْتَدَلَّ أَبُو داود فِي سُنَنِهِ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِينَ : حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خوالة الأزدي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا : جُنْدًا بِالشَّامِ وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ فَقَالَ الْخَوَالِي : يَا رَسُولَ اللَّهِ : اخْتَرْ لِي . قَالَ : عَلَيْك بِالشَّامِ ; فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِي إلَيْهَا خِيرَتُهُ مِنْ عِبَادِهِ . فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَلْيَتَّقِ مِنْ غَدْرِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ } وَكَانَ الْخَوَالِي يَقُولُ : وَمَنْ تَكَفَّلَ اللَّهُ بِهِ فَلَا ضعية عَلَيْهِ . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنَاقِبُ : أَنَّهَا خِيرَةٌ . وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إبْرَاهِيمَ وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا تَلْفِظُهُمْ أَرَضُوهُمْ تقذرهم نَفْسُ الرَّحْمَنِ تَحْشُرُهُمْ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُمَا بَاتُوا وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُمَا قَالُوا } فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إبْرَاهِيمَ ; بِخِلَافِ مَنْ يَأْتِي إلَيْهِ أَوْ يَذْهَبُ عَنْهُ وَمُهَاجَرُ إبْرَاهِيمَ هِيَ الشَّامُ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بُشْرَى لِأَصْحَابِنَا الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ حَرَّانَ وَغَيْرِهَا إلَى مُهَاجَرَ إبْرَاهِيمَ وَاتَّبَعُوا مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ وَدِينَ نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا وَبَيَانُ أَنَّ هَذِهِ الْهِجْرَةَ الَّتِي لَهُمْ بَعْدَ هِجْرَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ إلَى حَيْثُ يَكُونُ الرَّسُولُ وَآثَارُهُ وَقَدْ جُعِلَ مُهَاجَرُ إبْرَاهِيمَ يَعْدِلُ لَنَا مُهَاجَرَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْهِجْرَةَ إلَى مُهَاجَرِهِ انْقَطَعَتْ بِفَتْحِ مَكَّةَ . وَمِنْ ذَلِكَ أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْخَوَالِي . وَمِنْ ذَلِكَ : { أَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَى الشَّامِ } كَمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ وَالْإِسْلَامِ بِالشَّامِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَأَيْت كَأَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ أُخِذَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي فَأَتْبَعْته بَصَرِي فَذُهِبَ بِهِ إلَى الشَّامِ } وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا عُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَعُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ } . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُنَافِقِيهَا لَا يَغْلِبُوا أَمْرَ مُؤْمِنِيهَا كَمَا رَوَاهُ أَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ فِي حَدِيثِ . وَبِهَذَا اسْتَدْلَلْت لِقَوْمِ مِنْ قُضَاةِ الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ فِي فِتَنٍ قَامَ فِيهَا عَلَيْنَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْفُجُورِ وَالْبِدَعِ الْمَوْصُوفِينَ بِخِصَالِ الْمُنَافِقِينَ لَمَّا خَوَّفُونَا مِنْهُمْ فَأَخْبَرْتهمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّ مُنَافِقِينَا لَا يَغْلِبُوا مُؤْمِنِينَا . وَقَدْ ظَهَرَ مِصْدَاقُ هَذِهِ النُّصُوصِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ فِي جِهَادِنَا لِلتَّتَارِ وَأَظْهَرَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ صِدْقَ مَا وَعَدْنَاهُمْ بِهِ وَبَرَكَةَ مَا أَمَرْنَاهُمْ بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فَتْحًا عَظِيمًا مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ مِثْلَهُ مُنْذُ خَرَجَتْ مَمْلَكَةُ التَّتَارِ الَّتِي أَذَلَّتْ أَهْلَ الْإِسْلَامِ ; فَإِنَّهُمْ لَمْ يُهْزَمُوا وَيُغْلَبُوا كَمَا غُلِبُوا عَلَى " بَابِ دِمَشْقَ " فِي الْغَزْوَةِ الْكُبْرَى . الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْنَا فِيهَا مِنْ النِّعَمِ بِمَا لَا نُحْصِيهِ : خُصُوصًا وَعُمُومًا . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَاهُ وَكَمَا يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وَعِزِّ جَلَالِهِ .