تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ هُمْ الْمُقْتَدُونَ بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَفْعَلُونَ مَا أَمَرَ بِهِ وَيَنْتَهُونَ عَمَّا عَنْهُ زَجَرَ ; وَيَقْتَدُونَ بِهِ فِيمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوهُ فِيهِ فَيُؤَيِّدُهُمْ بِمَلَائِكَتِهِ وَرُوحٍ مِنْهُ وَيَقْذِفُ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ أَنْوَارِهِ وَلَهُمْ الْكَرَامَاتُ الَّتِي يُكْرِمُ اللَّهُ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ الْمُتَّقِينَ . وَخِيَارُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ كَرَامَاتُهُمْ لِحُجَّةِ فِي الدِّينِ أَوْ لِحَاجَةِ بِالْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَتْ مُعْجِزَاتُ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ . وَكَرَامَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهُ إنَّمَا حَصَلَتْ بِبَرَكَةِ اتِّبَاعِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تَدْخُلُ فِي مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ وَتَسْبِيحِ الْحَصَا فِي كَفِّهِ وَإِتْيَانِ الشَّجَرِ إلَيْهِ وَحَنِينِ الْجِذْعِ إلَيْهِ وَإِخْبَارِهِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ بِصِفَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِخْبَارِهِ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَإِتْيَانِهِ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَتَكْثِيرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً كَمَا أَشْبَعَ فِي الْخَنْدَقِ الْعَسْكَرَ مِنْ قِدْرِ طَعَامٍ وَهُوَ لَمْ يَنْقُصْ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَشْهُورِ وَأَرْوَى الْعَسْكَرَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنْ مَزَادَةِ مَاءٍ وَلَمْ تَنْقُصْ وَمَلَأ أَوْعِيَةَ الْعَسْكَرِ عَامَ تَبُوكَ مِنْ طَعَامٍ قَلِيلٍ وَلَمْ يَنْقُصْ وَهُمْ نَحْوُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا وَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً حَتَّى كَفَى النَّاسَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ كَمَا كَانُوا فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةَ نَحْوُ أَلْفٍ وَأَرْبَعُمِائَةٍ أَوْ خَمْسُمِائَةٍ وَرَدِّهِ لِعَيْنِ أَبِي قتادة حِينَ سَالَتْ عَلَى خَدِّهِ فَرَجَعَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَلَمَّا أَرْسَلَ مُحَمَّدَ بْنَ مسلمة لِقَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَوَقَعَ وَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ فَمَسَحَهَا فَبَرِئَتْ وَأَطْعَمَ مِنْ شِوَاءٍ مِائَةً وَثَلَاثِينَ رَجُلًا كُلًّا مِنْهُمْ حَزَّ لَهُ قِطْعَةً وَجَعَلَ مِنْهَا قِطْعَتَيْنِ فَأَكَلُوا مِنْهَا جَمِيعُهُمْ ثُمَّ فَضَلَ فَضْلَةٌ وَدَيْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي جَابِرٍ لِلْيَهُودِيِّ وَهُوَ ثَلَاثُونَ وَسْقًا . قَالَ جَابِرٌ : فَأَمَرَ صَاحِبَ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَ التَّمْرَ جَمِيعَهُ بِاَلَّذِي كَانَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ فَمَشَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لِجَابِرِ جُدْ لَهُ فَوَفَّاهُ الثَّلَاثِينَ وَسْقًا وَفَضَلَ سَبْعَةَ عَشَرَ وَسْقًا وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ قَدْ جَمَعْت نَحْوَ أَلْفِ مُعْجِزَةٍ . وَكَرَامَاتُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ كَثِيرَةٌ جِدًّا : مِثْلُ مَا كَانَ " أسيد بْنُ حضير يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ فَنَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ نَزَلَتْ لِقِرَاءَتِهِ وَكَانَتْ الْمَلَائِكَةُ تُسَلِّمُ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ; وَكَانَ سَلْمَانُ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ يَأْكُلَانِ فِي صَحْفَةٍ فَسَبَّحَتْ الصَّحْفَةُ أَوْ سَبَّحَ مَا فِيهَا وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وأسيد بْنُ حضير خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَأَضَاءَ لَهُمَا نُورٌ مِثْلُ طَرَفِ السَّوْطِ فَلَمَّا افْتَرَقَا افْتَرَقَ الضَّوْءُ مَعَهُمَا . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ . وَقِصَّةُ { الصِّدِّيقِ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَمَّا ذَهَبَ بِثَلَاثَةِ أَضْيَافٍ مَعَهُ إلَى بَيْتِهِ وَجَعَلَ لَا يَأْكُلُ لُقْمَةً إلَّا رَبَّى مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا فَشَبِعُوا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا هِيَ قَبْلَ ذَلِكَ فَنَظَرَ إلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ وَامْرَأَتُهُ فَإِذَا هِيَ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَتْ فَرَفَعَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ إلَيْهِ أَقْوَامٌ كَثِيرُونَ فَأَكَلُوا مِنْهَا وَشَبِعُوا } . وَ " خبيب بْنُ عَدِيٍّ كَانَ أَسِيرًا عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ يُؤْتَى بِعِنَبِ يَأْكُلُهُ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ عِنَبَةٌ . وَ " عَامِرُ بْنُ فهيرة : قُتِلَ شَهِيدًا فَالْتَمَسُوا جَسَدَهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَكَانَ لَمَّا قُتِلَ رُفِعَ فَرَآهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ وَقَدْ رُفِعَ وَقَالَ : عُرْوَةُ : فَيَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ رَفَعَتْهُ . وَخَرَجَتْ " أُمُّ أَيْمَنَ مُهَاجِرَةً وَلَيْسَ مَعَهَا زَادٌ وَلَا مَاءٌ فَكَادَتْ تَمُوتُ مِنْ الْعَطَشِ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْفِطْرِ وَكَانَتْ صَائِمَةً سَمِعَتْ حِسًّا عَلَى رَأْسِهَا فَرَفَعَتْهُ فَإِذَا دَلْوٌ مُعَلَّقٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ حَتَّى رُوِيَتْ وَمَا عَطِشَتْ بَقِيَّةَ عُمْرِهَا . وَ " سَفِينَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ الْأَسَدَ بِأَنَّهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَشَى مَعَهُ الْأَسَدُ حَتَّى أَوْصَلَهُ مَقْصِدَهُ . وَ " الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ كَانَ إذَا أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَبَرَّ قَسَمَهُ وَكَانَ الْحَرْبُ إذَا اشْتَدَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْجِهَادِ يَقُولُونَ : يَا بَرَاءُ أَقْسِمْ عَلَى رَبِّك فَيَقُولُ : يَا رَبِّ أَقْسَمْت عَلَيْك لَمَا مَنَحْتنَا أَكْتَافَهُمْ فَيُهْزَمُ الْعَدُوُّ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ " الْقَادِسِيَّةِ " قَالَ : أَقْسَمْت عَلَيْك يَا رَبِّ لَمَا مَنَحْتنَا أَكْتَافَهُمْ وَجَعَلْتنِي أَوَّلَ شَهِيدٍ فَمُنِحُوا أَكْتَافَهُمْ وَقُتِلَ الْبَرَاءُ شَهِيدًا . وَ " خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ حَاصَرَ حِصْنًا مَنِيعًا فَقَالُوا لَا نُسْلِمُ حَتَّى تَشْرَبَ السُّمَّ فَشَرِبَهُ فَلَمْ يَضُرَّهُ . وَ " سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ مَا دَعَا قَطُّ إلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ وَهُوَ الَّذِي هَزَمَ جُنُودَ كِسْرَى وَفَتَحَ الْعِرَاقَ . وَ " عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا أَرْسَلَ جَيْشًا أَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُسَمَّى سَارِيَةَ فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَخْطُبُ فَجَعَلَ يَصِيحُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ يَا سَارِيَةَ الْجَبَلَ فَقَدِمَ رَسُولُ الْجَيْشِ فَسَأَلَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقِينَا عَدُوًّا فَهَزَمُونَا فَإِذَا بِصَائِحِ : يَا سَارِيَةَ الْجَبَلَ يَا سَارِيَةَ الْجَبَلَ فَأَسْنَدْنَا ظُهُورَنَا بِالْجَبَلِ فَهَزَمَهُمْ اللَّهُ . وَلَمَّا عُذِّبَتْ " الزَّبِيرَةُ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي اللَّهِ فَأَبَتْ إلَّا الْإِسْلَامَ وَذَهَبَ بَصَرُهَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ أَصَابَ بَصَرَهَا اللَّاتَ وَالْعُزَّى قَالَتْ كَلَّا وَاَللَّهِ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهَا بَصَرَهَا . وَدَعَا " سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ عَلَى أَرْوَى بِنْتِ الْحَكَمِ فَأُعْمِيَ بَصَرُهَا لَمَّا كَذَبْت عَلَيْهِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا فَعَمِيَتْ وَوَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ مِنْ أَرْضِهَا فَمَاتَتْ . وَالْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ كَانَ عَامِلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : يَا عَلِيمُ يَا حَلِيمُ يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ فَيُسْتَجَابُ لَهُ وَدَعَا اللَّهَ بِأَنْ يُسْقُوا وَيَتَوَضَّئُوا لَمَّا عَدِمُوا الْمَاءَ وَالْإِسْقَاءَ لِمَا بَعْدَهُمْ فَأُجِيبَ وَدَعَا اللَّهَ لَمَّا اعْتَرَضَهُمْ الْبَحْرُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْمُرُورِ بِخُيُولِهِمْ فَمَرُّوا كُلُّهُمْ عَلَى الْمَاءِ مَا ابْتَلَّتْ سُرُوجُ خُيُولِهِمْ ; وَدَعَا اللَّهَ أَنْ لَا يَرَوْا جَسَدَهُ إذَا مَاتَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فِي اللَّحْدِ . وَجَرَى مِثْلُ ذَلِكَ " لِأَبِي مُسْلِمٍ الخولاني الَّذِي أُلْقِيَ فِي النَّارِ فَإِنَّهُ مَشَى هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْعَسْكَرِ عَلَى دِجْلَةَ وَهِيَ تُرْمَى بِالْخَشَبِ مِنْ مَدِّهَا ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ : تَفْقِدُونَ مِنْ مَتَاعِكُمْ شَيْئًا حَتَّى أَدْعُوَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : فَقَدْت مِخْلَاةً فَقَالَ اتْبَعْنِي فَتَبِعَهُ فَوَجَدَهَا قَدْ تَعَلَّقَتْ بِشَيْءِ فَأَخَذَهَا وَطَلَبَهُ الْأَسْوَدُ العنسي لَمَّا ادَّعَى النُّبُوَّةَ فَقَالَ لَهُ : أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ . قَالَ مَا أَسْمَعُ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ؟ قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ بِنَارِ فَأُلْقِيَ فِيهَا فَوَجَدُوهُ قَائِمًا يُصَلِّي فِيهَا وَقَدْ صَارَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا ; وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ عُمَرُ بَيْنَهُ وَبَيْن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى أَرَى مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ . وَوَضَعَتْ لَهُ جَارِيَةٌ السُّمَّ فِي طَعَامِهِ فَلَمْ يَضُرَّهُ . وَخَبَّبَتْ امْرَأَةٌ عَلَيْهِ زَوْجَتَهُ فَدَعَا عَلَيْهَا فَعَمِيَتْ وَجَاءَتْ وَتَابَتْ فَدَعَا لَهَا فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهَا بَصَرَهَا . وَكَانَ " عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ يَأْخُذُ عَطَاءَهُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فِي كُمِّهِ وَمَا يَلْقَاهُ سَائِلٌ فِي طَرِيقِهِ إلَّا أَعْطَاهُ بِغَيْرِ عَدَدٍ ثُمَّ يَجِيءُ إلَى بَيْتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ عَدَدُهَا وَلَا وَزْنُهَا . وَمَرَّ بِقَافِلَةٍ قَدْ حَبَسَهُمْ الْأَسَدُ فَجَاءَ حَتَّى مَسَّ بِثِيَابِهِ الْأَسَدَ ثُمَّ وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِهِ وَقَالَ : إنَّمَا أَنْتَ كَلْبٌ مِنْ كِلَابِ الرَّحْمَنِ وَإِنِّي أَسْتَحِي أَنْ أَخَافَ شَيْئًا غَيْرَهُ وَمَرَّتْ الْقَافِلَةُ وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُهَوِّنَ عَلَيْهِ الطَّهُورَ فِي الشِّتَاءِ فَكَانَ يُؤْتَى بِالْمَاءِ لَهُ بُخَارٌ وَدَعَا رَبَّهُ أَنْ يَمْنَعَ قَلْبَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ . وَتَغَيَّبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ الْحَجَّاجِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ سِتَّ مَرَّاتٍ فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَرَوْهُ وَدَعَا عَلَى بَعْضِ الْخَوَارِجِ كَانَ يُؤْذِيه فَخَرَّ مَيِّتًا . وَ " صِلَةُ بْنُ أَشْيَمَ مَاتَ فَرَسُهُ وَهُوَ فِي الْغَزْوِ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ لِمَخْلُوقِ عَلَيَّ مِنَّةً وَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَأَحْيَا لَهُ فَرَسَهُ . فَلَمَّا وَصَلَ إلَى بَيْتِهِ قَالَ يَا بُنَيَّ خُذْ سَرْجَ الْفَرَسِ فَإِنَّهُ عَارِيَةٌ فَأَخَذَ سَرْجَهُ فَمَاتَ الْفَرَسُ وَجَاعَ مَرَّةً بِالْأَهْوَازِ فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتَطْعَمَهُ فَوَقَعَتْ خَلْفَهُ دَوْخَلَةِ رُطَبٍ فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ فَأَكَلَ التَّمْرَ وَبَقِيَ الثَّوْبُ عِنْدَ زَوْجَتِهِ زَمَانًا . وَجَاءَ الْأَسَدُ وَهُوَ يُصَلِّي فِي غَيْضَةٍ بِاللَّيْلِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ لَهُ اُطْلُبْ الرِّزْقَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَوَلَّى الْأَسَدُ وَلَهُ زَئِيرٌ . وَكَانَ " سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فِي أَيَّامِ الْحَرَّةِ يَسْمَعُ الْأَذَانَ مِنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ وَكَانَ الْمَسْجِدُ قَدْ خَلَا فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ . وَرَجُلٌ مِنْ النَّخْعِ " كَانَ لَهُ حِمَارٌ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ هَلُمَّ نَتَوَزَّعُ مَتَاعَك عَلَى رِحَالِنَا فَقَالَ لَهُمْ : أَمْهِلُونِي هُنَيْهَةً ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى فَأَحْيَا لَهُ حِمَارَهُ فَحَمَلَ عَلَيْهِ مَتَاعَهُ . وَلَمَّا مَاتَ " أُوَيْسٌ الْقَرْنِيُّ وَجَدُوا فِي ثِيَابِهِ أَكْفَانًا لَمْ تَكُنْ مَعَهُ قَبْلُ وَوَجَدُوا لَهُ قَبْرًا مَحْفُورًا فِيهِ لَحْدٌ فِي صَخْرَةٍ فَدَفَنُوهُ فِيهِ وَكَفَّنُوهُ فِي تِلْكَ الْأَثْوَابِ . وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عُقْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ يُصَلِّي يَوْمًا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَأَظَلَّتْهُ غَمَامَةٌ وَكَانَ السَّبْعُ يَحْمِيه وَهُوَ يَرْعَى رِكَابَ أَصْحَابِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِطُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي الْغَزْوِ أَنَّهُ يَخْدِمُهُمْ . وَكَانَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشخير إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ سَبَّحَتْ مَعَهُ آنِيَتُهُ وَكَانَ هُوَ وَصَاحِبٌ لَهُ يَسِيرَانِ فِي ظُلْمَةٍ فَأَضَاءَ لَهُمَا طَرَفُ السَّوْطِ . وَلَمَّا مَاتَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ وَقَعَتْ قَلَنْسُوَةُ رَجُلٍ فِي قَبْرِهِ فَأَهْوَى لِيَأْخُذَهَا فَوَجَدَ الْقَبْرَ قَدْ فُسِحَ فِيهِ مَدَّ الْبَصَرِ . وَكَانَ " إبْرَاهِيمُ التيمي يُقِيمُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا وَخَرَجَ يَمْتَارُ لِأَهْلِهِ طَعَامًا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَمَرَّ بِسَهْلَةِ حَمْرَاءَ فَأَخَذَ مِنْهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَفَتَحَهَا فَإِذَا هِيَ حِنْطَةٌ حَمْرَاءُ فَكَانَ إذَا زَرَعَ مِنْهَا تَخْرُجُ السُّنْبُلَةُ مِنْ أَصْلِهَا إلَى فَرْعِهَا حَبًّا مُتَرَاكِبًا . وَكَانَ عتبة الْغُلَامُ سَأَلَ رَبَّهُ ثَلَاثَ خِصَالٍ صَوْتًا حَسَنًا وَدَمْعًا غَزِيرًا وَطَعَامًا مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ . فَكَانَ إذَا قَرَأَ بَكَى وَأَبْكَى وَدُمُوعُهُ جَارِيَةٌ دَهْرَهُ وَكَانَ يَأْوِي إلَى مَنْزِلِهِ فَيُصِيبُ فِيهِ قُوتَهُ وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيْنَ يَأْتِيه . وَكَانَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ أَصَابَهُ الْفَالِجُ فَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُطْلِقَ لَهُ أَعْضَاءَهُ وَقْتَ الْوُضُوءِ فَكَانَ وَقْتَ الْوُضُوءِ تُطْلَقُ لَهُ أَعْضَاؤُهُ ثُمَّ تَعُودُ بَعْدَهُ . وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَأَمَّا مَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَعْيَانٍ وَنَعْرِفُهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَكَثِيرٌ . وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْكَرَامَاتِ قَدْ تَكُونُ بِحَسَبِ حَاجَةِ الرَّجُلِ فَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهَا الضَّعِيفُ الْإِيمَانِ أَوْ الْمُحْتَاجُ أَتَاهُ مِنْهَا مَا يُقَوِّي إيمَانَهُ وَيَسُدُّ حَاجَتَهُ وَيَكُونُ مَنْ هُوَ أَكْمَلُ وِلَايَةً لِلَّهِ مِنْهُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَأْتِيه مِثْلُ ذَلِكَ لِعُلُوِّ دَرَجَتِهِ وَغِنَاهُ عَنْهَا لَا لِنَقْصِ وِلَايَتِهِ ; وَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي التَّابِعِينَ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي الصَّحَابَةِ ; بِخِلَافِ مَنْ يَجْرِي عَلَى يَدَيْهِ الْخَوَارِقُ لِهَدْيِ الْخَلْقِ وَلِحَاجَتِهِمْ فَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ دَرَجَةً . وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ مِثْلُ حَالِ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ الَّذِي ظَهَرَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَدْ ظَنَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ الدَّجَّالُ وَتَوَقَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الدَّجَّالُ ; لَكِنَّهُ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكُهَّانِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَبَّأْت لَك خَبْئًا قَالَ : الدُّخُّ الدُّخُّ . وَقَدْ كَانَ خَبَّأَ لَهُ سُورَةَ الدُّخَانِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَك } " يَعْنِي إنَّمَا أَنْتَ مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ ; وَالْكُهَّانُ كَانَ يَكُونُ لِأَحَدِهِمْ الْقَرِينُ مِنْ الشَّيَاطِينِ يُخْبِرُهُ بِكَثِيرِ مِنْ الْمُغَيَّبَاتِ بِمَا يَسْتَرِقُهُ مِنْ السَّمْعِ وَكَانُوا يَخْلِطُونَ الصِّدْقَ بِالْكَذِبِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَالَ : إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ وَهُوَ السَّحَابُ فَتَذْكُرُ الْأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتُوحِيه إلَى الْكُهَّانِ فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كِذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } " وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : " { بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ إذْ رُمِيَ بِنَجْمِ فَاسْتَنَارَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ لِمِثْلِ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا رَأَيْتُمُوهُ ؟ قَالُوا كُنَّا نَقُولُ يَمُوتُ عَظِيمٌ أَوْ يُولَدُ عَظِيمٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ ; وَلَكِنَّ رَبَّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى إذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ ثُمَّ يَسْأَلُ أَهْلُ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ حَمَلَةَ الْعَرْشِ مَاذَا قَالَ رَبُّنَا ؟ فَيُخْبِرُونَهُمْ ثُمَّ يَسْتَخْبِرُ أَهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَتَخْطَفُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَيَرْمُونَ فَيَقْذِفُونَهُ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ فَمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَلَكِنَّهُمْ يَزِيدُونَ } " . وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ مُعَمَّرٌ قُلْت لِلزُّهْرِيِّ : أَكَانَ يُرْمَى بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ نَعَمْ وَلَكِنَّهَا غَلُظَتْ حِينَ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَ " الْأَسْوَدُ العنسي الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ كَانَ لَهُ مِنْ الشَّيَاطِينِ مَنْ يُخْبِرُهُ بِبَعْضِ الْأُمُورِ الْمُغَيَّبَةِ فَلَمَّا قَاتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ كَانُوا يَخَافُونَ مِنْ الشَّيَاطِينِ أَنْ يُخْبِرُوهُ بِمَا يَقُولُونَ فِيهِ : حَتَّى أَعَانَتْهُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهَا كُفْرُهُ فَقَتَلُوهُ . وَكَذَلِكَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ كَانَ مَعَهُ مِنْ الشَّيَاطِينِ مَنْ يُخْبِرُهُ . بِالْمُغَيَّبَاتِ وَيُعِينُهُ عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ وَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ كَثِيرُونَ مِثْلُ : الْحَارِثِ الدِّمَشْقِيِّ الَّذِي خَرَجَ بِالشَّامِ زَمَنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَادَّعَى النُّبُوَّةَ وَكَانَتْ الشَّيَاطِينُ يُخْرِجُونَ رِجْلَيْهِ مِنْ الْقَيْدِ وَتَمْنَعُ السِّلَاحَ أَنْ يَنْفُذَ فِيهِ وَتُسَبِّحُ الرَّخَامَةُ إذَا مَسَحَهَا بِيَدِهِ وَكَانَ يَرَى النَّاسَ رِجَالًا وَرُكْبَانًا عَلَى خَيْلٍ فِي الْهَوَاءِ وَيَقُولُ : هِيَ الْمَلَائِكَةُ وَإِنَّمَا