تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ وَقَالَ : هُوَ خَيْرٌ مِنْ النَّرْدِ : فَهَلْ هَذَا صَحِيحٌ ؟ وَهَلْ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ بِعِوَضِ أَوْ غَيْرِ عِوَضٍ حَرَامٌ ؟ وَمَا قَوْلُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ ؟
1
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ حَرَامٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا كَالنَّرْدِ . وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ } وَقَالَ : { مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وَثَبَتَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمِ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ : مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ؟ وَرُوِيَ أَنَّهُ قَلَبَ الرُّقْعَةَ عَلَيْهِمْ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ : الشِّطْرَنْجُ مِنْ الْمَيْسِرِ وَهُوَ كَمَا قَالُوا ; فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْسِرَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ حَرَامٌ إذَا كَانَ بِعِوَضِ وَهُوَ مِنْ الْقِمَارِ وَالْمَيْسِرِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ . وَالنَّرْدُ حَرَامٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِعِوَضِ أَوْ غَيْرِ عِوَضٍ ; وَلَكِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ جَوَّزَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ ; لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ الْمَيْسِرِ . وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَأَحْمَد وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْأَئِمَّةِ فَيُحَرِّمُونِ ذَلِكَ بِعِوَضِ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ ; وَكَذَلِكَ الشِّطْرَنْجُ صَرَّحَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ بِتَحْرِيمِهَا : مَالِكٌ ; وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَغَيْرُهُمْ . وَتَنَازَعُوا أَيُّهُمَا أَشَدُّ ؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ : الشِّطْرَنْجُ شَرٌّ مِنْ النَّرْدِ . وَقَالَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ : الشِّطْرَنْجُ أَخَفُّ مِنْ النَّرْدِ ; وَلِهَذَا تَوَقَّفَ الشَّافِعِيُّ فِي النَّرْدِ إذَا خَلَا عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ ; إذْ سَبَبُ الشُّبْهَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ مَنْ يَلْعَبُ فِيهَا بِعِوَضِ بِخِلَافِ الشِّطْرَنْجِ فَإِنَّهَا تُلْعَبُ بِغَيْرِ عِوَضٍ غَالِبًا . وَأَيْضًا فَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ يُعِينُ عَلَى الْقِتَالِ ; لِمَا فِيهَا مِنْ صَفِّ الطَّائِفَتَيْنِ . و " التَّحْقِيقُ " أَنَّ النَّرْدَ وَالشِّطْرَنْجَ إذَا لَعِبَ بِهِمَا بِعِوَضِ فَالشِّطْرَنْجُ شَرٌّ مِنْهَا ; لِأَنَّ الشِّطْرَنْجَ حِينَئِذٍ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى مُحَرَّمٍ : مِنْ كَذِبٍ وَيَمِينٍ فَاجِرَةٍ أَوْ ظُلْمٍ أَوْ جِنَايَةٍ أَوْ حَدِيثٍ غَيْرِ وَاجِبٍ وَنَحْوِهَا وَهِيَ حَرَامٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَإِنْ خَلَتْ عَنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ ; فَإِنَّهَا تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَتُوقِعُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ أَعْظَمَ مِنْ النَّرْدِ إذَا كَانَ بِعِوَضِ . وَإِذَا كَانَا بِعِوَضِ فَالشِّطْرَنْجُ شَرٌّ فِي الْحَالَيْنِ . وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ مَا لَيْسَ فِي الْآخَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَرَنَ الْمَيْسِرَ بِالْخَمْرِ وَالْأَنْصَابِ وَالْأَزْلَامِ لِمَا فِيهَا مِنْ الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ . وَفِيهَا إيقَاعُ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ ; فَإِنَّ الشِّطْرَنْجَ إذَا اُسْتُكْثِرَ مِنْهَا تَسْتُرُ الْقَلْبَ وَتَصُدُّهُ عَنْ ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ تَسَتُّرِ الْخَمْرِ . وَقَدْ شَبَّهَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَاعِبِيهَا بِعُبَّادِ الْأَصْنَامِ حَيْثُ قَالَ : مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ؟ كَمَا شَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَارِبَ الْخَمْرِ بِعَابِدِ الْوَثَنِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الْمُسْنَدِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ الْوَثَنِ } . وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِنْ اللَّعِبِ بِهَا : فَقَدْ بَيَّنَ سَبَبَ ذَلِكَ : أَنَّ الْحَجَّاجَ طَلَبَهُ لِلْقَضَاءِ فَلَعِبَ بِهَا ; لِيَكُونَ ذَلِكَ قَادِحًا فِيهِ فَلَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ . وَذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى وِلَايَةَ الْحَجَّاجِ أَشَدَّ ضَرَرًا عَلَيْهِ فِي دِينِهِ مِنْ ذَلِكَ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَقَدْ يُبَاحُ مَا هُوَ أَعْظَمُ تَحْرِيمًا مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ . وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ كَمَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا ; وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَغَيْرُهُمَا : إنَّهُ لَا يُسَلَّمُ عَلَى لَاعِبِ الشِّطْرَنْجِ ; لِأَنَّهُ مُظْهِرٌ لِلْمَعْصِيَةِ وَقَالَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ : يُسَلَّمُ عَلَيْهِ .