تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَفِي الْبَابِ حِكَايَاتٌ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ رَأَى مَنَامًا قِيلَ لَهُ فِيهِ : اُدْعُ بِكَذَا وَكَذَا وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَ هَذِهِ الْحِكَايَاتِ مَنْ جَمَعَ الْأَدْعِيَةَ وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِثْلُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ ( مُجَابِي الدُّعَاءِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ سَمِعْت كَثِيرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ رِفَاعَةَ يَقُولُ : جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبْجَرَ فَجَسَّ بَطْنَهُ فَقَالَ : بِك دَاءٌ لَا يَبْرَأُ . قَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : الدُّبَيْلَةُ . قَالَ فَتَحَوَّلَ الرَّجُلُ فَقَالَ : اللَّهَ اللَّهَ اللَّهَ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا اللَّهُمَّ إنِّي أَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا يَا مُحَمَّدُ إنِّي أَتَوَجَّهُ بِك إلَى رَبِّك وَرَبِّي يَرْحَمُنِي مِمَّا بِي . قَالَ فَجَسَّ بَطْنَهُ فَقَالَ : قَدْ بَرِئْت مَا بِك عِلَّةٌ . قُلْت : فَهَذَا الدُّعَاءُ وَنَحْوُهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ دَعَا بِهِ السَّلَفُ وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مَنْسَكِ المروذي التَّوَسُّلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ وَنَهَى عَنْهُ آخَرُونَ . فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُ الْمُتَوَسِّلِينَ التَّوَسُّلَ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِمَحَبَّتِهِ وَبِمُوَالَاتِهِ وَبِطَاعَتِهِ فَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُمْ التَّوَسُّلَ بِذَاتِهِ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَمَا تَنَازَعُوا فِيهِ يُرَدُّ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ . وَلَيْسَ مُجَرَّدُ كَوْنِ الدُّعَاءِ حَصَلَ بِهِ الْمَقْصُودُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَائِغٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ الْكَوَاكِبِ وَالْمَخْلُوقِينَ وَيَحْصُلُ مَا يَحْصُلُ مِنْ غَرَضِهِمْ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْصِدُونَ الدُّعَاءَ عِنْدَ الْأَوْثَانِ وَالْكَنَائِسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيَدْعُو التَّمَاثِيلَ الَّتِي فِي الْكَنَائِسِ وَيَحْصُلُ مَا يَحْصُلُ مِنْ غَرَضِهِ وَبَعْضُ النَّاسِ يَدْعُو بِأَدْعِيَةِ مُحَرَّمَةٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْصُلُ مَا يَحْصُلُ مِنْ غَرَضِهِمْ . فَحُصُولُ الْغَرَضِ بِبَعْضِ الْأُمُورِ لَا يَسْتَلْزِمُ إبَاحَتَهُ وَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ مُبَاحًا فَإِنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ عَلَى مَصْلَحَتِهِ وَالشَّرِيعَةُ جَاءَتْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ الشِّرْكِ وَالْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَالْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ قَدْ يَحْصُلُ لِصَاحِبِهِ بِهِ مَنَافِعُ وَمَقَاصِدُ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ مَفَاسِدُهَا رَاجِحَةً عَلَى مَصَالِحِهَا نَهَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهَا كَمَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأُمُورِ كَالْعِبَادَاتِ وَالْجِهَادِ وَإِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ قَدْ تَكُونُ مُضِرَّةً لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ رَاجِحَةً عَلَى مَفْسَدَتِهِ أَمَرَ بِهِ الشَّارِعُ . فَهَذَا أَصْلٌ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا إلَّا بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ يَقْتَضِي إيجَابَهُ أَوْ اسْتِحْبَابَهُ . وَالْعِبَادَاتُ لَا تَكُونُ إلَّا وَاجِبَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً فَمَا لَيْسَ بِوَاجِبِ وَلَا مُسْتَحَبٍّ فَلَيْسَ بِعِبَادَةِ . وَالدُّعَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى عِبَادَةٌ إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ بِهِ أَمْرًا مُبَاحًا . وَفِي الْجُمْلَةِ فَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ السُّؤَالُ بِهِ بِخِلَافِ دُعَاءِ الْمَوْتَى وَالْغَائِبِينَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالصَّالِحِينَ وَالِاسْتِغَاثَةِ بِهِمْ وَالشَّكْوَى إلَيْهِمْ فَهَذَا مِمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَا رَخَّصَ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ . وَحَدِيثُ الْأَعْمَى الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ والنسائي هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ التَّوَسُّلِ بِدُعَائِهِ فَإِنَّ { الْأَعْمَى قَدْ طَلَبَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ بِأَنْ يَرُدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ . فَقَالَ لَهُ إنْ شِئْت صَبَرْت وَإِنْ شِئْت دَعَوْت لَك فَقَالَ . بَلْ اُدْعُهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيَقُولَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِنَبِيِّك نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَتَوَجَّهُ بِك إلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِيَقْضِيَهَا اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ } فَهَذَا تَوَسُّلٌ بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَفَاعَتِهِ وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا قَالَ : " وَشَفِّعْهُ فِيَّ " فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَقْبَلَ شَفَاعَةَ رَسُولِهِ فِيهِ وَهُوَ دُعَاؤُهُ . وَهَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُعَائِهِ الْمُسْتَجَابِ وَمَا أَظْهَرَ اللَّهُ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ مِنْ الْخَوَارِقِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْ الْعَاهَاتِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ لِهَذَا الْأَعْمَى أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ . وَهَذَا الْحَدِيثُ - حَدِيثُ الْأَعْمَى - قَدْ رَوَاهُ الْمُصَنِّفُونَ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ كالبيهقي وَغَيْرِهِ : رَوَاهُ البيهقي مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الليثي قَالَ : سَمِعْت عُمَارَةَ بْنَ خزيمة بْنِ ثَابِتٍ يُحَدِّثُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ العتبية { أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي فَقَالَ لَهُ إنْ شِئْت أَخَّرْت ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَك وَإِنْ شِئْت دَعَوْت قَالَ فادعه فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ الْوُضُوءَ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إنِّي أَتَوَجَّهُ بِك إلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَيَقْضِيهَا لِي اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ فَقَامَ وَقَدْ أَبْصَرَ } وَمِنْ هَذَا الطَّرِيقِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ . وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ النسائي وَابْنُ ماجه أَيْضًا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جَعْفَرٍ وَهُوَ غَيْرُ الليثي هَكَذَا وَقَعَ فِي التِّرْمِذِيِّ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ قَالُوا هُوَ أَبُو جَعْفَرٍ الخطمي وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَيْضًا فَالتِّرْمِذِيُّ وَمَنْ مَعَهُ لَمْ يَسْتَوْعِبُوا لَفْظَهُ كَمَا اسْتَوْعَبَهُ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ بَلْ رَوَوْهُ إلَى قَوْلِهِ { اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ } . قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خزيمة بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ العتبية { أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي قَالَ إنْ شِئْت صَبَرْت فَهُوَ خَيْرٌ لَك قَالَ فادعه قَالَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إنِّي تَوَجَّهْت بِك إلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ } . قَالَ البيهقي : رَوَيْنَاهُ فِي ( كِتَابِ الدَّعَوَاتِ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ عبادة عَنْ شُعْبَةَ قَالَ : فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرَأَ قَالَ : وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الخطمي . قُلْت . وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ رَوْحِ بْنِ عبادة كَمَا ذَكَرَهُ البيهقي قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عبادة حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيِّ : سَمِعْت عُمَارَةَ بْنَ خزيمة بْنِ ثَابِتٍ يُحَدِّثُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ العتبية { أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي قَالَ إنْ شِئْت أَخَّرْت ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لِآخِرَتِك وَإِنْ شِئْت دَعَوْت لَك قَالَ : لَا بَلْ اُدْعُ اللَّهَ لِي فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَأَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَأَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إنِّي