تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ رَعِيَّةِ الْبِلَادِ كَانُوا يَرَوْنَ مَذْهَبَ النصيرية ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ فِيهِ . فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ إلَهٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - يَعْنُونَ الْمَهْدِيَّ - وَأَمَرُوا مَنْ وَجَدَهُ بِالسُّجُودِ لَهُ وَأَعْلَنُوا بِالْكُفْرِ بِذَلِكَ وَسَبِّ الصَّحَابَةِ وَأَظْهَرُوا الْخُرُوجَ عَنْ الطَّاعَةِ وَعَزَمُوا عَلَى الْمُحَارَبَةِ . فَهَلْ يَجِبُ قِتَالُهُمْ وَقَتْلُ مُقَاتَلَتِهِمْ ؟ وَهَلْ تُبَاحُ ذَرَارِيُّهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ أَمْ لَا ؟
1
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . هَؤُلَاءِ يَجِبُ قِتَالُهُمْ مَا دَامُوا مُمْتَنِعِينَ حَتَّى يَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ ; فَإِنَّ النصيرية مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ كُفْرًا بِدُونِ اتِّبَاعِهِمْ لِمِثْلِ هَذَا الدَّجَّالِ فَكَيْفَ إذَا اتَّبَعُوا مِثْلَ هَذَا الدَّجَّالِ . وَهُمْ مُرْتَدُّونَ مِنْ أَسْوَأِ النَّاسِ رِدَّةً : تُقْتَلُ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتَغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ . وَسَبْيُ الذَّرِّيَّةِ فِيهِ نِزَاعٌ ; لَكِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ تُسْبَى الصِّغَارُ مِنْ أَوْلَادِ الْمُرْتَدِّينَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ سِيرَةُ الصِّدِّيقِ فِي قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ . وَكَذَلِكَ قَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِرْقَاقِ الْمُرْتَدِّ : فَطَائِفَةٌ تَقُولُ : إنَّهَا تُسْتَرَقُّ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَطَائِفَةٍ تَقُولُ لَا تُسْتَرَقُّ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَالْمَعْرُوفُ عَنْ الصَّحَابَةِ هُوَ الْأَوَّلُ وَأَنَّهُ تُسْتَرَقُّ مِنْهُ الْمُرْتَدَّاتُ نِسَاءُ الْمُرْتَدِّينَ ; فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ الَّتِي تَسَرَّى بِهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُمَّ ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ سَبْيِ بَنِي حَنِيفَةَ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّحَابَةُ لَمَّا بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي قِتَالِهِمْ . وَ " النصيرية " لَا يَكْتُمُونَ أَمْرَهُمْ ; بَلْ هُمْ مَعْرُوفُونَ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَلَا يَصُومُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ ; وَلَا يَحُجُّونَ الْبَيْتَ وَلَا يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ وَلَا يُقِرُّونَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ وَيَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ وَغَيْرَهَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْإِلَهَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَيَقُولُونَ : نَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا حيدرة الْأَنْزَعُ الْبَطِينُ وَلَا حِجَابَ عَلَيْهِ إلَّا مُحَمَّدٌ الصَّادِقُ الْأَمِينُ وَلَا طَرِيقَ إلَيْهِ إلَّا سَلْمَانُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُظْهِرُوا الرَّفْضَ وَأَنَّ هَذَا الْكَذَّابَ هُوَ الْمَهْدِيُّ الْمُنْتَظَرُ وَامْتَنَعُوا ; فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ أَيْضًا ; لَكِنْ يُقَاتَلُونَ كَمَا يُقَاتَلُ الْخَوَارِجُ الْمَارِقُونَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَا يُقَاتَلُ الْمُرْتَدُّونَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . فَهَؤُلَاءِ يُقَاتَلُونَ مَا دَامُوا مُمْتَنِعِينَ وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَلَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ الَّتِي لَمْ يَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى الْقِتَالِ . وَأَمَّا مَا اسْتَعَانُوا بِهِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ خَيْلٍ وَسِلَاحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَفِي أَخْذِهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ نَهَبَ عَسْكَرُهُ مَا فِي عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ . فَإِنْ رَأَى وَلِيُّ الْأَمْرِ أَنْ يَسْتَبِيحَ مَا فِي عَسْكَرِهِمْ مِنْ الْمَالِ كَانَ هَذَا سَائِغًا . هَذَا مَا دَامُوا مُمْتَنِعِينَ . فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ ; فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُفَرِّقَ شَمْلَهُمْ وَتُحْسَمَ مَادَّةُ شَرِّهِمْ وَإِلْزَامُهُمْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَقَتْلُ مَنْ أَصَرَّ عَلَى الرِّدَّةِ مِنْهُمْ . وَأَمَّا قَتْلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَبْطَنَ كُفْرًا مِنْهُ وَهُوَ الْمُنَافِقُ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ " الزِّنْدِيقُ " : فَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ وَإِنْ تَابَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ . وَمَنْ كَانَ دَاعِيًا مِنْهُمْ إلَى الضَّلَالِ لَا يَنْكَفُّ شَرُّهُ إلَّا بِقَتْلِهِ قُتِلَ أَيْضًا ; وَإِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ كَأَئِمَّةِ الرَّفْضِ الَّذِينَ يُضِلُّونَ النَّاسَ كَمَا قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ غَيْلَانَ الْقَدَرِيَّ وَالْجَعْدَ بْنَ دِرْهَمٍ وَأَمْثَالَهُمَا مِنْ الدُّعَاةِ . فَهَذَا الدَّجَّالُ يُقْتَلُ مُطْلَقًا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .