تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَمَنْ أَثْبَتَ الْعُلُوَّ بِالْعَقْلِ وَجَعَلَهُ مِنْ الصِّفَاتِ الْعَقْلِيَّةِ : كَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ كُلَّابٍ وَأَبِي الْحَسَنِ بْن الزاغوني وَمَنْ وَافَقَهُ وَكَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ : أَثْبَتُوا الْعُلُوَّ وَجَعَلُوا الِاسْتِوَاءَ مِنْ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ الَّتِي يَقُولُونَ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهَا إلَّا اللَّهُ " وَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ يَرَى أَنَّ الْفَوْقِيَّةَ وَالْعُلُوَّ أَيْضًا مِنْ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ كَقَوْلِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَقَوْلِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فِي أَوَّلِ قَوْلَيْهِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِ وَأَبِي بَكْرٍ البيهقي وَأَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِمْ وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَ أُولَئِكَ . وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوْضِعِهَا . ( وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تَعْتَقِدُ مِنْ الْآرَاءِ مَا يُنَاقِضُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ يَجْعَلُونَ تِلْكَ النُّصُوصَ مِنْ الْمُتَشَابِهِ ثُمَّ إنْ كَانُوا مِمَّنْ يَرَى الْوَقْفَ عِنْدَ قَوْلِهِ : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ } قَالُوا لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهَا إلَّا اللَّهُ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ مُحَمَّدٌ وَجِبْرِيلُ وَلَا أَحَدٌ عَلِمَ مَعَانِيَ تِلْكَ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ وَإِنْ رَأَوْا أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ : { وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } جَعَلُوا الرَّاسِخِينَ يَعْلَمُونَ مَا يُسَمُّونَهُ هُمْ تَأْوِيلًا وَيَقُولُونَ إنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا لَمْ يُبَيِّنْ الْحَقَّ بِخِطَابِهِ لِيَجْتَهِدَ النَّاسُ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ بِعُقُولِهِمْ وَأَذْهَانِهِمْ وَيَجْتَهِدُونَ فِي تَخْرِيجِ أَلْفَاظِهِ عَلَى اللُّغَاتِ الْعَرَبِيَّةِ فَيَجْتَهِدُونَ فِي مَعْرِفَةِ غَرَائِبِ اللُّغَاتِ الَّتِي يَتَمَكَّنُونَ بِهَا مِنْ التَّأْوِيلِ وَهَذَا إنْ قَالُوا إنَّهُ قَصَدَ بِالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مَعْنًى حَقًّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ قَالُوا بِقَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ التَّأْوِيلَ . قَالُوا : لَمْ يَقْصِدْ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ إلَّا مَا يَفْهَمُهُ الْعَامَّةُ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ بَاطِلٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُخَيِّلَ لَهُمْ مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ " وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ الْحَقَّ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنْفِرُونَ عَنْهُ وَلَا يَقْبَلُونَهُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مِنْ الْبَاطِنِيَّةِ الْمَلَاحِدَةِ وَفَلَاسِفَتِهِمْ بِالتَّأْوِيلِ فَإِنَّهُ يَتَأَوَّلُ كُلَّ شَيْءٍ مِمَّا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلَ مِنْ أَمْرِ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ثُمَّ يُؤَوِّلُونَ الْعِبَارَاتِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ تَأْوِيلَاتِ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ . وَأَبُو حَامِدٍ فِي " الْإِحْيَاءِ " ذَكَرَ قَوْلَ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَوِّلِينَ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَقَالَ إنَّهُمْ أَسْرَفُوا فِي التَّأْوِيلِ وَأَسْرَفَتْ الْحَنَابِلَةُ فِي الْجُمُودِ وَذَكَرَ عَنْ أَحْمَد بْنَ حَنْبَلٍ كَلَامًا لَمْ يَقُلْهُ أَحْمَد فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ مَا قَالَهُ أَحْمَد وَلَا مَا قَالَهُ غَيْرُهُ . مِنْ السَّلَفِ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَا مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ وَقَدْ سُمِعَ مُضَافًا إلَى الْحَنَابِلَةِ مَا يَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فِي الْحَرْفِ وَالصَّوْتِ . وَبَعْضِ الصِّفَاتِ : مِثْلَ قَوْلِهِمْ : إنَّ الْأَصْوَاتَ الْمَسْمُوعَةَ مِنْ الْقُرَّاءِ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ وَإِنَّ الْحُرُوفَ الْمُتَعَاقِبَةَ قَدِيمَةُ الْأَعْيَانِ وَإِنَّهُ يَنْزِلُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَيَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ حَتَّى يَبْقَى بَعْضُ الْمَخْلُوقَاتِ فَوْقَهُ وَبَعْضُهَا تَحْتَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ . فَإِنَّهُ مَا مِنْ طَائِفَةٍ إلَّا وَفِي بَعْضِهِمْ مَنْ يَقُولُ أَقْوَالًا ظَاهِرُهَا الْفَسَادُ وَهِيَ الَّتِي يَحْفَظُهَا مَنْ يَنْفِرُ عَنْهُمْ وَيُشَنِّعُ بِهَا عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ يُنْكِرُهَا وَيَدْفَعُهَا كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي يَقُولُهَا بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَد وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فَإِنَّ جَمَاهِيرَ هَذِهِ الطَّوَائِفِ يُنْكِرُهَا وَأَحْمَد وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ مُنْكِرُونَ لَهَا . وَكَلَامُهُمْ فِي إنْكَارِهَا وَرَدِّهَا كَثِيرٌ جِدًّا لَكِنْ يُوجَدُ فِي أَهْل الْحَدِيثِ مُطْلَقًا مِنْ الْحَنْبَلِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْغَلَطِ فِي الْإِثْبَاتِ أَكْثَرُ مِمَّا يُوجَدُ فِي أَهْلِ الْكَلَامِ وَيُوجَدُ فِي أَهْلِ الْكَلَامِ مِنْ الْغَلَطِ فِي النَّفْيِ أَكْثَرُ مِمَّا يُوجَدُ فِي أَهْلِ الْحَدِيثِ ; لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا جَاءَ بِإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ النَّفْيِ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ أَهْلُ الْكَلَامِ وَالْكَلَامُ الْمَأْخُوذُ عَنْ الجهمية وَالْمُعْتَزِلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى النَّفْيِ الْمُنَاقِضِ لِصَرَائِحِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ ; بَلْ وَالْعَقْلُ الصَّرِيحُ أَيْضًا ; لَكِنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ الْعَقْلَ دَلَّ عَلَى النَّفْيِ وَقَدْ نَاقَضَهُمْ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَزَادُوا فِي الْإِثْبَاتِ كالهشامية والكرامية وَغَيْرِهِمْ لَكِنَّ النَّفْيَ فِي جِنْسِ الْكَلَامِ الْمُبْتَدَعِ الَّذِي ذَمَّهُ السَّلَفُ أَكْثَرُ .