أَتَوَجَّهُ بِك إلَى اللَّهِ فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتُقْضَى لِي وَتُشَفِّعُنِي فِيهِ وَتُشَفِّعُهُ فِيَّ قَالَ فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرِئَ } . رَوَاهُ البيهقي أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ الحبطي عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيِّ - وَهُوَ الخطمي - عَنْ أَبِي أمامة سَهْلِ بْنِ العتبية { عَنْ عُثْمَانَ بْنِ العتبية قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَهُ رَجُلٌ ضَرِيرٌ يَشْتَكِي إلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : لَيْسَ لِي قَائِدٌ وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ ; فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إنِّي أَتَوَجَّهُ بِك إلَى رَبِّي فَيُجْلَى عَنْ بَصَرِي اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي قَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَنِيف : وَاَللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا وَلَا طَالَ الْحَدِيثُ بِنَا حَتَّى دَخَلَ الرَّجُلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضُرٌّ قَطُّ } . فَرِوَايَةُ شَبِيبٍ عَنْ رَوْحٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الليثي خَالَفَتْ رِوَايَةَ شُعْبَةَ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فِي الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ ; فَإِنَّ فِي تِلْكَ أَنَّهُ رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خزيمة وَفِي هَذِهِ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي أمامة سَهْلٍ وَفِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ قَالَ : فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِيهِ وَفِي هَذِهِ وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي . لَكِنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ لَهُ شَاهِدٌ آخَرُ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ الدستوائي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ . وَرَوَاهُ البيهقي مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَفِيهِ قِصَّةٌ قَدْ يَحْتَجُّ بِهَا مَنْ تَوَسَّلَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ - إنْ كَانَتْ صَحِيحَةً - رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ الحبطي عَنْ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيِّ عَنْ أَبِي أمامة سَهْلِ بْنِ العتبية أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَخْتَلِفُ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عفان فِي حَاجَةٍ لَهُ وَكَانَ عُثْمَانُ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ وَلَا يَنْظُرُ فِي حَاجَتِهِ فَلَقِيَ الرَّجُلُ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ فَشَكَا إلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ : ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إنِّي أَتَوَجَّهُ بِك إلَى رَبِّي فَيَقْضِي لِي حَاجَتِي ثُمَّ اُذْكُرْ حَاجَتَك ثُمَّ رُحْ حَتَّى أَرُوحَ مَعَك . قَالَ فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَصَنَعَ ذَلِكَ ثُمَّ أَتَى بَعْدُ عُثْمَانَ بْنَ عفان فَجَاءَ الْبَوَّابُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُثْمَانَ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ وَقَالَ : اُنْظُرْ مَا كَانَتْ لَك مِنْ حَاجَةٍ . فَذَكَرَ حَاجَتَهُ فَقَضَاهَا لَهُ . ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ فَقَالَ لَهُ : جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا مَا كَانَ يَنْظُرُ فِي حَاجَتِي وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيَّ حَتَّى كَلَّمْته فِيَّ : فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ : مَا كَلَّمْته وَلَكِنْ { سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : وَجَاءَهُ ضَرِيرٌ فَشَكَا إلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَتَصْبِرُ ؟ فَقَالَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ فَقَالَ ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إنِّي أَتَوَجَّهُ إلَى رَبِّي فَيُجْلِي لِي عَنْ بَصَرِي اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي قَالَ عُثْمَانُ بْنُ العتبية فَوَاَللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا وَمَا طَالَ بِنَا الْحَدِيثُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضُرٌّ قَطُّ } . قَالَ البيهقي : وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ بِطُولِهِ وَسَاقَهُ مِنْ رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ . قَالَ : وَرَوَاهُ أَيْضًا هِشَامٌ الدستوائي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي أمامة بْنِ سَهْلٍ عَنْ عَمِّهِ - وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ العتبية - وَلَمْ يَذْكُرْ إسْنَادَ هَذِهِ الطُّرُقِ . قُلْت : وَقَدْ رَوَاهُ النسائي فِي كِتَابِ ( عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي أمامة بْنِ سَهْلِ بْنِ العتبية عَنْ عَمِّهِ عُثْمَانَ بْنِ العتبية . وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خزيمة وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ - لَا التِّرْمِذِيُّ وَلَا النسائي وَلَا ابْنُ ماجه - مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي فِيهَا الزِّيَادَةُ : طَرِيقُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ . لَكِنْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ فَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدَنِيِّ سَمِعْت عُمَارَةَ بْنَ خزيمة يُحَدِّثُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ العتبية { أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي فَقَالَ : إنْ شِئْت أَخَّرْت ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَك وَإِنْ شِئْت دَعَوْت قَالَ : فادعه . فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إنِّي تَوَجَّهْت بِك إلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِيهِ } قَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِهِمَا . ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ الحبطي وَعَوْنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الليثي الْمَدَنِيِّ عَنْ أَبِي أمامة بْنِ سَهْلِ بْنِ العتبية عَنْ عَمِّهِ { عُثْمَانَ بْنِ العتبية أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَهُ ضَرِيرٌ فَشَكَا إلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ فَقَالَ : ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إنِّي أَتَوَجَّهُ بِك إلَى رَبِّي فَيُجْلِي لِي عَنْ بَصَرِي اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي قَالَ عُثْمَانُ فَوَاَللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا وَلَا طَالَ بِنَا الْحَدِيثُ حَتَّى دَخَلَ الرَّجُلُ وَكَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضُرٌّ قَطُّ } . قَالَ الْحَاكِمُ : عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ . وَشَبِيبٌ هَذَا صَدُوقٌ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَكِنَّهُ قَدْ رَوَى لَهُ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْفَرَجِ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ رَوَاهَا ابْنُ وَهْبٍ وَقَدْ ظَنَّ أَنَّهُ غَلِطَ عَلَيْهِ . وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ مِثْلُ هَذَا إذَا انْفَرَدَ عَنْ الثِّقَاتِ الَّذِينَ هُمْ أَحْفَظُ مِنْهُ مِثْلُ شُعْبَةَ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَهِشَامٍ الدستوائي بِزِيَادَةِ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ ; لَا سِيَّمَا وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ قَالَ { فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي } وَأُولَئِكَ قَالُوا { فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِيهِ } وَمَعْنَى قَوْلِهِ " وَشَفِّعْنِي فِيهِ " أَيْ فِي دُعَائِهِ وَسُؤَالِهِ لِي فَيُطَابِقُ قَوْلَهُ " وَشَفِّعْهُ فِيَّ " . قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى ( بِالْكَامِلِ فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ - وَلَمْ يُصَنِّفْ فِي فَنِّهِ مِثْلُهُ - : شَبِيبُ بْنُ سَعِيدٍ الحبطي أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ التَّمِيمِيُّ حَدَّثَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ بِالْمَنَاكِيرِ وَحَدَّثَ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِنُسْخَةِ الزُّهْرِيِّ أَحَادِيثَ مُسْتَقِيمَةً وَذَكَرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ : هُوَ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ يُونُسَ كَانَ يَخْتَلِفُ فِي تِجَارَةٍ إلَى مِصْرَ وَجَاءَ بِكِتَابِ صَحِيحٍ قَالَ : وَقَدْ كَتَبَهَا عَنْهُ ابْنُهُ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ . وَرَوَى عَنْ عَدِيٍّ حَدِيثَيْنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ شَبِيبٍ هَذَا عَنْ رَوْحِ بْنِ الْفَرَجِ : أَحَدُهُمَا : عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ سَابِقِ بْنِ نَاجِيَةَ عَنْ ابْنِ سَلَامٍ قَالَ : مَرَّ بِنَا رَجُلٌ فَقَالُوا إنَّ هَذَا قَدْ خَدَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالثَّانِي عَنْهُ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْفَرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ حَدِيثُ دُخُولِ الْمَسْجِدِ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : كَذَا قِيلَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ . وَلِشَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ نُسْخَةُ الزُّهْرِيِّ عِنْدَهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَهِيَ أَحَادِيثُ مُسْتَقِيمَةٌ . وَحَدَّثَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ بِأَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ . وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ اللَّذَيْنِ أَمْلَيْتُهُمَا يَرْوِيهِمَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ شَبِيبٍ وَكَانَ شَبِيبُ بْنُ سَعِيدٍ إذَا رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ نُسْخَةَ الزُّهْرِيِّ : لَيْسَ هُوَ شَبِيبُ بْنُ سَعِيدٍ الَّذِي يُحَدِّثُ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ بِالْمَنَاكِيرِ الَّتِي يَرْوِيهَا عَنْهُ وَلَعَلَّ شَبِيبًا بِمِصْرِ فِي تِجَارَتِهِ إلَيْهَا كَتَبَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ حِفْظِهِ فَيَغْلَطُ وَيَهِمُ وَأَرْجُو أَنْ لَا يَتَعَمَّدَ شَبِيبٌ هَذَا الْكَذِبَ . قُلْت : هَذَانِ الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ أَنْكَرَهُمَا ابْنُ عَدِيٍّ عَلَيْهِ : رَوَاهُمَا عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ هَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثُ الْأَعْمَى رَوَاهُ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ . وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ أَيْضًا كَمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنَاهُ لَكِنَّهُ لَمْ يُتْقِنْ لَفْظَهُ كَمَا أَتْقَنَهُ ابْنَاهُ . وَهَذَا يُصَحِّحُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فَعُلِمَ أَنَّهُ مَحْفُوظٌ عَنْهُ وَابْنُ عَدِيٍّ أَحَالَ الْغَلَطَ عَلَيْهِ لَا عَلَى ابْنِ وَهْبٍ وَهَذَا صَحِيحٌ إنْ كَانَ قَدْ غَلَّطَ وَإِذَا كَانَ قَدْ غَلَّطَ عَلَى رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَيْنِك الْحَدِيثَيْنِ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ غَلَّطَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَرَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ رَوَى لَهُ الْجَمَاعَةُ فَلِهَذَا لَمْ يُحِيلُوا الْغَلَطَ عَلَيْهِ . وَالرَّجُلُ قَدْ يَكُونُ حَافِظًا لِمَا يَرْوِيهِ عَنْ شَيْخٍ ; غَيْرَ حَافِظٍ لِمَا يَرْوِيهِ عَنْ آخَرَ : مِثْلِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ ; فَإِنَّهُ يَغْلَطُ فِيهِ ; بِخِلَافِ مَا يَرْوِيهِ عَنْ الشَّامِيِّينَ . وَمِثْلُ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ . وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا يَغْلَطُ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ - إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ - وَهَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ . وَقَدْ رَوَى الطبراني هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمُعْجَمِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ : وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَكِّيِّ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الليثي الْمَدَنِيِّ عَنْ أَبِي أمامة بْنِ سَهْلِ بْنِ العتبية عَنْ عَمِّهِ عُثْمَانَ بْنِ حَنِيفٍ { أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَخْتَلِفُ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عفان فِي حَاجَةٍ لَهُ فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ فَشَكَا إلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ : ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إنِّي أَتَوَجَّهُ بِك إلَى رَبِّك عَزَّ وَجَلَّ فَيَقْضِي لِي حَاجَتِي وَتَذْكُرُ حَاجَتَك وَرُحْ حَتَّى أَرُوحَ مَعَك فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَصَنَعَ مَا قَالَ لَهُ ثُمَّ أَتَى بَابَ عُثْمَانَ بْنِ عفان فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ وَقَالَ : حَاجَتُك فَذَكَرَ حَاجَتَهُ فَقَضَاهَا لَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ : مَا ذَكَرْت حَاجَتَك حَتَّى كَانَتْ هَذِهِ السَّاعَةَ وَقَالَ : مَا كَانَتْ لَك مِنْ حَاجَةٍ فَأْتِنَا . ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ فَقَالَ لَهُ جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا مَا كَانَ يَنْظُرُ فِي حَاجَتِي وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيَّ حَتَّى كَلَّمْته فِيَّ . فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ : وَاَللَّهِ مَا كَلَّمْته وَلَكِنْ شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتَاهُ ضَرِيرٌ فَشَكَا إلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَتَصْبِرُ ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ اُدْعُ بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ : فَوَاَللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا وَلَا طَالَ بِنَا الْحَدِيثُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضُرٌّ قَطُّ . } قَالَ الطبراني رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ ثِقَةٌ تَفَرَّدَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ المقدسي : وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ . قُلْت والطبراني ذَكَرَ تَفَرُّدَهُ بِمَبْلَغِ عِلْمِهِ وَلَمْ تَبْلُغْهُ رِوَايَةُ رَوْحِ بْنِ عبادة عَنْ شُعْبَةَ وَذَلِكَ إسْنَادٌ صَحِيحٌ : يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَطَرِيقُ ابْنِ وَهْبٍ هَذِهِ تُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَرِّرْ لَفْظَ الرِّوَايَةِ كَمَا حَرَّرَهَا ابْنَاهُ ; بَلْ ذَكَرَ فِيهَا أَنَّ الْأَعْمَى دَعَا بِمِثْلِ مَا ذَكَرَهُ عُثْمَانُ بْنُ العتبية وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَى أَنَّهُ قَالَ { اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِيهِ - أَوْ قَالَ - فِي نَفْسِي } . وَهَذِهِ لَمْ يَذْكُرْهَا ابْنُ وَهْبٍ فِي رِوَايَتِهِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَدَّثَ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ حِفْظِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فَلَمْ يُتْقِنْ الرِّوَايَةَ . وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خيثمة فِي تَارِيخِهِ حَدِيثَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَقَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الخطمي عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خزيمة عَنْ عُثْمَانَ بْنِ العتبية { أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنِّي أُصِبْت فِي بَصَرِي فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّي مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ . يَا مُحَمَّدُ أَسْتَشْفِعُ بِك عَلَى رَبِّي فِي رَدِّ بَصَرِي اللَّهُمَّ فَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي وَشَفِّعْ نَبِيِّي فِي رَدِّ بَصَرِي وَإِنْ كَانَتْ حَاجَةٌ فَافْعَلْ مِثْلَ ذَلِكَ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ } . قَالَ ابْنُ أَبِي خيثمة : وَأَبُو جَعْفَرٍ هَذَا - الَّذِي حَدَّثَ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ - اسْمُهُ عُمَيْرُ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ أَبُو جَعْفَرٍ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ شُعْبَةُ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ . قُلْت : وَهَذِهِ الطَّرِيقُ فِيهَا { فَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي } مِثْلُ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ وَفِيهَا زِيَادَةٌ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ : { وَإِنْ كَانَتْ حَاجَةٌ فَافْعَلْ مِثْلَ ذَلِكَ - أَوْ قَالَ - فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ } . وَهَذِهِ قَدْ يُقَالُ : إنَّهَا تُوَافِقُ قَوْلَ عُثْمَانَ بْنِ العتبية لَكِنَّ شُعْبَةَ وَرَوْحَ بْنَ الْقَاسِمِ أَحْفَظُ مِنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَاخْتِلَافُ الْأَلْفَاظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَدْ تَكُونُ بِالْمَعْنَى وَقَوْلُهُ { وَإِنْ كَانَتْ حَاجَةٌ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ } قَدْ يَكُونُ مُدْرَجًا مِنْ كَلَامِ عُثْمَانَ لَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ " وَإِنْ كَانَتْ لَك حَاجَةٌ فَعَلْت مِثْلَ ذَلِكَ " بَلْ قَالَ " وَإِنْ كَانَتْ حَاجَةٌ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ " . وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَوْ كَانَتْ ثَابِتَةً لَمْ يَكُنْ فِيهَا حُجَّةٌ وَإِنَّمَا غَايَتُهَا أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ بْنُ العتبية ظَنَّ أَنَّ الدُّعَاءَ يُدْعَى بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ ; بَلْ بِبَعْضِهِ وَظَنَّ أَنَّ هَذَا مَشْرُوعٌ بَعْدَ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يُنَاقِضُ ذَلِكَ فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَعْمَى سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ وَأَنَّهُ عَلَّمَ الْأَعْمَى أَنْ يَدْعُوَ وَأَمَرَهُ فِي الدُّعَاءِ أَنْ يَقُولَ { اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ } وَإِنَّمَا يُدْعَى بِهَذَا الدُّعَاءِ إذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاعِيًا شَافِعًا لَهُ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهَذَا يُنَاسِبُ شَفَاعَتَهُ وَدُعَاءَهُ لِلنَّاسِ فِي مَحْيَاهُ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمِ الْقِيَامَةِ إذَا شَفَعَ لَهُمْ . وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ { وَشَفِّعْنِي فِيهِ } وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَشْفَعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كُنَّا مَأْمُورِينَ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ وَأُمِرْنَا أَنْ نَسْأَلَ اللَّهَ لَهُ الْوَسِيلَةَ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ قَالَ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ : اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته . حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ } . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْعَبْدَ فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ } . وَسُؤَالُ الْأُمَّةِ لَهُ الْوَسِيلَةَ هُوَ دُعَاءٌ لَهُ وَهُوَ مَعْنَى الشَّفَاعَةِ وَلِهَذَا كَانَ الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ فَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لَهُ الْوَسِيلَةَ الْمُتَضَمِّنَةَ لِشَفَاعَتِهِ شَفَعَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ الْأَعْمَى سَأَلَ مِنْهُ الشَّفَاعَةَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ بِقَبُولِ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ وَهُوَ كَالشَّفَاعَةِ فِي الشَّفَاعَةِ ; فَلِهَذَا قَالَ : { اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِيهِ } . وَذَلِكَ أَنَّ قَبُولَ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ هَذَا هُوَ مِنْ كَرَامَةِ الرَّسُولِ عَلَى رَبِّهِ وَلِهَذَا عُدَّ هَذَا مِنْ آيَاتِهِ وَدَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ ; فَهُوَ كَشَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْخَلْقِ وَلِهَذَا أَمَرَ طَالِبَ الدُّعَاءِ أَنْ يَقُولَ { فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِيهِ } بِخِلَافِ قَوْلِهِ " وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي " فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ الْغَرِيبِ . وَقَوْلُهُ { وَشَفِّعْنِي فِيهِ } رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ رَجُلَانِ جَلِيلَانِ : عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَرَوْحُ بْنُ عبادة . وَشُعْبَةُ أَجَلُّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ وَمِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ : التِّرْمِذِيُّ والنسائي وَابْنُ ماجه : رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ . وَرَوَاهُ ابْنُ ماجه عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَيَّارٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ رَوْحِ بْنِ عبادة عَنْ شُعْبَةَ فَكَانَ هَؤُلَاءِ أَحْفَظَ لِلَفْظِ الْحَدِيثِ . مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ { وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي } إنْ كَانَ مَحْفُوظًا مِثْلَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ طَلَبَ أَنْ يَكُونَ شَفِيعًا لِنَفْسِهِ مَعَ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ لَمْ يَدْعُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ سَائِلًا مُجَرَّدًا كَسَائِرِ السَّائِلِينَ . وَلَا يُسَمَّى مِثْلُ هَذَا شَفَاعَةً وَإِنَّمَا تَكُونُ الشَّفَاعَةُ إذَا كَانَ هُنَاكَ اثْنَانِ يَطْلُبَانِ أَمْرًا فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا شَفِيعًا لِلْآخَرِ بِخِلَافِ الطَّالِبِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَمْ يَشْفَعْ غَيْرُهُ . فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِيهَا عِدَّةُ عِلَلٍ : انْفِرَادُ هَذَا بِهَا عَنْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ وَأَحْفَظُ مِنْهُ وَإِعْرَاضُ أَهْلِ السُّنَنِ عَنْهَا وَاضْطِرَابُ لَفْظِهَا وَأَنَّ رَاوِيَهَا عُرِفَ لَهُ - عَنْ رَوْحٍ هَذَا - أَحَادِيثُ مُنْكَرَةٌ . وَمِثْلُ هَذَا يَقْتَضِي حُصُولَ الرَّيْبِ وَالشَّكِّ فِي كَوْنِهَا ثَابِتَةً فَلَا حُجَّةَ فِيهَا إذْ الِاعْتِبَارُ بِمَا رَوَاهُ الصَّحَابِيُّ لَا بِمَا فَهِمَهُ إذَا كَانَ اللَّفْظُ الَّذِي رَوَاهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا فَهِمَهُ بَلْ عَلَى خِلَافِهِ .