تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَنْقُصُ كَمَا يَنْقُصُ الْإِيمَانُ فَهَذَا أَيْضًا حَقٌّ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ ; فَإِنَّ مَنْ نَقَصَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الْحَجِّ شَيْئًا فَقَدْ نَقَصَ مِنْ إسْلَامِهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ . وَمَنْ قَالَ : إنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْكَلِمَةُ فَقَطْ وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فَقَوْلُهُ خَطَأٌ . وَرَدُّ الَّذِينَ جَعَلُوا الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ سَوَاءٌ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ إلَى هَؤُلَاءِ ; فَإِنَّ قَوْلَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ يُشْبِهُ قَوْلَ الْمُرْجِئَةِ فِي الْإِيمَانِ . وَلِهَذَا صَارَ النَّاسُ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ عَلَى " ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ " فَالْمُرْجِئَةُ يَقُولُونَ : الْإِسْلَامُ أَفْضَلُ ; فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْإِيمَانُ . وَآخَرُونَ يَقُولُونَ : الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ سَوَاءٌ وَهُمْ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ وَحَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ جُمْهُورِهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّ الْإِيمَانَ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ . ثُمَّ هَؤُلَاءِ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : الْإِسْلَامُ مُجَرَّدُ الْقَوْلِ وَالْأَعْمَالُ لَيْسَتْ مِنْ الْإِسْلَامِ . وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ كُلُّهَا وَأَحْمَد إنَّمَا مَنَعَ الِاسْتِثْنَاءَ فِيهِ عَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ : هُوَ الْكَلِمَةُ . هَكَذَا نَقَلَ الْأَثْرَمُ وَالْمَيْمُونِيَّ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ . وَأَمَّا عَلَى جَوَابِهِ الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَخْتَرْ فِيهِ قَوْلَ مَنْ قَالَ : الْإِسْلَامُ الْكَلِمَةُ فَيُسْتَثْنَى فِي الْإِسْلَامِ كَمَا يُسْتَثْنَى فِي الْإِيمَانِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجْزِمُ بِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ كُلَّ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ . وَإِذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ } و { بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ } فَجَزْمُهُ بِأَنَّهُ فِعْلُ الْخَمْسِ بِلَا نَقْصٍ كَمَا أُمِرَ كَجَزْمِهِ بِإِيمَانِهِ . فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً } أَيْ الْإِسْلَامِ كَافَّةً أَيْ فِي جَمِيعِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ . وَتَعْلِيلُ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ مَا ذَكَرُوهُ فِي اسْمِ الْإِيمَانِ يَجِيءُ فِي اسْمِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا أُرِيدَ بِالْإِسْلَامِ الْكَلِمَةُ فَلَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَد وَغَيْرُهُ وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ كُلِّهَا فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِيمَانِ وَلَمَّا كَانَ كُلُّ مَنْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ صَارَ مُسْلِمًا مُتَمَيِّزًا عَنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ الَّتِي تَجْرِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَانَ هَذَا مِمَّا يَجْزِمُ بِهِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ فِيهِ فَلِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ : الْإِسْلَامُ الْكَلِمَةُ . وَعَلَى ذَلِكَ وَافَقَهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ وَحِينَ وَافَقَهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّ الْإِسْلَامَ الْوَاجِبَ هُوَ الْكَلِمَةُ وَحْدَهَا فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ أَجَلُّ مَنْ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ ; وَلِهَذَا أَحْمَد لَمْ يُجِبْ بِهَذَا فِي جَوَابِهِ الثَّانِي خَوْفًا مِنْ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ هُوَ إلَّا الْكَلِمَةَ ; وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ الْأَثْرَمُ لِأَحْمَدَ : فَإِذَا قَالَ : أَنَا مُسْلِمٌ فَلَا يَسْتَثْنِي ؟ قَالَ نَعَمْ : لَا يَسْتَثْنِي إذَا قَالَ : أَنَا مُسْلِمٌ . فَقُلْت لَهُ أَقُولُ : هَذَا مُسْلِمٌ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ } وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ النَّاسُ مِنْهُ فَذَكَرَ حَدِيثَ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ : فَنَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ الْكَلِمَةُ وَالْإِيمَانَ الْعَمَلُ . فَبَيَّنَ أَحْمَد أَنَّ الْإِسْلَامَ إذَا كَانَ هُوَ الْكَلِمَةَ فَلَا اسْتِثْنَاءَ فِيهَا فَحَيْثُ كَانَ هُوَ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ الْإِسْلَامِ فَلَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِ وَلَوْ أُرِيدَ بِالْإِيمَانِ هَذَا كَمَا يُرَادُ ذَلِكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } فَإِنَّمَا أُرِيدَ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ فَإِنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي عُلِّقَتْ بِهِ أَحْكَامُ الدُّنْيَا هُوَ الْإِيمَانُ الظَّاهِرُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ فِي الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ . وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ الْأَثْرَمُ لِأَحْمَدَ احْتِجَاجَ الْمُرْجِئَةِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ } أَجَابَهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ حُكْمُهَا فِي الدُّنْيَا حُكْمُ الْمُؤْمِنَةِ ; لَمْ يُرِدْ أَنَّهَا مُؤْمِنَةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَسْتَحِقُّ دُخُولَ الْجَنَّةِ بِلَا نَارٍ إذَا لَقِيته بِمُجَرَّدِ هَذَا الْإِقْرَارِ وَهَذَا هُوَ الْمُؤْمِنُ الْمُطْلَقُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَهُوَ الْمَوْعُودُ بِالْجَنَّةِ بِلَا نَارٍ إذَا مَاتَ عَلَى إيمَانِهِ وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ يُلْزِمُونَ مَنْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِالْإِيمَانِ أَنْ يَشْهَدَ لَهَا بِالْجَنَّةِ ; يَعْنُونَ إذَا مَاتَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ عَرَفَ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا . فَإِذَا قَالَ الْإِنْسَانُ : أَنَا مُؤْمِنٌ قَطْعًا وَأَنَا مُؤْمِنٌ عِنْدَ اللَّهِ . قِيلَ لَهُ : فَاقْطَعْ بِأَنَّك تَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِلَا عَذَابٍ إذَا مُتّ عَلَى هَذَا الْحَالِ فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ . وَأَنْكَرَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثَ ابْنِ عَمِيرَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجَعَ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ ; فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمَّا قِيلَ لَهُ : إنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ : إنَّا مُؤْمِنُونَ فَقَالَ : أَفَلَا سَأَلْتُمُوهُمْ أَفِي الْجَنَّةِ هُمْ ؟ وَفِي رِوَايَةٍ : أَفَلَا قَالُوا : نَحْنُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ قِيلَ لَهُ : إنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ ; قَالَ : فَاسْأَلُوهُ أَفِي الْجَنَّةِ هُوَ أَوْ فِي النَّارِ ؟ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ : اللَّهُ أَعْلَمُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : فَهَلَّا وَكَلْت الْأُولَى كَمَا وَكَلْت الثَّانِيَةَ ؟ مَنْ قَالَ : أَنَا مُؤْمِنٌ فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ قَالَ : أَنَا عَالِمٌ فَهُوَ جَاهِلٌ وَمَنْ قَالَ : هُوَ فِي الْجَنَّةِ فَهُوَ فِي النَّارِ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ وُجُوهٍ مُرْسَلًا مِنْ حَدِيثِ قتادة وَنُعَيْمِ ابْنِ أَبِي هِنْدٍ وَغَيْرِهِمَا . وَالسُّؤَالُ الَّذِي تُورِدُهُ الْمُرْجِئَةُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَيَقُولُونَ : إنَّ يَزِيدَ بْنَ عَمِيرَةَ أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ حَتَّى رَجَعَ جَعَلَ هَذَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَعْلَمُ حَالَهُ الْآنَ وَمَا يَدْرِي مَاذَا يَمُوتُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا السُّؤَالِ صَارَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ يَقُولُونَ : الْمُؤْمِنُ هُوَ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يُخْتَمُ لَهُ بِالْإِيمَانِ وَالْكَافِرُ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ كَافِرٌ وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا يَجْعَلُونَ الِاسْتِثْنَاءَ وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ وَأَصْحَابِهِ . وَلَكِنَّ أَحْمَد وَغَيْرَهُ مِنْ السَّلَفِ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَقْصُودَهُمْ وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ الْمُطْلَقَ يَتَضَمَّنُ فِعْلَ الْمَأْمُورَاتِ . فَقَوْلُهُ : أَنَا مُؤْمِنٌ . كَقَوْلِهِ : أَنَا وَلِيُّ اللَّهِ وَأَنَا مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَأَنَا مِنْ الْأَبْرَارِ وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِمَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا وَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْلَمُ عَلَى مَاذَا يَمُوتُ فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ هَذَا وَإِنَّمَا أَرَادَ : سَلُوهُ هَلْ هُوَ فِي الْجَنَّةِ إنْ مَاتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ ؟ كَأَنَّهُ قَالَ : سَلُوهُ أَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ ؟ فَلَمَّا قَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : أَفَلَا وَكَلْت الْأُولَى كَمَا وَكَلْت الثَّانِيَةَ . يَقُولُ : هَذَا التَّوَقُّفُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّك لَا تَشْهَدُ لِنَفْسِك بِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ . فَإِنَّهُ مَنْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ شَهِدَ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَلِهَذَا صَارَ الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ الِاسْتِثْنَاءَ لِأَجْلِ الْحَالِ الْحَاضِرِ بَلْ لِلْمُوَافَاةِ لَا يَقْطَعُونَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ تَائِبٍ كَمَا لَا يَقْطَعُونَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَاقِبُ مُذْنِبًا فَإِنَّهُمْ لَوْ قَطَعُوا بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ لَزِمَهُمْ أَنْ يَقْطَعُوا لَهُ الْجَنَّةَ وَهُمْ لَا يَقْطَعُونَ لِأَحَدِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ لَا بِجَنَّةِ وَلَا نَارٍ ; إلَّا مَنْ قَطَعَ لَهُ النَّصُّ . وَإِذَا قِيلَ : الْجَنَّةُ هِيَ لِمَنْ أَتَى بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ مِنْ جَمِيعِ السَّيِّئَاتِ . قَالُوا : وَلَوْ مَاتَ عَلَى هَذِهِ التَّوْبَةِ لَمْ يُقْطَعْ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَهُمْ لَا يَسْتَثْنُونَ فِي الْأَحْوَالِ بَلْ يَجْزِمُونَ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ مُؤْمِنٌ تَامُّ الْإِيمَانِ وَلَكِنَّ عِنْدَهُمْ الْإِيمَانَ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ مَا يُوَافِي بِهِ فَمَنْ قَطَعُوا لَهُ بِأَنَّهُ مَاتَ مُؤْمِنًا لَا ذَنْبَ لَهُ قَطَعُوا لَهُ بِالْجَنَّةِ فَلِهَذَا لَا يَقْطَعُونَ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ لِئَلَّا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقْطَعُوا بِالْجَنَّةِ وَأَمَّا أَئِمَّةُ السَّلَفِ فَإِنَّمَا لَمْ يَقْطَعُوا بِالْجَنَّةِ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْطَعُونَ بِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَأْمُورَ وَتَرَكَ الْمَحْظُورَ وَلَا أَنَّهُ أَتَى بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ وَإِلَّا فَهُمْ يَقْطَعُونَ بِأَنَّ مَنْ تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَجِمَاعُ الْأَمْرِ أَنَّ الِاسْمَ الْوَاحِدَ يُنْفَى وَيُثْبَتُ بِحَسَبِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ فَلَا يَجِبُ إذَا أُثْبِتَ أَوْ نُفِيَ فِي حُكْمِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ وَهَذَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَسَائِرِ الْأُمَمِ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَفْهُومٌ . مِثَالُ ذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ قَدْ يُجْعَلُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي مَوْضِعٍ ; وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُقَالُ : مَا هُمْ مِنْهُمْ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إلَّا قَلِيلًا } { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } فَهُنَالِكَ جَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الْخَائِفِينَ مِنْ الْعَدُوِّ النَّاكِلِينَ عَنْ الْجِهَادِ النَّاهِينَ لِغَيْرِهِمْ الذَّامِّينَ لِلْمُؤْمِنِينَ : مِنْهُمْ . وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى { وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } وَهَؤُلَاءِ ذَنْبُهُمْ أَخَفُّ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُؤْذُوا الْمُؤْمِنِينَ لَا بِنَهْيٍ وَلَا سَلْقٍ بِأَلْسِنَةِ حِدَادٍ وَلَكِنْ حَلَفُوا بِاَللَّهِ إنَّهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْبَاطِنِ بِقُلُوبِهِمْ وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمَ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ فِي الظَّاهِرِ فَكَذَّبَهُمْ اللَّهُ وَقَالَ : { وَمَا هُمْ مِنْكُمْ } وَهُنَاكَ قَالَ : { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ } فَالْخِطَابُ لِمَنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا وَلَيْسَ مُؤْمِنًا بِأَنَّ مِنْكُمْ مَنْ هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَيْسَ مُؤْمِنًا بَلْ أَحْبَطَ اللَّهُ عَمَلَهُ فَهُوَ مِنْكُمْ فِي الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ . وَلِهَذَا لَمَّا اُسْتُؤْذِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ قَالَ : { لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ } فَإِنَّهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الظَّاهِرِ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُ حَقَائِقَ الْأُمُورِ وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُهُ لَيْسَ فِيهِمْ نِفَاقٌ كَاَلَّذِينَ عَلَّمُوا سُنَّتَهُ النَّاسَ وَبَلَّغُوهَا إلَيْهِمْ وَقَاتَلُوا الْمُرْتَدِّينَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَاَلَّذِينَ بَايَعُوهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَأَهْلُ بَدْرٍ وَغَيْرُهُمْ بَلْ الَّذِينَ كَانُوا مُنَافِقِينَ غَمَرَتْهُمْ النَّاسُ . وَكَذَلِكَ الْأَنْسَابُ مِثْلَ كَوْنِ الْإِنْسَانِ أَبًا لِآخَرَ أَوْ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ دُونَ بَعْضٍ ; فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّهُ { لَمَّا اخْتَصَمَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زمعة بْنِ الْأَسْوَدِ فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زمعة وَكَانَ عتبة بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ قَدْ فَجَرَ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا فَقَالَ عتبة لِأَخِيهِ سَعْدٍ : إذَا قَدِمْت مَكَّةَ فَانْظُرْ ابْنَ وَلِيدَةِ زمعة فَإِنَّهُ ابْنِي فَاخْتَصَمَ فِيهِ هُوَ وَعَبْدُ بْنُ زمعة إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَعْدٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي عتبة عَهِدَ إلَيَّ أَخِي عتبة فِيهِ إذَا قَدِمْت مَكَّةَ اُنْظُرْ إلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زمعة فَإِنَّهُ ابْنِي أَلَا تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ شَبَهَهُ بعتبة ؟ فَقَالَ عَبْدٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي ; وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي فَرَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَهًا بَيِّنًا بعتبة فَقَالَ : هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنُ زمعة الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ } لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ الْبَيِّنِ بعتبة . فَقَدْ جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ زمعة لِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَجَعَلَهُ أَخًا لِوَلَدِهِ بِقَوْلِهِ : { فَهُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنُ زمعة } وَقَدْ صَارَتْ سَوْدَةُ أُخْتَه يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ ; لِأَنَّهُ ابْن أَبِيهَا زمعة وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ . وَمَعَ هَذَا فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ الْبَيِّنِ بعتبة فَإِنَّهُ قَامَ فِيهِ دَلِيلَانِ مُتَعَارِضَانِ : الْفِرَاشُ وَالشَّبَهُ وَالنَّسَبُ فِي الظَّاهِرِ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ أَقْوَى وَلِأَنَّهَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ مُبَاحٌ وَالْفُجُورُ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُعْلَمُ وَيَجِبُ سَتْرُهُ لَا إظْهَارُهُ كَمَا قَالَ : { لِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ } كَمَا يُقَالُ : بِفِيك الكثلب وَبِفِيك الأثلب أَيْ : عَلَيْك أَنْ تَسْكُتَ عَنْ إظْهَارِ الْفُجُورِ فَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ ذَلِكَ وَلَمَّا كَانَ احْتِجَابُهَا مِنْهُ مُمْكِنًا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ أَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ لِمَا ظَهَرَ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ أَخَاهَا فِي الْبَاطِنِ . فَتَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْمَ الْوَاحِدَ يُنْفَى فِي حُكْمٍ وَيَثْبُتُ فِي حُكْمٍ . فَهُوَ أَخٌ فِي الْمِيرَاثِ وَلَيْسَ بِأَخٍ فِي المحرمية . وَكَذَلِكَ وَلَدُ الزِّنَا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَابْنُ الْمُلَاعَنَةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ إلَّا مَنْ شَذَّ ; لَيْسَ بِوَلَدِ فِي الْمِيرَاثِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ وَلَدٌ فِي تَحْرِيمِ النِّكَاحِ والمحرمية . وَلَفْظُ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ فِي الْأَمْرِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ وَهُوَ الْعَقْدُ وَالْوَطْءُ كَمَا فِي قَوْلِهِ : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ } وَقَوْلُهُ : { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وَفِي النَّهْيِ يَعُمُّ النَّاقِصَ وَالْكَامِلَ ; فَيَنْهَى عَنْ الْعَقْدِ مُفْرَدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطْءٌ كَقَوْلِهِ : { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ } وَهَذَا لِأَنَّ الْآمِرَ مَقْصُودُهُ تَحْصِيلُ الْمَصْلَحَةِ وَتَحْصِيلُ الْمَصْلَحَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِالدُّخُولِ كَمَا لَوْ قَالَ : اشْتَرِ لِي طَعَامًا ; فَالْمَقْصُودُ مَا يَحْصُلُ إلَّا بِالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ وَالنَّاهِي مَقْصُودُهُ دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ فَيَدْخُلُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ ; لِأَنَّ وُجُودَهُ مَفْسَدَةٌ وَكَذَلِكَ النَّسَبُ وَالْمِيرَاثُ مُعَلَّقٌ بِالْكَامِلِ مِنْهُ وَالتَّحْرِيمُ مُعَلَّقٌ بِأَدْنَى سَبَبٍ حَتَّى الرَّضَاعِ . وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَكُونُ لَهُ مُبْتَدَأٌ وَكَمَالٌ يُنْفَى تَارَةً بِاعْتِبَارِ انْتِفَاءِ كَمَالِهِ وَيَثْبُتُ تَارَةً بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ مَبْدَئِهِ . فَلَفْظُ الرِّجَالِ يَعُمُّ الذُّكُورَ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : { وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } وَلَا يَعُمُّ الصِّغَارَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : { وَالْمُسْتَضْعَفِين مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا } فَإِنَّ بَابَ الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ عَمَلٌ يَعْمَلُهُ الْقَادِرُونَ عَلَيْهِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ لَظُنَّ أَنَّ الْوِلْدَانَ غَيْرُ دَاخِلِينَ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مَنْ أَهْلِهِ وَهُمْ ضُعَفَاءُ فَذَكَرَهُمْ بِالِاسْمِ الْخَاصِّ لِيُبَيِّنَ عُذْرَهُمْ فِي تَرْكِ الْهِجْرَةِ وَوُجُوبِ الْجِهَادِ . وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ لَهُ مَبْدَأٌ وَكَمَالٌ وَظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ فَإِذَا عُلِّقَتْ بِهِ الْأَحْكَامُ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنْ الْحُقُوقِ وَالْحُدُودِ كَحَقْنِ الدَّمِ وَالْمَالِ وَالْمَوَارِيثِ وَالْعُقُوبَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ عُلِّقَتْ بِظَاهِرِهِ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ إذْ تَعْلِيقُ ذَلِكَ بِالْبَاطِنِ مُتَعَذِّرٌ ; وَإِنْ قُدِّرَ أَحْيَانًا فَهُوَ مُتَعَسِّرٌ عِلْمًا وَقُدْرَةً ; فَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ عِلْمًا يَثْبُتُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ وَلَا يُمْكِنُ عُقُوبَةُ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْبَاطِنِ . وَبِهَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْتَنِعُ مِنْ عُقُوبَةِ الْمُنَافِقِينَ ; فَإِنَّ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُمْ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِذَلِكَ ; وَاَلَّذِينَ كَانَ يَعْرِفُهُمْ لَوْ عَاقَبَ بَعْضَهُمْ لَغَضِبَ لَهُ قَوْمُهُ ; وَلَقَالَ النَّاسُ : إنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ; فَكَانَ يَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ نُفُورٌ عَنْ الْإِسْلَامِ ; إذْ لَمْ يَكُنْ الذَّنْبُ ظَاهِرًا يَشْتَرِكُ النَّاسُ فِي مَعْرِفَتِهِ . وَلَمَّا هَمَّ بِعُقُوبَةِ مَنْ يَتَخَلَّفُ عَنْ الصَّلَاةِ مَنَعَهُ مَنْ فِي الْبُيُوتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ وَأَمَّا مَبْدَؤُهُ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ خِطَابُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَإِذَا قَالَ اللَّهُ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ } وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهُوَ أَمْرٌ فِي الظَّاهِرِ لِكُلِّ مَنْ أَظْهَرَهُ وَهُوَ خِطَابٌ فِي الْبَاطِنِ لِكُلِّ مَنْ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مُصَدِّقٌ لِلرَّسُولِ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقُمْ بِالْوَاجِبَاتِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَفْظُ : { الَّذِينَ آمَنُوا } يَتَنَاوَلُهُمْ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمْ فَذَاكَ لِذُنُوبِهِمْ فَلَا تَكُونُ ذُنُوبُهُمْ مَانِعَةً مِنْ أَمْرِهِمْ بِالْحَسَنَاتِ الَّتِي إنْ فَعَلُوهَا كَانَتْ سَبَبَ رَحْمَتِهِمْ وَإِنْ تَرَكُوهَا كَانَ أَمْرُهُمْ بِهَا وَعُقُوبَتُهُمْ عَلَيْهَا عُقُوبَةً عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ وَالْكَافِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا لَكِنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ وَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُ الْمَحْضُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِي الْبَاطِنِ حَتَّى يُؤْمِنَ