تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ " رَكَّاضٍ " يَسِيرُ فِي الْبِلَادِ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ وَيَعْزِلُ عَنْهَا وَيَخَافُ أَنْ يَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ : فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي مُدَّةِ إقَامَتِهِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ ; وَإِذَا سَافَرَ طَلَّقَهَا وَأَعْطَاهَا حَقَّهَا ; أَوْ لَا ؟ وَهَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ أَمْ لَا ؟
1
فَأَجَابَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ; لَكِنْ يَنْكِحُ نِكَاحًا مُطْلَقًا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَوْقِيتًا بِحَيْثُ يَكُونُ إنْ شَاءَ مَسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا . وَإِنْ نَوَى طَلَاقَهَا حَتْمًا عِنْدَ انْقِضَاءِ سَفَرِهِ كُرِهَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ . وَفِي صِحَّةِ النِّكَاحِ نِزَاعٌ وَلَوْ نَوَى أَنَّهُ إذَا سَافَرَ وَأَعْجَبَتْهُ أَمْسَكَهَا وَإِلَّا طَلَّقَهَا جَازَ ذَلِكَ . فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّوْقِيتَ فَهَذَا " نِكَاحُ الْمُتْعَةِ " الَّذِي اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى تَحْرِيمِهِ ; وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ يُرَخِّصُونَ فِيهِ : إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا لِلْمُضْطَرِّ كَمَا قَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ فَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ رَخَّصَ لَهُمْ فِي الْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ الْمُتْعَةَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } وَالْقُرْآنُ قَدْ حَرَّمَ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ إلَّا زَوْجَةً أَوْ مَمْلُوكَةً بِقَوْلِهِ : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } { إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } { فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } وَهَذِهِ الْمُسْتَمْتَعُ بِهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَلَا مَا مُلِكَتْ الْيَمِينَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لِلْأَزْوَاجِ أَحْكَامًا : مِنْ الْمِيرَاثِ وَالِاعْتِدَادِ بَعْدَ الْوَفَاةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَعِدَّةُ الطَّلَاقِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُسْتَمْتَعِ بِهَا فَلَوْ كَانَتْ زَوْجَةً لَثَبَتَ فِي حَقِّهَا هَذِهِ الْأَحْكَامُ ; وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ : إنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ نَسَخَتْ الْمُتْعَةَ . وَبَسْطُ هَذَا طَوِيلٌ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ . وَإِذَا اشْتَرَطَ الْأَجَلَ قَبْلَ الْعَقْدِ فَهُوَ كَالشَّرْطِ الْمُقَارِنِ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ فِي " نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ " . وَأَمَّا إذَا نَوَى الزَّوْجُ الْأَجَلَ وَلَمْ يُظْهِرْهُ لِلْمَرْأَةِ : فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ : يُرَخِّصُ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَيَكْرَهُهُ مَالِكٌ وَأَحْمَد وَغَيْرُهُمَا كَمَا أَنَّهُ لَوْ نَوَى التَّحْلِيلَ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ وَجَعَلُوهُ مِنْ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ ; لَكِنَّ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ شَرٌّ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ ; فَإِنَّ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ لَمْ يُبَحْ قَطُّ إذْ لَيْسَ مَقْصُودُ الْمُحَلِّلِ أَنْ يَنْكِحَ ; وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ أَنْ يُعِيدَهَا إلَى الْمُطَلِّقِ قَبْلَهُ فَهُوَ يُثْبِتُ الْعَقْدَ لِيُزِيلَهُ وَهَذَا لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا بِحَالِ ; بِخِلَافِ الْمُسْتَمْتِعِ فَإِنَّ لَهُ غَرَضًا فِي الِاسْتِمْتَاعِ ; لَكِنَّ التَّأْجِيلَ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ النِّكَاحِ مِنْ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالسَّكَنِ وَيَجْعَلُ الزَّوْجَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَلِهَذَا كَانَتْ النِّيَّةُ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَخَفَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَهُوَ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ . وَأَمَّا " الْعَزْلُ " فَقَدْ حَرَّمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ; لَكِنَّ مَذْهَبَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ بِإِذْنِ الْمَرْأَةِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .