تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : فَصْلٌ فِي أَسْئِلَتِهِمْ وَقَدْ تَكَلَّفُوا غَايَةَ التَّكْلِيفِ وَتَعَسَّفُوا غَايَةَ التَّعْسِيفِ فِي بَيَانِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ . . فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ : إنَّ الْقَرْيَةَ هِيَ مُجْتَمَعُ النَّاسِ ; مَأْخُوذٌ مِنْ قَرَيْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ ; وَمَا قَرَأَتْ النَّاقَةُ فِي رَحِمِهَا فَالضِّيَافَةُ مُقْرِئٌ وَمُقْرٍ لِاجْتِمَاعِ الْأَضْيَافِ عِنْدَهُمْ وَسُمِّيَ الْقُرْآنُ وَالْقِرَاءَةُ لِذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَجْمُوعَ كَلَامٍ فَكَذَلِكَ حَقِيقَةُ الِاجْتِمَاعِ إنَّمَا هُوَ لِلنَّاسِ دُونَ الْجُدْرَانِ فَمَا أَرَادَ إلَّا مَجْمَعَ النَّاسِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ حَقِيقَةُ الْقَرْيَةِ يُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا } وقَوْله تَعَالَى { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ } وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْمُجْتَمَعِ إلَى النَّاسِ دُونَ الْجُدْرَانِ وَالْعِيرُ اسْمٌ لِلْقَافِلَةِ . قَالُوا : وَالْأَبْنِيَةُ وَالْحَمِيرُ إذَا أَرَادَ اللَّهُ نُطْقَهَا أَنْطَقَهَا وَزَمَنُ النُّبُوَّاتِ وَقْتٌ لِخَوَارِقِ الْعَادَاتِ . وَلَوْ سَأَلَهَا لَأَجَابَتْهُ عَنْ حَالِهِ مُعْجِزَةً لَهُ وَكَرَامَةً وقَوْله تَعَالَى { ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ } إنَّمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ : { قَوْلَ الْحَقِّ } إلَى اسْمِهِ وَنِسْبَتِهِ إلَى أُمِّهِ وَذَلِكَ حَقِيقَةُ قَوْلِ اللَّهِ . وَقَدْ قَالَ صَاحِبُكُمْ أَحْمَد : اللَّهُ هُوَ اللَّهُ يَعْنِي : الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى . وقَوْله تَعَالَى { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ } فَإِنَّهُ لَمَّا نُسِفَ بَعْدَ أَنْ بَرُدَ فِي الْبَحْرِ وَشَرِبُوا مِنْ الْمَاءِ كَانَ ذَلِكَ حَقِيقَةَ ذَلِكَ الْعِجْلِ فَلَا شَيْءَ مِمَّا ذَكَرْتُمْ إلَّا وَهُوَ حَقِيقَةٌ . قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : فَيُقَالُ : لِلْقَرْيَةِ مَا جُمِعَتْ وَاجْتَمَعَ فِيهَا لَا نَفْسَ الْمُجْتَمَعِ ; فَلِهَذَا سُمِّيَ الْقُرْءُ وَالْأَقْرَاءُ لِزَمَانِ الْحَيْضِ أَوْ زَمَانِ الطُّهْرِ وَالتَّصْرِيَةِ وَالْمُصَرَّاةُ والصراة اسْمُ مَجْمَعِ اللَّبَنِ وَالْمَاءِ ; لَا لِنَفْسِ اللَّبَنِ وَالْمَاءِ الْمُجْتَمِعِ وَالْقَارِي . الْجَامِعُ لِلْقَرْيِ وَالْمُقْرِي الْجَامِعُ لِلْأَضْيَافِ فَأَمَّا نَفْسُ الْأَضْيَافِ فَلَا وَالْقَافِلَةُ لَا تُسَمَّى عِيرًا إنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ بَهَائِم مَخْصُوصَةٍ ; فَإِنَّ الْمُشَاةَ وَالرِّجَالَ لَا تُسَمَّى عِيرًا فَلَوْ كَانَ اسْمًا لِمُجَرَّدِ الْقَافِلَةِ لَكَانَ يَقَعُ عَلَى الرِّجَالِ كَمَا يَقَعُ عَلَى أَرْبَابِ الدَّوَابِّ ; فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ . وَقَوْلُهُمْ : لَوْ سَأَلَ لَأَجَابَ الْجِدَارُ : فَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَقَعُ بِحَسَبِ الِاخْتِيَارِ وَلَا يَكُونُ مُعْتَمِدًا عَلَى وُقُوعِهِ إلَّا عِنْدَ التَّحَدِّي بِهِ فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ بِالْهَاجِسِ وَعُمُومِ الْأَوْقَاتِ فَلَا . وَقَوْلُهُ : { ذَلِكَ عِيسَى } يَرْجِعُ إلَى الِاسْمِ : فَإِنَّهُمْ إذَا حَمَلُوهُ عَلَى هَذَا كَانَ مَجَازًا ; لِأَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي هُوَ الِاسْمُ لَيْسَ بِمُضَافِ إلَيْهِ ; وَلِذَا نَقُولُ : { مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ } وَالِاسْمُ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ لَيْسَ بِابْنِ مَرْيَمَ وَإِنَّمَا ابْنُ مَرْيَمَ نَفْسُ الْجِسْمِ وَالرُّوحِ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِمَا الِاسْمُ الَّذِي ظَهَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ الْآيَاتُ الْخَارِقَةُ الَّتِي جَعَلُوهُ لِأَجْلِ ظُهُورِهَا إلَهًا . وَقَوْلُهُمْ : الْمُرَادُ نَفْسُ ذَاتِ الْعِجْلِ لَمَّا نَسَفَهُ : فَإِذَا نُسِفَ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ عِجْلًا : بَلْ الْعِجْلُ حَقِيقَةُ الصُّورَةِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي خَارَتْ وَإِلَّا بُرَادَةُ الذَّهَبِ لَا تَصِلُ إلَّا الْقُلُوبَ وَغَايَةُ مَا تَصِلُ إلَى الْأَجْوَافِ : فَإِمَّا أَنْ يَسْبِقَهَا الطَّبْعُ فَيُحِيلَهَا إلَى أَنْ تَصِلَ إلَى الْقَلْبِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ سُحَالَةُ الذَّهَبِ إذَا حَصَلَتْ فِي الْمَعِدَةِ رَسَبَتْ بِحَيْثُ لَا تَرْتَقِي إلَى غَيْرِ مَحَلِّهَا فَضْلًا عَنْ أَنْ تَصِلَ إلَى الْقَلْبِ ; وَلِأَنَّ قَوْلَ الْعَرَبِ : أُشْرِبُوا : لَا يَرْجِعُ إلَى الشُّرْبِ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى الْأَسْبَابِ وَهُوَ : الإيساغ وَذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الْحُبِّ لَا إلَى الذَّوَاتِ الَّتِي هِيَ الْأَجْسَامُ ; وَلِهَذَا لَا يُقَالُ : أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْمَاءَ إذْ هُوَ مَشْرُوبٌ فَكَيْفَ يُقَالُ فِي الْعِجْلِ عَلَى أَنَّ إضَافَتَهُ نَفْسَهُ إلَى الْقَلْبِ إضَافَةٌ لَهُ إلَى مَحَلِّ الْحُبِّ ؟ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فِي سِحَالَتِهِ إذَا تَنَاوَلُوهَا : هَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ مُوسَى وَمِنْ إلَهِ مُوسَى ; لِمَا نَالَهُمْ مِنْ مَحَبَّتِهِ فِي قُلُوبِهِمْ . قُلْت : أَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْقَرْيَةِ ; فَالْقَرْيَةُ وَالنَّهْرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ اسْمٌ لِلْحَالِّ وَالْمَحَلِّ فَهُوَ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ الْمَسَاكِنَ وَسُكَّانَهَا ثُمَّ الْحُكْمُ قَدْ يَعُودُ إلَى السَّاكِنِ ; وَقَدْ يَعُودُ إلَى الْمَسَاكِنِ ; وَقَدْ يَعُودُ إلَيْهِمَا كَاسْمِ الْإِنْسَانِ ; فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلرُّوحِ وَالْجَسَدِ ; وَقَدْ يَعُودُ الْحُكْمُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَذَلِكَ الْكَلَامُ اسْمٌ لِلَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَقَدْ يَعُودُ الْحُكْمُ إلَى أَحَدِهِمَا . وَأَمَّا الِاشْتِقَاقُ فَهَذَا الْمَوْضِعُ غَلِطَ فِيهِ طَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاءِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ قَرَأَ بِالْهَمْزَةِ وَقَرَى يَقْرِي بِالْيَاءِ ; فَإِنَّ الَّذِي بِمَعْنَى الْجَمْعِ هُوَ قَرَى يَقْرِي بِلَا هَمْزَةٍ وَمِنْهُ الْقَرْيَةُ وَالْقِرَاءَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَمِنْهُ قَرَيْت الضَّيْفَ أَقْرِيهِ أَيْ : جَمَعْته وَضَمَمْته إلَيْك وَقَرَيْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ جَمَعْته وتقريت الْمِيَاهَ : تَتَبَّعْتهَا وقروت الْبِلَادَ وَقَرَيْتهَا وَاسْتَقْرَيْتهَا إذَا تَتَبَّعْتهَا تَخْرُجُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَمِنْهُ الِاسْتِقْرَاءُ ; وَهُوَ : تَتَبُّعُ الشَّيْءِ أَجْمَعَهُ وَهَذَا غَيْرُ قَوْلِك : اسْتَقْرَأْته الْقُرْآنَ ; فَإِنَّ ذَاكَ مِنْ الْمَهْمُوزِ فَالْقَرْيَةُ هِيَ الْمَكَانُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ النَّاسُ وَالْحُكْمُ يَعُودُ إلَى هَذَا تَارَةً وَإِلَى هَذَا أُخْرَى . وَأَمَّا قَرَأَ بِالْهَمْزِ فَمَعْنَاهُ الْإِظْهَارُ وَالْبَيَانُ وَالْقُرْءُ وَالْقِرَاءَةُ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : مَا قَرَأْت النَّاقَةَ سَلًّا جَزُورٌ قَطُّ ; أَيْ : مَا أَظْهَرَتْهُ وَأَخْرَجَتْهُ مِنْ رَحِمِهَا وَالْقَارِي : هُوَ الَّذِي يُظْهِرُ الْقُرْآنَ وَيُخْرِجُهُ قَالَ تَعَالَى : { إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } فَفَرَّقَ بَيْنَ الْجَمْعِ وَالْقُرْآنِ وَالْقُرْءُ : هُوَ الدَّمُ لِظُهُورِهِ وَخُرُوجِهِ وَكَذَلِكَ الْوَقْتُ ; فَإِنَّ التَّوْقِيتَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَمْرِ الظَّاهِرِ . ثُمَّ الطُّهْرُ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْقُرْءِ تَبَعًا كَمَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي اسْمِ الْيَوْمِ { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ : دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِك } وَالطُّهْرُ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ حَيْضٌ هُوَ قُرْءٌ فَالْقُرْءُ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ . وَأَمَّا الطُّهْرُ الْمُجَرَّدُ فَلَا يُسَمَّى قُرْءًا ; وَلِهَذَا إذَا طَلُقَتْ فِي أَثْنَاءِ حَيْضَةٍ لَمْ تَعْتَدَّ بِذَلِكَ قُرْءًا ; لِأَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ وَإِذَا طَلُقَتْ فِي أَثْنَاءِ طُهْرٍ كَانَ الْقُرْءُ الْحَيْضَةَ مَعَ مَا تَقَدَّمَهَا مِنْ الطُّهْرِ ; وَلِهَذَا كَانَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْحَيْضُ كَعُمَرِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمْ ; لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِتَرَبُّصِ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ; فَلَوْ كَانَ الْقُرْءُ هُوَ الطُّهْرُ لَكَانَتْ الْعِدَّةُ قُرْأَيْنِ وَبَعْضَ الثَّالِثِ فَإِنَّ النِّزَاعَ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ; فَإِنَّ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ يَقُولُونَ : هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَصِغَارَ الصَّحَابَةِ إذَا طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ حَلَّتْ فَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَدْ مَضَى بَعْضُ الطُّهْرِ وَاَللَّهُ أَمَرَ أَنْ يُطَلِّقَ لِاسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ لَا فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ وَقَوْلُهُ : { ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } عَدَدٌ لَيْسَ هُوَ كَقَوْلِهِ : أَشْهُرٍ ; فَإِنَّ ذَاكَ صِيغَةُ جَمْعٍ لَا عَدَدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ لَا يَكْفِي بَعْضُ الثَّالِثِ . وَأَمَّا قَوْلُك : { ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ } فَفِيهِ قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ : الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَعَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ قَدْ قِيلَ : إنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْحَقِّ : عِيسَى ; كَمَا سُمِّيَ كَلِمَةَ اللَّهِ . وَقِيلَ : بَلْ الْمُرَادُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ الْحَقِّ ; فَيَكُونُ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَهَذَا لَهُ نَظَائِرُ ; كَقَوْلِهِ : { سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } الْآيَةَ { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ } أَيْ : هَذَا الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ عِيسَى فَتَسْمِيَتُهُ قَوْلَ الْحَقِّ كَتَسْمِيَتِهِ كَلِمَةَ اللَّهِ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ خَبَرًا وَبَدَلًا . وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ فَلَهُ نَظَائِرُ فَالْقَوْلُ فِي تَسْمِيَتِهِ مَجَازًا كَالْقَوْلِ فِي نَظَائِرِهِ . وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلُ الْحَقِّ إلَّا أَنَّهُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَدْخُلُ فِي هَذَا . وَمَنْ قَالَ : الْمُرَادُ بِالْحَقِّ اللَّهُ ; وَالْمُرَادُ قَوْلُ اللَّهِ : فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَعْنًى صَحِيحًا فَعَادَةُ الْقُرْآنِ إذَا أُضِيفَ الْقَوْلُ إلَى اللَّهِ أَنْ يُقَالَ : قَوْلُ اللَّهِ لَا يُقَالُ : قَوْلُ الْحَقِّ إلَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ الْقَوْلَ الْحَقَّ كَمَا فِي قَوْلِهِ : { قَوْلُهُ الْحَقُّ } وَقَوْلُهُ : { وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ } وَقَوْلُهُ : { فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ } ثُمَّ مِثْلُ هَذَا إذَا أُضِيفَ فِيهِ الْمَوْصُوفُ إلَى الصِّفَةِ كَقَوْلِهِ : { وَحَبَّ الْحَصِيدِ } وَقَوْلِهِمْ : صَلَاةُ الْأُولَى وَدَارُ الْآخِرَةِ هُوَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ نُحَاةِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ إضَافَةُ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ بِلَا حَذْفٍ وَعِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ نُحَاةِ الْبَصْرَةِ أَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : صَلَاةُ السَّاعَةِ الْأُولَى وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَحْذُوفِ وَلَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ : { الدَّارُ الْآخِرَةُ } وَقَالَ : { قَوْلُهُ الْحَقُّ } . وَبِالْجُمْلَةِ فَنَظَائِرُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا حُجَّةً لِمَنْ سَمَّى ذَلِكَ مَجَازًا إلَّا كَحُجَّتِهِ فِي نَظَائِرِهِ فَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْأَصْلِ .