تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ - أَئِمَّةُ الدِّينِ وَهُدَاةُ الْمُسْلِمِينَ : - فِي كِتَابٍ بَيْنَ أَظْهُرِ النَّاسِ زَعَمَ مُصَنِّفُهُ أَنَّهُ وَضَعَهُ وَأَخْرَجَهُ لِلنَّاسِ بِإِذْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامٍ زَعَمَ أَنَّهُ رَآهُ ; وَأَكْثَرُ كِتَابِهِ ضِدٌّ لِمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنْ كُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ وَعَكْسٌ وَضِدٌّ عَنْ أَقْوَالِ أَنْبِيَائِهِ الْمُرْسَلَةِ ; فمما قَالَ فِيهِ : إنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا سُمِّيَ إنْسَانًا لِأَنَّهُ لِلْحَقِّ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ إنْسَانِ الْعَيْنِ مِنْ الْعَيْنِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ النَّظَرُ . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : إنَّ الْحَقَّ الْمُنَزَّهَ هُوَ الْخَلْقُ الْمُشَبَّهُ . وَقَالَ فِي قَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّهُمْ لَوْ تَرَكُوا عِبَادَتَهُمْ لِوَدِّ وَسُوَاعٍ وَيَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرٍ : لَجَهِلُوا مِنْ الْحَقِّ بِقَدْرِ مَا تَرَكُوا مِنْ هَؤُلَاءِ . ثُمَّ قَالَ : فَإِنَّ لِلْحَقِّ فِي كُلِّ مَعْبُودٍ وَجْهًا يَعْرِفُهُ مَنْ عَرَفَهُ وَيَجْهَلُهُ مَنْ جَهِلَهُ . فَالْعَالِمُ يَعْلَمُ مَنْ عَبَدَ وَفِي أَيِّ صُورَةٍ ظَهَرَ حَتَّى [ عَبَدَ ] وَأَنَّ التَّفْرِيقَ وَالْكَثْرَةَ : كَالْأَعْضَاءِ فِي الصُّورَةِ الْمَحْسُوسَةِ . ثُمَّ قَالَ فِي قَوْمِ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنَّهُمْ حَصَلُوا فِي عَيْنِ الْقُرْبِ فَزَالَ الْبُعْدُ فَزَالَ مُسَمَّى جَهَنَّمَ فِي حَقِّهِمْ فَفَازُوا بِنَعِيمِ الْقُرْبِ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِمَّا أَعْطَاهُمْ هَذَا الْمَقَامَ الذَّوْقِيَّ اللَّذِيذَ مِنْ جِهَةِ الْمِنَّةِ فَإِنَّمَا أَخَذُوهُ بِمَا اسْتَحَقَّتْهُ حَقَائِقُهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا وَكَانُوا عَلَى صِرَاطِ الرَّبِّ الْمُسْتَقِيمِ . ثُمَّ إنَّهُ أَنْكَرَ فِيهِ حُكْمَ الْوَعِيدِ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ حَقَّتْ [ عَلَيْهِ ] كَلِمَةُ الْعَذَابِ مِنْ سَائِرَ الْعَبِيدِ فَهَلْ يَكْفُرُ مَنْ يُصَدِّقُهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ أَوْ يَرْضَى بِهِ مِنْهُ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَأْثَمُ سَامِعُهُ إذَا كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا وَلَمْ يُنْكِرْهُ بِلِسَانِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ أَمْ لَا ؟ أَفْتُونَا بِالْوُضُوحِ وَالْبَيَانِ كَمَا أَخَذَ الْمِيثَاقَ لِلتِّبْيَانِ فَقَدْ أَضَرَّ الْإِهْمَالُ بِالضُّعَفَاءِ وَالْجُهَّالِ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ الِاتِّكَالُ أَنْ يُعَجِّلَ بِالْمُلْحِدِينَ النَّكَالَ ; لِصَلَاحِ الْحَالِ وَحَسْمِ مَادَّةِ الضَّلَالِ .
