تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ قَوْله تَعَالَى { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِكْرِ " زِنَا الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا " وَمَاذَا عَلَى الرَّجُلِ إذَا مَسَّ يَدَ الصَّبِيِّ الْأَمْرَدِ فَهَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ النِّسَاءِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَمْ لَا ؟ وَمَا عَلَى الرَّجُلِ إذَا جَاءَتْ إلَى عِنْدِهِ المردان وَمَدَّ يَدَهُ إلَى هَذَا وَهَذَا وَيَتَلَذَّذُ بِذَلِكَ وَمَا جَاءَ فِي التَّحْرِيمِ مِنْ النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ ؟ وَهَلْ هَذَا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ : { إنَّ النَّظَرَ إلَى الْوَجْهِ الْمَلِيحِ عِبَادَةٌ } [ صَحِيحٌ ] أَمْ لَا ؟ وَإِذَا قَالَ أَحَدٌ : أَنَا مَا أَنْظُرُ إلَى الْمَلِيحِ الْأَمْرَدِ لِأَجْلِ شَيْءٍ ; وَلَكِنِّي إذَا رَأَيْته قُلْت : سُبْحَانَ اللَّهِ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ فَهَلْ هَذَا الْقَوْلُ صَوَابٌ أَمْ لَا ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ .
123
فَأَجَابَ : قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ وَرَحِمَهُ وَرَضِيَ عَنْهُ وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِ . الْحَمْدُ لِلَّهِ . إذَا مَسَّ الْأَمْرَدَ لِشَهْوَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ : " أَحَدُهُمَا " أَنَّهُ كَمَسِّ النِّسَاءِ لِشَهْوَةِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يُعْلَى فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ . وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ . وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَإِنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ يُفْسِدُ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَفْسُدُ بِالْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ كَالصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَيُوجِبُ الْغُسْلَ كَمَا يُوجِبُهُ هَذَا ; فَتَكُونُ مُقَدِّمَاتُ هَذَا فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ كَمُقَدِّمَاتِ هَذَا فَلَوْ مَسَّ الْأَمْرَدَ لِشَهْوَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ كَمَا عَلَيْهِ لَوْ مَسَّ أَجْنَبِيَّةً لِشَهْوَةِ ; كَذَلِكَ إذَا مَسَّ الْأَمْرَدَ لِشَهْوَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ مَسَّ الْمَرْأَةَ لِشَهْوَةِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ . وَاَلَّذِي لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِمَسِّهِ يَقُولُ : إنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ مَحَلًّا لِذَلِكَ . فَيُقَالُ : لَا رَيْبَ أَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ لِذَلِكَ وَأَنَّ الْفَاحِشَةَ اللُّوطِيَّةَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ ; لَكِنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي بَعْضِ الْوَطْءِ فَلَوْ وَطِئَ فِي الدُّبُرِ تَعَلَّقَ بِهِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ الدُّبُرُ لَمْ يُخْلَقْ مَحَلًّا لِلْوَطْءِ مَعَ أَنَّ نُفْرَةَ الطِّبَاعِ عَنْ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ أَعْظَمُ مِنْ نُفْرَتِهَا عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَنَقْضُ الْوُضُوءِ بِاللَّمْسِ يُرَاعَى فِيهِ حَقِيقَةُ الْحِكْمَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَسُّ لِشَهْوَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ - كَمَالِكِ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا - يُرَاعَى كَمَا يُرَاعَى مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَحَيْثُ وُجِدَ اللَّمْسُ لِشَهْوَةِ تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ حَتَّى لَوْ مَسَّ بِنْتِهِ وَأُخْتَه وَأُمَّهُ لِشَهْوَةِ انْتَقَضَ وَضَوْءُهُ ; فَكَذَلِكَ مِنْ الْأَمْرَدِ . وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد فِي رِوَايَةٍ فَيُعْتَبَرُ الْمَظِنَّةُ وَهُوَ أَنَّ النِّسَاءَ مَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ سَوَاءٌ كَانَ بِشَهْوَةِ أَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ ; وَلِهَذَا لَا يَنْقُضُ مَسُّ الْمَحَارِمِ ; لَكِنَّ لَوْ مَسَّ ذَوَاتَ مَحَارِمِهِ لِشَهْوَةِ فَقَدْ وُجِدَتْ حَقِيقَةُ الْحِكْمَةِ . وَكَذَلِكَ إذَا مَسَّ الْأَمْرَدَ لِشَهْوَةِ وَالتَّلَذُّذُ بِمَسِّ الْأَمْرَدِ - كَمُصَافَحَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ - كَمَا يَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِمَسِّ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ كَمَا أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ عُقُوبَةَ اللُّوطِيِّ أَعْظَمُ مِنْ عُقُوبَةِ الزِّنَا بِالْأَجْنَبِيَّةِ فَيَجِبُ قَتْلُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَسَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا لِلْآخَرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمِلَ بِهِ أَصْحَابُهُ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ يُعْرَفُ بَيْنَهُمْ وَقَتْلُهُ بِالرَّجْمِ كَمَا قَتَلَ اللَّهُ قَوْمَ لُوطٍ ; وَبِذَلِكَ جَاءَتْ الشَّرِيعَةُ فِي قَتْلِ الزَّانِي أَنَّهُ بِالرَّجْمِ ; { فَرَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ والغامدية وَالْيَهُودِيِّينَ وَالْمَرْأَةَ الَّتِي أَرْسَلَ إلَيْهَا أَنِيسًا وَقَالَ : اذْهَبْ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَرَجَمَهَا } . وَالنَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ بِشَهْوَةِ كَالنَّظَرِ إلَى وَجْهِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِالشَّهْوَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الشَّهْوَةُ شَهْوَةَ الْوَطْءِ أَوْ كَانَتْ شَهْوَةَ التَّلَذُّذِ بِالنَّظَرِ كَمَا يَتَلَذَّذُ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ كَانَ مَعْلُومًا لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّ هَذَا حَرَامٌ فَكَذَلِكَ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ .