تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)

التحليل الموضوعي

متن:
وَسُئِلَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ عَنْ بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَعْتَقِدَهُ وَيَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا ; بِأَوْضَحِ عِبَارَةٍ وَأَبْيَنِهَا مِنْ أَنَّ مَا فِي الْمَصَاحِفِ هَلْ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ الْقَدِيمُ ؟ أَمْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْهُ لَا نَفْسُهُ وَأَنَّهُ حَادِثٌ أَوْ قَدِيمٌ وَأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ حَرْفٌ وَصَوْتٌ ؟ أَمْ كَلَامُهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِهِ لَا تُفَارِقُهُ ؟ وَأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } حَقِيقَةٌ أَمْ لَا ؟ وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَجْرَى الْقُرْآنَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَأَوَّلَ شَيْئًا مِنْهُ وَيَقُولُ أُومِنُ بِهِ كَمَا أُنْزِلَ هَلْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ فِي الِاعْتِقَادِ أَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّأْوِيلُ ؟
1
فَأَجَابَ : الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ اعْتِقَادُهُ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَنْ اتَّبَعَهُمْ وَذَمَّ مَنْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ وَهُوَ أَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ وَأَنَّهُ قُرْآنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ . لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ وَأَنَّهُ { قُرْآنٌ مَجِيدٌ } { فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } . وَأَنَّهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } وَأَنَّهُ فِي الصُّدُورِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ النَّعَمِ فِي عُقُلِهَا } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْجَوْفُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ } وَأَنَّ مَا بَيْنَ لَوْحَيْ الْمُصْحَفِ الَّذِي كَتَبَتْهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَلَامُ اللَّهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ ; مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ } . فَهَذِهِ " الْجُمْلَةُ " تَكْفِي الْمُسْلِمَ فِي هَذَا الْبَابِ . وَأَمَّا تَفْصِيلُ مَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ النِّزَاعِ فَكَثِيرٌ مِنْهُ يَكُونُ كِلَا الْإِطْلَاقَيْنِ خَطَأً وَيَكُونُ الْحَقُّ فِي التَّفْصِيلِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ مَعَ كُلٍّ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ نَوْعٌ مِنْ الْحَقِّ وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا يُنْكِرُ حَقَّ صَاحِبِهِ . وَهَذَا مِنْ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَنَهَى عَنْهُ فَقَالَ : { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } وَقَالَ : { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ } وَقَالَ : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } وَقَالَ : { وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } . فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَلْزَمَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّةَ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مَنَّ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانِ . وَمَا تَنَازَعَتْ فِيهِ الْأُمَّةُ وَتَفَرَّقَتْ فِيهِ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَفْصِلَ النِّزَاعَ بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ وَإِلَّا اسْتَمْسَكَ بِالْجُمَلِ الثَّابِتَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَأَعْرَضَ عَنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا فَإِنَّ مَوَاضِعَ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ عَامَّتُهَا تَصْدُرُ عَنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى . وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِبَيَانِ مَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعَقْلُ وَالسَّمْعُ . وَبَيَانُ مَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالِاشْتِبَاهِ وَالْغَلَطِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ وَلَكِنْ نَذْكُرُ مِنْهَا جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً بِحَسَبِ حَالِ السَّائِلِ . وَالْوَاجِبُ أَمْرُ الْعَامَّةِ بِالْجُمَلِ الثَّابِتَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَمَنْعُهُمْ مِنْ الْخَوْضِ فِي التَّفْصِيلِ الَّذِي يُوقِعُ بَيْنَهُمْ الْفُرْقَةَ وَالِاخْتِلَافَ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ وَالِاخْتِلَافَ مِنْ أَعْظَمِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ . وَالتَّفْصِيلُ الْمُخْتَصَرُ أَنْ نَقُولَ : مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْمِدَادَ الَّذِي فِي الْمُصْحَفِ وَأَصْوَاتَ الْعِبَادِ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ فَهُوَ ضَالٌّ مُخْطِئٌ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَسَائِر عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَطُّ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ إنَّ ذَلِكَ قَدِيمٌ لَا مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَلَا مَنْ غَيْرِهِمْ وَمَنْ نَقَلَ قِدَمَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَنَحْوِهِمْ فَهُوَ مُخْطِئٌ فِي هَذَا النَّقْلِ أَوْ مُتَعَمِّدٌ لِلْكَذِبِ ; بَلْ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ تَبْدِيعُ مَنْ قَالَ : لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ كَمَا جَهَّمُوا مَنْ قَالَ : اللَّفْظُ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ . وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو بَكْرٍ المروذي - أَخَصُّ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد بِهِ - فِي ذَلِكَ رِسَالَةً كَبِيرَةً مَبْسُوطَةً وَنَقَلَهَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ فِي " كِتَابِ السُّنَّةِ " الَّذِي جَمَعَ فِيهِ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ فِي أَبْوَابِ الِاعْتِقَادِ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ إذْ ذَاكَ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِأَنَّ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مُعَارَضَةً لِمَنْ قَالَ : لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ الْإِمَامَ أَحْمَد فَأَنْكَرَ ذَلِكَ إنْكَارًا شَدِيدًا وَبَدَّعَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَأَخْبَرَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَكَيْفَ بِمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ صَوْتَ الْعَبْدِ قَدِيمٌ وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ يَحْكِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمِدَادَ الَّذِي فِي الْمُصْحَفِ قَدِيمٌ وَجَمِيعُ أَئِمَّةِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرُهُمْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَمَا عَلِمْت أَنَّ عَالِمًا يَقُولُ ذَلِكَ إلَّا مَا يَبْلُغُنَا عَنْ بَعْضِ الْجُهَّالِ : مِنْ الْأَكْرَادِ وَنَحْوِهِمْ " . وَقَدْ مَيَّزَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بَيْنَ الْكَلَامِ وَالْمِدَادِ فَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } فَهَذَا خَطَأٌ مِنْ هَذَا الْجَانِبِ وَكَذَلِكَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ كَمَا أَنَّ اللَّهَ مَعْلُومٌ بِالْقُلُوبِ وَأَنَّهُ مَتْلُوٌّ بِالْأَلْسُنِ كَمَا أَنَّ اللَّهَ مَذْكُورٌ بِالْأَلْسُنِ وَأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْمُصْحَفِ كَمَا أَنَّ اللَّهَ مَكْتُوبٌ . وَجَعْلُ ثُبُوتِ الْقُرْآنِ فِي الصُّدُورِ وَالْأَلْسِنَةِ وَالْمَصَاحِفِ مِثْلَ ثُبُوتِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ ; فَهَذَا - أَيْضًا - مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ ثُبُوتِ الْأَعْيَانِ فِي الْمُصْحَفِ وَبَيْنَ ثُبُوتِ الْكَلَامِ فِيهَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ ; فَإِنَّ الْمَوْجُودَاتِ لَهَا أَرْبَعُ مَرَاتِبَ : مَرْتَبَةٌ فِي الْأَعْيَانِ وَمَرْتَبَةٌ فِي الْأَذْهَانِ وَمَرْتَبَةٌ فِي اللِّسَانِ وَمَرْتَبَةٌ فِي الْبَنَانِ . فَالْعِلْمُ يُطَابِقُ الْعَيْنَ وَاللَّفْظُ يُطَابِقُ الْعِلْمَ وَالْخَطُّ يُطَابِقُ اللَّفْظَ . فَإِذَا قِيلَ : إنَّ الْعَيْنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ } فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الَّذِي فِي الزُّبُرِ إنَّمَا هُوَ الْخَطُّ الْمُطَابِقُ لِلَّفْظِ الْمُطَابِقِ لِلْعِلْمِ فَبَيْنَ الْأَعْيَانِ وَبَيْنَ الْمُصْحَفِ مَرْتَبَتَانِ وَهِيَ اللَّفْظُ وَالْخَطُّ وَأَمَّا الْكَلَامُ نَفْسُهُ فَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصْحَفِ مَرْتَبَةٌ بَلْ نَفْسُ الْكَلَامِ يُجْعَلُ فِي الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْحَرْفِ الْمَلْفُوظِ وَالْحَرْفِ الْمَكْتُوبِ فَرْقٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ إلَّا إذَا أُرِيدَ أَنَّ الَّذِي فِي الْمُصْحَفِ هُوَ ذِكْرُهُ وَالْخَبَرُ عَنْهُ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ } { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ } { عَلَى قَلْبِكَ } إلَى قَوْلِهِ : { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ } . { أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ } . فَاَلَّذِي فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ذِكْرُ الْقُرْآنِ وَخَبَرُهُ كَمَا فِيهَا ذِكْرُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَبَرُهُ كَمَا أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ فِي الزُّبُرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ } فَيَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الزُّبُرِ وَبَيْنَ كَوْنِ الْكَلَامِ نَفْسِهِ فِي الزُّبُرِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } { فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ } وَقَالَ تَعَالَى : { يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً } { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } . فَمَنْ قَالَ إنَّ الْمِدَادَ قَدِيمٌ فَقَدْ أَخْطَأَ وَمَنْ قَالَ لَيْسَ فِي الْمُصْحَفِ كَلَامُ اللَّهِ وَإِنَّمَا فِيهِ الْمِدَادُ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ فَقَدْ أَخْطَأَ ; بَلْ الْقُرْآنُ فِي الْمُصْحَفِ كَمَا أَنَّ سَائِر الْكَلَامِ فِي الْوَرَقِ كَمَا أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَيْهِ وَكَمَا هُوَ فِي فِطَرِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ كُلَّ مَرْتَبَةٍ لَهَا حُكْمٌ يَخُصُّهَا وَلَيْسَ وُجُودُ الْكَلَامِ فِي الْكِتَابِ كَوُجُودِ الصِّفَةِ فِي الْمَوْصُوفِ مِثْلُ وُجُودِ الْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ فِي مَحَلِّهِمَا حَتَّى يُقَالَ : إنَّ صِفَةَ اللَّهِ حَلَّتْ بِغَيْرِهِ أَوْ فَارَقَتْهُ وَلَا الْوُجُودُ فِيهِ كَالدَّلِيلِ الْمَحْضِ مِثْلُ وُجُودِ الْعَالَمِ الدَّالِّ عَلَى الْبَارِي تَعَالَى حَتَّى يُقَالَ : لَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا هُوَ عَلَامَةٌ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ; بَلْ هُوَ قِسْمٌ آخَرُ وَمَنْ لَمْ يُعْطِ كُلَّ مَرْتَبَةٍ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ فِيهَا أَدَاةُ الظَّرْفِ حَقَّهَا فَيُفَرِّقُ بَيْنَ وُجُودِ الْجِسْمِ فِي الْحَيِّزِ وَفِي الْمَكَانِ وَوُجُودِ الْعَرَضِ بِالْجِسْمِ وَوُجُودِ الصُّورَةِ بِالْمِرْآةِ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ رُؤْيَةِ الشَّيْءِ بِالْعَيْنِ يَقَظَةً وَبَيْنَ رُؤْيَتِهِ بِالْقَلْبِ يَقِظَةً وَمَنَامًا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَإِلَّا اضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ . وَكَذَلِكَ سُؤَالُ السَّائِلِ عَمَّا فِي الْمُصْحَفِ هَلْ هُوَ حَادِثٌ أَوْ قَدِيمٌ ؟ سُؤَالٌ مُجْمَلٌ ; فَإِنَّ لَفْظَ الْقَدِيمِ أَوَّلًا لَيْسَ مَأْثُورًا عَنْ السَّلَفِ وَإِنَّمَا الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَيْهِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ حَيْثُ تُلِيَ وَحَيْثُ كُتِبَ وَهُوَ قُرْآنٌ وَاحِدٌ وَكَلَامٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ الصُّوَرُ الَّتِي يُتْلَى فِيهَا وَيُكْتَبُ مِنْ أَصْوَاتِ الْعِبَادِ وَمِدَادِهِمْ . فَإِنَّ الْكَلَامَ كَلَامُ مَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا لَا كَلَامُ مَنْ بَلَّغَهُ مُؤَدِّيًا فَإِذَا سَمِعْنَا مُحَدِّثًا يُحَدِّثُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } قُلْنَا : هَذَا كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ مَعَ عِلْمِنَا أَنَّ الصَّوْتَ صَوْتُ الْمُبَلِّغِ لَا صَوْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ بَلَّغَ كَلَامَ غَيْرِهِ مَنْ نَظْمٍ وَنَثْرٍ . وَنَحْنُ إذَا قُلْنَا : هَذَا كَلَامُ اللَّهِ لِمَا نَسْمَعُهُ مِنْ الْقَارِئِ وَنَرَى فِي الْمُصْحَفِ فَالْإِشَارَةُ إلَى الْكَلَامِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا اقْتَرَنَ بِهِ الْبَلَاغُ مِنْ صَوْتِ الْمُبَلِّغِ وَمِدَادِ الْكَاتِبِ . فَمَنْ قَالَ : صَوْتُ الْقَارِئِ وَمِدَادُ الْكَاتِبِ كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَخْلُوقِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَهَذَا الْفَرْقُ الَّذِي بَيَّنَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد لِمَنْ سَأَلَهُ وَقَدْ قَرَأَ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } فَقَالَ : هَذَا كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَقَالَ : نَعَمْ . فَنَقَلَ السَّائِلُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَدَعَا بِهِ وَزَبَرَهُ زَبْرًا شَدِيدًا وَطَلَبَ عُقُوبَتَهُ وَتَعْزِيرَهُ وَقَالَ : أَنَا قُلْت لَك لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَقَالَ : لَا وَلَكِنْ قُلْت لِي لَمَّا قَرَأْت { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } هَذَا كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ . قَالَ : فَلِمَ تَنْقُلُ عَنِّي مَا لَمْ أَقُلْهُ . فَبَيَّنَ الْإِمَامُ أَحْمَد أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ لِمَا سَمِعَهُ مِنْ الْمُبَلِّغِينَ الْمُؤَدِّينَ : هَذَا كَلَامُ اللَّهِ . فَالْإِشَارَةُ إلَى حَقِيقَتِهِ الَّتِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهَا وَإِنْ كُنَّا إنَّمَا سَمِعْنَاهَا بِبَلَاغِ الْمُبَلِّغِ وَحَرَكَتِهِ وَصَوْتِهِ ; فَإِذَا أَشَارَ إلَى شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ لَفْظِهِ أَوْ صَوْتِهِ أَوْ فِعْلِهِ وَقَالَ : هَذَا غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَقَدْ ضَلَّ وَأَخْطَأَ . فَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ : الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ . فَالْقُرْآنُ فِي الْمَصَاحِفِ كَمَا أَنَّ سَائِر الْكَلَامِ فِي الصُّحُفِ وَلَا يُقَالُ : إنَّ شَيْئًا مِنْ الْمِدَادِ وَالْوَرَقِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ; بَلْ كُلُّ وَرَقٍ وَمِدَادٍ فِي الْعَالَمِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ وَيُقَالُ أَيْضًا : الْقُرْآنُ الَّذِي فِي الْمُصْحَفِ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَالْقُرْآنُ الَّذِي يَقْرَؤُهُ الْمُسْلِمُونَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ . وَيَتَبَيَّنُ هَذَا الْجَوَابُ بِالْكَلَامِ عَلَى " الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ " وَهِيَ قَوْلُهُ : إنَّ كَلَامَ اللَّهِ هَلْ هُوَ حَرْفٌ وَصَوْتٌ أَمْ لَا ؟ فَإِنَّ إطْلَاقَ الْجَوَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا خَطَأٌ وَهِيَ مِنْ الْبِدَعِ الْمُوَلَّدَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ لَمَّا قَالَ قَوْمٌ مِنْ مُتَكَلِّمَةِ الصفاتية : إنَّ كَلَامَ اللَّهِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى أَنْبِيَائِهِ - كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَاَلَّذِي لَمْ يُنَزِّلْهُ وَالْكَلِمَاتِ الَّتِي كَوَّنَ بِهَا الْكَائِنَاتِ وَالْكَلِمَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَخَبَرِهِ لَيْسَتْ إلَّا مُجَرَّدَ مَعْنًى وَاحِدٍ هُوَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِاَللَّهِ إنْ عُبِّرَ عَنْهَا بالعبرانية كَانَتْ التَّوْرَاةَ وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَتْ الْقُرْآنَ وَإِنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْخَبَرَ صِفَاتٌ لَهَا لَا أَقْسَامٌ لَهَا وَإِنَّ حُرُوفَ الْقُرْآنِ مَخْلُوقَةٌ خَلَقَهَا اللَّهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَا وَلَيْسَتْ مِنْ كَلَامِهِ ; إذْ كَلَامُهُ لَا يَكُونُ بِحَرْفِ وَصَوْتٍ . عَارَضَهُمْ آخَرُونَ مِنْ الْمُثْبِتَةِ فَقَالُوا : بَلْ الْقُرْآنُ هُوَ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ وَتَوَهَّمَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِالْحُرُوفِ الْمِدَادَ وَبِالْأَصْوَاتِ أَصْوَاتَ الْعِبَادِ وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ عَالِمٌ . وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ - كَالْإِمَامِ أَحْمَد وَالْبُخَارِيِّ صَاحِبِ الصَّحِيحِ فِي " كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ " وَغَيْرِهِ وَسَائِر الْأَئِمَّةِ قَبْلَهُمْ وَبَعْدَهُمْ - أَتْبَاعُ النُّصُوصِ الثَّابِتَةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَهُوَ أَنَّ الْقُرْآنَ جَمِيعَهُ كَلَامُ اللَّهِ حُرُوفُهُ وَمَعَانِيهِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَلَامًا لِغَيْرِهِ ; وَلَكِنْ أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَلَيْسَ الْقُرْآنُ اسْمًا لِمُجَرَّدِ الْمَعْنَى وَلَا لِمُجَرَّدِ الْحَرْفِ ; بَلْ لِمَجْمُوعِهِمَا وَكَذَلِكَ سَائِر الْكَلَامِ لَيْسَ هُوَ الْحُرُوفَ فَقَطْ ; وَلَا الْمَعَانِي فَقَطْ . كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ الْمُتَكَلِّمَ النَّاطِقَ لَيْسَ هُوَ مُجَرَّدَ الرُّوحِ وَلَا مُجَرَّدَ الْجَسَدِ ; بَلْ مَجْمُوعُهُمَا . وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ بِصَوْتِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَأَصْوَاتِ الْعِبَادِ لَا صَوْتِ الْقَارِئِ وَلَا غَيْرِهِ . وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ . فَكَمَا لَا يُشْبِهُ عِلْمُهُ وَقُدْرَتُهُ وَحَيَاتُهُ عِلْمَ الْمَخْلُوقِ وَقُدْرَتَهُ وَحَيَاتَهُ : فَكَذَلِكَ لَا يُشْبِهُ كَلَامُهُ كَلَامَ الْمَخْلُوقِ وَلَا مَعَانِيهِ تُشْبِهُ مَعَانِيَهُ وَلَا حُرُوفُهُ تُشْبِهُ حُرُوفَهُ وَلَا صَوْتُ الرَّبِّ يُشْبِهُ صَوْتَ الْعَبْدِ فَمَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ وَمَنْ جَحَدَ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ . وَقَدْ كَتَبْت فِي الْجَوَابِ الْمَبْسُوطِ الْمُسْتَوْفِي : مَرَاتِبَ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُتَفَلْسِفَةَ تَزْعُمُ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَيْسَ لَهُ وُجُودٌ إلَّا فِي نُفُوسِ الْأَنْبِيَاءِ تُفِيضُ عَلَيْهِمْ الْمَعَانِيَ مِنْ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ فَيَصِيرُ فِي نُفُوسِهِمْ حُرُوفًا كَمَا أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ عِنْدَهُمْ مَا يَحْدُثُ فِي نُفُوسِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ الصُّوَرِ النُّورَانِيَّةِ وَهَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِ فَيْلَسُوفِ قُرَيْشٍ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ : { إنْ هَذَا إلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ } فَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ إنَّ الْقُرْآنَ تَصْنِيفُ الرَّسُولِ الْكَرِيمِ ; لَكِنَّهُ كَلَامٌ شَرِيفٌ صَادِرٌ عَنْ نَفْسٍ صَافِيَةٍ . وَهَؤُلَاءِ هُمْ الصَّابِئَةُ ; فَتَقَرَّبَتْ مِنْهُمْ الجهمية . فَقَالُوا : إنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يَتَكَلَّمُ وَلَا قَامَ بِهِ كَلَامٌ وَإِنَّمَا كَلَامُهُ مَا يَخْلُقُهُ فِي الْهَوَاءِ أَوْ غَيْرِهِ فَأَخَذَ بِبَعْضِ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ مُتَكَلِّمَةِ الصفاتية . فَقَالُوا : بَلْ نِصْفُهُ وَهُوَ الْمَعْنَى كَلَامُ اللَّهِ وَنِصْفُهُ وَهُوَ الْحُرُوفُ لَيْسَ هُوَ كَلَامَ اللَّهِ بَلْ هُوَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ . وَقَدْ تَنَازَعَ الصفاتية الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ . هَلْ يُقَالُ : إنَّهُ قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ ؟ أَمْ يُقَالُ : يَتَكَلَّمُ إذَا شَاءَ وَيَسْكُتُ إذَا شَاءَ ؟ . عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فِي ذَلِكَ وَفِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَنَحْوِهِمَا ذَكَرَهُمَا الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيَّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ . وَكَذَلِكَ النِّزَاعُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالصُّوفِيَّةِ وَفِرَقِ الْفُقَهَاءِ : مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ ; بَلْ وَبَيْنَ فِرَقِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفَلَاسِفَةِ فِي جِنْسِ هَذَا الْبَابِ . وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعًا لِبَسْطِ ذَلِكَ . ( هَذَا لَفْظُ الْجَوَابِ فِي الْفُتْيَا الْمِصْرِيَّةِ .