تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ عَنْ قَوْمٍ مُنْتَسِبِينَ إلَى الْمَشَايِخِ : يتوبونهم عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَالسَّرِقَةِ ; وَأَلْزَمُوهُمْ بِالصَّلَاةِ ; لَكِنَّهُمْ يُصَلُّونَ صَلَاةَ عَادَةِ الْبَادِيَةِ فَهَلْ يَجِبُ إقَامَةُ حُدُودِ الصَّلَاةِ أَمْ لَا ؟ وَمَعَ هَذَا شِعَارُهُمْ الرَّفْضُ وَكَشْفُ الرُّءُوسِ وَتَفْتِيلُ الشَّعَرِ وَحَمْلُ الْحَيَّاتِ . ثُمَّ غَلَبَ عَلَى قُلُوبِهِمْ حُبُّ الشُّيُوخِ . حَتَّى كُلَّمَا عَثَرَ أَحَدُهُمْ أَوْ هَمَّهُ أَمْرٌ اسْتَغَاثَ بِشَيْخِهِ وَيَسْجُدُونَ لَهُمْ مَرَّةً فِي غَيْبَتِهِمْ وَمَرَّةً فِي حُضُورِهِمْ فَتَارَةً يُصَادِفُ السُّجُودَ إلَى الْقِبْلَةِ وَتَارَةً إلَى غَيْرِهَا - حَيْثُ كَانَ شَيْخُهُ - وَيَزْعُمُونَ هَذَا لِلَّهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ أَوْلَادَ النَّاسِ حِوَارَاتٍ بِرِضَى الْوَالِدَيْنِ وَبِغَيْرِ رِضَاهُمْ وَرُبَّمَا كَانَ وَلَدُ الرَّجُلِ مُعِينًا لِوَالِدَيْهِ عَلَى السَّعْيِ فِي الْحَلَالِ فَيَأْخُذُهُ وَيُعَلِّمُهُ الدروزة وَيُنْذِرُ لِلْمَوْتَى . وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَاخِي النسوان فَإِذَا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ قَالَ : لَوْ حَصَلَ لِي أُمِّك وَأُخْتِك وَأُخْتَيْهِمَا فَإِذَا قِيلَ : لَا تَنْظُرُ أَجْنَبِيَّةً . قَالَ : أَنْظُرُ عِشْرِينَ نَظْرَةً وَيَحْلِفُونَ بِالْمَشَايِخِ . وَإِذَا نُهُوا عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : أَنْتَ شَرْعِيٌّ . فَهَلْ الْمُنْكَرُ عَلَيْهِمْ مَأْجُورٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ اتِّخَاذُ الْخِرْقَةِ عَلَى الْمَشَايِخِ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ انْتِسَابُ كُلِّ طَائِفَةٍ إلَى شَيْخٍ مُعَيَّنٍ يُثَابُ عَلَيْهِ . أَمْ لَا ؟ وَهَلْ التَّارِكُ لَهُ آثِمٌ أَمْ لَا ؟ وَيَقُولُونَ : إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لِرِضَا الْمَشَايِخِ وَيَغْضَبُ بِغَضَبِهِمْ وَيَسْتَنِدُونَ إلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ } وَ { أَوْثَقُ عُرَى الْإِسْلَامِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ } فَهَلْ ذَلِكَ دَلِيلٌ لَهُمْ أَمْ هُوَ شَيْءٌ آخَرُ ؟ وَمَنْ هَذِهِ حَالُهُ هَلْ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ ؟ ؟
123456789101112
فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : أَنْتَ لِلشَّيْخِ فُلَانٍ وَهُوَ شَيْخُك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . فَهَذِهِ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ قَوْلَهُ : شَيْخُك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَلَامٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَكُونُ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ فَهَذَا إلَى اللَّهِ لَا إلَيْهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُشَفَّعُ فِيهِ فَلَا يَشْفَعُ أَحَدٌ لِأَحَدِ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُشَفَّعَ فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يُشَفَّعْ ; وَلَيْسَ بِقَوْلِهِ : أَنْتَ شَيْخِي فِي الْآخِرَةِ يَكُونُ شَافِعًا لَهُ - هَذَا إنْ كَانَ الشَّيْخُ مِمَّنْ لَهُ شَفَاعَةٌ - فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ وَالْخَلْقِ لَا يَشْفَعُ حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ بَعْدَ امْتِنَاعِ غَيْرِهِ مِنْهَا . وَكَمْ مِنْ مُدَّعٍ لِلْمَشْيَخَةِ وَفِيهِ نَقْصٌ مِنْ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى . وَقَوْلُ الْقَائِلِ : " لَوْ أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ ظَنَّهُ بِحَجَرِ لَنَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ " هُوَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْبُهْتَانِ فَإِنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ أَحْسَنُوا ظَنَّهُمْ بِهَا فَكَانُوا هُمْ وَإِيَّاهَا مِنْ حَصَبِ جَهَنَّمَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } . لَكِنْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْته فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْته فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْته هَرْوَلَةً } وَمَنْ أَمْكَنَهُ الْهُدَى مِنْ غَيْرِ انْتِسَابٍ إلَى شَيْخٍ مُعَيَّنٍ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى ذَلِكَ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ . وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ بِمَا أَمَرَهُ إلَّا بِذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَانٍ يَضْعُفُ فِيهِ الْهُدَى وَالْعِلْمُ وَالْإِيمَانُ وَالدِّينُ يُعَلِّمُونَهُ وَيُؤَدِّبُونَهُ لَا يَبْذُلُونَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِانْتِسَابِ إلَى شَيْخِهِمْ أَوْ يَكُونُ انْتِسَابُهُ إلَى شَيْخٍ يَزِيدُ فِي دِينِهِ وَعِلْمِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ الْأَصْلَحَ لِدِينِهِ . وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ إلَّا لِتَفْرِيطِهِ وَإِلَّا فَلَوْ طَلَبَ الْهُدَى عَلَى وَجْهِهِ لَوَجَدَهُ . فَأَمَّا الِانْتِسَابُ الَّذِي يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ خُرُوجٌ عَنْ الْجَمَاعَةِ والائتلاف إلَى الْفُرْقَةِ وَسُلُوكِ طَرِيقِ الِابْتِدَاعِ وَمُفَارَقَةِ السُّنَّةِ وَالِاتِّبَاعِ فَهَذَا مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .