تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ : فِي أَنْ لَا يَسْأَلَ الْعَبْدُ إلَّا اللَّهَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } { وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : { إذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ . وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ } . وَفِي التِّرْمِذِيِّ : { لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى شِسْعُ نَعْلِهِ إذَا انْقَطَعَ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يُيَسِّرْهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ } وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ مَالِكٍ وَالرَّهْطِ الَّذِينَ بَايَعَهُمْ مَعَهُ : { لَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا } فَإِنَّ سَوْطَ أَحَدِهِمْ يَسْقُطُ مِنْ يَدِهِ : فَلَا يَقُولُ لِأَحَدِ نَاوِلْنِي إيَّاهُ وَفِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ : { هُمْ الَّذِينَ لَا يسترقون وَلَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ } وَالِاسْتِرْقَاءُ طَلَبُ الرُّقْيَةِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ السُّؤَالِ . وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ الْأَمْوَالَ كَثِيرَةٌ كَقَوْلِهِ : { لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إلَّا لِثَلَاثَةٍ } وَقَوْلِهِ : { لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ } الْحَدِيثَ وَقَوْلِهِ { لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِهِمْ . } وَقَوْلِهِ : { مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ . } وَأَمْثَالِ ذَلِكَ . وَقَوْلِهِ : { مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ : لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ } الْحَدِيثَ . فَأَمَّا سُؤَالُ مَا يَسُوغُ مِثْلُهُ مِنْ الْعِلْمِ : فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ لَا يُنْقِصُ الْجَوَابُ مِنْ عِلْمِهِ بَلْ يَزْدَادُ بِالْجَوَابِ وَالسَّائِلُ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { هَلَّا سَأَلُوا إذْ لَمْ يَعْلَمُوا ؟ فَإِنَّ شِفَاءَ الْعَيِّ السُّؤَالُ } وَلَكِنْ مِنْ الْمَسَائِلِ مَا يُنْهَى عَنْهُ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ } الْآيَةَ . وَكَنَهْيِهِ عَنْ أُغْلُوطَاتِ الْمَسَائِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَأَمَّا سُؤَالُهُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ : فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرِ : { لَا تَنْسَنَا مِنْ دُعَائِك } وَقَالَ : { إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ : فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْعَبْدَ فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَقَدْ يُقَالُ فِي هَذَا : هُوَ طَلَبَ مِنْ الْأُمَّةِ الدُّعَاءَ لَهُ لِأَنَّهُمْ إذَا دَعَوْا لَهُ حَصَلَ لَهُمْ مِنْ الْأَجْرِ أَكْثَرُ مِمَّا لَوْ كَانَ الدُّعَاءُ لِأَنْفُسِهِمْ كَمَا قَالَ لِلَّذِي قَالَ : أَجْعَلُ صَلَاتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ ؟ فَقَالَ : { إذًا يَكْفِيكَ اللَّهُ مَا أَهَمَّكَ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاك وَآخِرَتِكَ } فَطَلَبُهُ مِنْهُمْ الدُّعَاءَ لَهُ لِمَصْلَحَتِهِمْ كَسَائِرِ أَمْرِهِ إيَّاهُمْ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَذَلِكَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لَهُمْ فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ بِدَعْوَةِ : إلَّا وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكًا كُلَّمَا دَعَا دَعْوَةً قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ : آمِينَ وَلَك مِثْلُهُ } .