تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الِاسْتِدْلَالُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ بِدْعَةً عَلَى كَرَاهِيَتِهِ : ( قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ عَامَّةٌ وَتَمَامُهَا بِالْجَوَابِ عَمَّا يُعَارِضُهَا . فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : الْبِدَعُ تَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ لِقَوْلِ عُمَرَ : نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ وَبِأَشْيَاءَ أُحْدِثَتْ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَتْ مَكْرُوهَةً : لِلْأَدِلَّةِ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ . وَرُبَّمَا ضُمَّ إلَى ذَلِكَ مَنْ لَمْ يُحَكِّمْ أُصُولَ الْعِلْمِ مَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ الْعَادَةِ ; بِمَنْزِلَةِ مَنْ إذَا قِيلَ لَهُمْ : { تَعَالَوْا إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } . وَمَا أَكْثَرَ مَنْ يُحْتَجُّ بِهِ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى عِلْمٍ أَوْ عِبَادَةٍ بِحُجَجِ لَيْسَتْ مِنْ أُصُولِ الْعِلْمِ وَقَدْ يُبْدِي ذووا الْعِلْمِ لَهُ مُسْتَنَدًا مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ; وَاَللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ لَهَا وَعَمَلَهُ بِهَا : لَيْسَ مُسْتَنِدًا إلَى ذَلِكَ ; وَإِنَّمَا يَذْكُرُهَا دَفْعًا لِمَنْ يُنَاظِرُهُ . وَالْمُجَادَلَةُ الْمَحْمُودَةُ : إنَّمَا هِيَ إبْدَاءُ الْمَدَارِكِ الَّتِي هِيَ مُسْتَنَدُ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ وَأَمَّا إظْهَارُ غَيْرِ ذَلِكَ : فَنَوْعٌ مِنْ النِّفَاقِ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَهَذِهِ " قَاعِدَةٌ " دَلَّتْ عَلَيْهَا السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ مَعَ الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } . فَمَنْ نُدِبَ إلَى شَيْءٍ يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ أَوْ أَوْجَبَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَرِّعَهُ اللَّهُ : فَقَدْ شَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَهُ فِي ذَلِكَ : فَقَدْ اتَّخَذَ شَرِيكًا لِلَّهِ شَرَعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَقَدْ يُغْفَرُ لَهُ لِأَجْلِ تَأْوِيلٍ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا : الِاجْتِهَادَ الَّذِي يُعْفَى مَعَهُ عَنْ الْمُخْطِئِ ; لَكِنْ لَا يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } . فَمَنْ أَطَاعَ أَحَدًا فِي دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ بِهِ : مِنْ تَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ أَوْ إيجَابٍ : فَقَدْ لَحِقَهُ مِنْ هَذَا الذَّمِّ نَصِيبٌ كَمَا يَلْحَقُ الْآمِرَ النَّاهِيَ . ثُمَّ قَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَعْفُوًّا عَنْهُ . فَيَتَخَلَّفُ الذَّمُّ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ أَوْ وُجُودِ مَانِعِهِ . وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَضِي لَهُ قَائِمًا وَيَلْحَقُ الذَّمُّ مَنْ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ ; فَتَرَكَهُ أَوْ قَصَّرَ فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَوْ أَعْرَضَ عَنْ طَلَبِهِ لِهَوَى أَوْ كَسَلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَأَيْضًا : فَإِنَّ اللَّهَ عَابَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ شَيْئَيْنِ : - " أَحَدُهُمَا " : أَنَّهُمْ أَشْرَكُوا بِهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا . الثَّانِي : تَحْرِيمُهُمْ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ كَمَا بَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عِيَاضٍ عَنْ مُسْلِمٍ وَقَالَ تَعَالَى : { سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ } فَجَمَعُوا بَيْنَ الشِّرْكِ وَالتَّحْرِيمِ وَالشِّرْكُ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ عِبَادَةٍ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ بِهَا فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِبَادَتَهُمْ إمَّا وَاجِبَةٌ ; وَإِمَّا مُسْتَحَبَّةٌ : ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ لِيَتَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ وَمِنْهُمْ مَنْ ابْتَدَعَ دِينًا عَبَدَ بِهِ اللَّهَ كَمَا أَحْدَثَتْ النَّصَارَى مِنْ الْعِبَادَاتِ . وَأَصْلُ الضَّلَالِ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ هَذَيْنِ إمَّا اتِّخَاذُ دِينٍ لَمْ يُشَرِّعْهُ اللَّهُ أَوْ تَحْرِيمُ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ . وَلِهَذَا كَانَ الْأَصْلُ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مَذَاهِبَهُمْ . أَنَّ الْأَعْمَالَ " عِبَادَاتٌ وَعَادَاتٌ " ; فَالْأَصْلُ فِي الْعِبَادَاتِ لَا يُشَرَّعُ مِنْهَا إلَّا مَا شَرَّعَهُ اللَّهُ ; وَالْأَصْلُ فِي الْعَادَاتِ لَا يُحْظَرُ مِنْهَا إلَّا مَا حَظَرَهُ اللَّهُ وَهَذِهِ الْمَوَاسِمُ الْمُحْدَثَةُ إنَّمَا نُهِيَ عَنْهَا لِمَا أُحْدِثَ فِيهَا مِنْ الدِّينِ الَّذِي يُتَقَرَّبُ بِهِ .