كَانُوا جِنًّا وَلَمَّا أَمْسَكَهُ الْمُسْلِمُونَ لِيَقْتُلُوهُ طَعَنَهُ الطَّاعِنُ بِالرُّمْحِ فَلَمْ يَنْفُذْ فِيهِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ : إنَّك لَمْ تُسَمِّ اللَّهَ فَسَمَّى اللَّهَ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ . وَهَكَذَا أَهْلُ " الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ " تَنْصَرِفُ عَنْهُمْ شَيَاطِينُهُمْ إذَا ذُكِرَ عِنْدَهُمْ مَا يَطْرُدُهَا مِثْلُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { لَمَّا وَكَّلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَسَرَقَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ وَهُوَ يُمْسِكُهُ فَيَتُوبَ فَيُطْلِقَهُ فَيَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلَ أَسِيرُك الْبَارِحَةَ فَيَقُولُ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ فَيَقُولُ كَذَبَك وَإِنَّهُ سَيَعُودُ فَلَمَّا كَانَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ . قَالَ : دَعْنِي حَتَّى أُعَلِّمَك مَا يَنْفَعُك : إذَا أَوَيْت إلَى فِرَاشِك فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ { اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } إلَى آخِرِهَا فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْك مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُك شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ فَلَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَدَقَك وَهُوَ كَذُوبٌ } " وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ شَيْطَانٌ . وَلِهَذَا إذَا قَرَأَهَا الْإِنْسَانُ عِنْدَ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ بِصِدْقِ أَبْطَلَتْهَا مِثْلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ بِحَالِ شَيْطَانِيٍّ أَوْ يَحْضُرُ سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ فَتَنْزِلُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ وَتَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ كَلَامًا لَا يُعْلَمُ وَرُبَّمَا لَا يُفْقَهُ وَرُبَّمَا كَاشَفَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ بِمَا فِي قَلْبِهِ وَرُبَّمَا تَكَلَّمَ بِأَلْسِنَةِ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا يَتَكَلَّمُ الْجِنِّيُّ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ وَالْإِنْسَانُ الَّذِي حَصَلَ لَهُ الْحَالُ لَا يَدْرِي بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَصْرُوعِ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ وَلَبِسَهُ وَتَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِهِ فَإِذَا أَفَاقَ لَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءِ مِمَّا قَالَ وَلِهَذَا قَدْ يُضْرَبُ الْمَصْرُوعُ وَذَلِكَ الضَّرْبُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِنْسِيِّ وَيُخْبِرُ إذَا أَفَاقَ أَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءِ لِأَنَّ الضَّرْبَ كَانَ عَلَى الْجِنِّيِّ الَّذِي لَبِسَهُ . وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَأْتِيه الشَّيْطَانُ بِأَطْعِمَةِ وَفَوَاكِهَ وَحَلْوَى وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَطِيرُ بِهِمْ الْجِنِّيُّ إلَى مَكَّةَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْمِلُهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ثُمَّ يُعِيدُهُ مِنْ لَيْلَتِهِ فَلَا يَحُجُّ حَجًّا شَرْعِيًّا ; بَلْ يَذْهَبُ بِثِيَابِهِ وَلَا يُحْرِمُ إذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ وَلَا يُلَبِّي وَلَا يَقِفُ بمزدلفة وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ ; وَلَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا يَرْمِي الْجِمَارَ بَلْ يَقِفُ بِعَرَفَةَ بِثِيَابِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ مِنْ لَيْلَتِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِحَجِّ [ وَلِهَذَا رَأَى بَعْضُ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ تَكْتُبُ الْحُجَّاجَ ] فَقَالَ أَلَا تَكْتُبُونِي ؟ فَقَالُوا لَسْت مِنْ الْحُجَّاجِ . يَعْنِي حَجًّا شَرْعِيًّا .