123
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنَّ الْمُشْرِكِينَ لَوْ تَرَكُوا عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ لَجَهِلُوا مِنْ الْحَقِّ : بِقَدْرِ مَا تَرَكُوا مِنْهَا : هُوَ مِنْ الْكُفْرِ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ جَمِيعِ الْمِلَلِ فَإِنَّ أَهْلَ الْمِلَلِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الرُّسُلَ جَمِيعَهُمْ نُهُوا عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَكَفَّرُوا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَتَبَرَّأَ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَكُلِّ مَعْبُودٍ سِوَى اللَّهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ } . وَقَالَ الْخَلِيلُ : { أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ } { أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ } { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ } وَقَالَ الْخَلِيلُ : { لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ } { إلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } وَقَالَ الْخَلِيلُ - وَهُوَ إمَامُ الْحُنَفَاءِ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْمِلَلِ عَلَى تَعْظِيمِهِ لِقَوْلِهِ - { يَا قَوْمِ إنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ } { إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } . وَهَذَا أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْمِلَلِ مِنْ . الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى - فَضْلًا عَنْ الْمُسْلِمِينَ - مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِنَصِّ خَاصٍّ فَمَنْ قَالَ : إنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ لَوْ تَرَكُوهُمْ لَجَهِلُوا مِنْ الْحَقِّ بِقَدْرِ مَا تَرَكُوا مِنْ هَؤُلَاءِ فَهُوَ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ فَهُوَ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ; فَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُكَفِّرُونَ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ فَكَيْفَ مَنْ يَجْعَلُ تَارِكَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ جَاهِلًا مِنْ الْحَقِّ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ مِنْهَا ؟ مَعَ قَوْلِهِ : فَإِنَّ الْعَالِمَ يَعْلَمُ مَنْ عَبَدَ وَفِي أَيِّ صُورَةٍ ظَهَرَ حَتَّى عَبَدَ وَأَنَّ التَّفْرِيقَ وَالْكَثْرَةَ كَالْأَعْضَاءِ فِي الصُّورَةِ الْمَحْسُوسَةِ وَكَالْقُوَى الْمَعْنَوِيَّةِ فِي الصُّورَةِ الرُّوحَانِيَّةِ فَمَا عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَعْبُودٍ بَلْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ كُفْرِ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ ; فَإِنَّ أُولَئِكَ اتَّخَذُوهُمْ شُفَعَاءَ وَوَسَائِطَ كَمَا قَالُوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ } . وَكَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَخَالِقُ الْأَصْنَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : تَسْأَلُهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَيَقُولُونَ اللَّهُ ثُمَّ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ وَكَانُوا يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَتِهِمْ : لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك إلَّا شَرِيكٌ هُوَ لَك تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ } . وَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ كُفْرًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ هَؤُلَاءِ جَعَلُوا عَابِدَ الْأَصْنَامِ عَابِدًا لِلَّهِ لَا عَابِدًا لِغَيْرِهِ وَأَنَّ الْأَصْنَامَ مِنْ اللَّهِ ; بِمَنْزِلَةِ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَبِمَنْزِلَةِ قُوَى النَّفْسِ مِنْ النَّفْسِ ; وَعُبَّادُ الْأَصْنَامِ : اعْتَرَفُوا بِأَنَّهَا غَيْرُهُ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ مِنْ الْعَرَبِ : كَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّ لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبًّا غَيْرَهُمَا خَلَقَهُمَا وَهَؤُلَاءِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ رَبٌّ مُغَايِرٌ لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ بَلْ الْمَخْلُوقُ هُوَ الْخَالِقُ . وَلِهَذَا جَعَلَ قَوْمَ عَادٍ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَجَعَلَهُمْ فِي عَيْنِ الْقُرْبِ وَجَعَلَ أَهْلَ النَّارِ يَتَمَتَّعُونَ فِي النَّارِ كَمَا يَتَمَتَّعُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ . وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ : أَنَّ قَوْمَ عَادٍ وَثَمُودَ وَفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ وَسَائِرَ مَنْ قَصَّ اللَّهُ قِصَّتَهُ مِنْ الْكُفَّارِ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَأَنَّهُمْ مُعَذَّبُونَ فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَعَنَهُمْ وَغَضِبَ عَلَيْهِمْ فَمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِمْ وَجَعَلَهُمْ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ وَمِنْ أَهْلِ النَّعِيمِ : فَهُوَ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ . وَهَذِهِ الْفَتْوَى لَا تَحْتَمِلُ بَسْطَ كَلَامِ هَؤُلَاءِ وَبَيَانَ كُفْرِهِمْ وَإِلْحَادِهِمْ فَإِنَّهُمْ مِنْ جِنْسِ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ والإسماعيلية الَّذِينَ كَانُوا أَكْفَرَ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَنَّ قَوْلَهُمْ يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ بِجَمِيعِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الجعبري لَمَّا اجْتَمَعَ بِابْنِ عَرَبِيٍّ - صَاحِبِ هَذَا الْكِتَابِ - فَقَالَ : رَأَيْته شَيْخًا نَجِسًا يُكَذِّبُ بِكُلِّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَبِكُلِّ نَبِيٍّ أَرْسَلَهُ اللَّهُ . وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - لَمَّا قَدِمَ الْقَاهِرَةَ وَسَأَلُوهُ عَنْهُ - قَالَ : هُوَ شَيْخُ سُوءٍ كَذَّابٌ مَقْبُوحٌ يَقُولُ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَلَا يُحَرِّمُ فَرْجًا فَقَوْلُهُ : يَقُولُ بِقِدَمِ الْعَالَمِ ; لِأَنَّ هَذَا قَوْلَهُ وَهَذَا كُفْرٌ مَعْرُوفٌ فَكَفَّرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ظَهَرَ مِنْ قَوْلِهِ : إنَّ الْعَالَمَ هُوَ اللَّهُ وَإِنَّ الْعَالَمَ صُورَةُ اللَّهِ وَهُوِيَّةُ اللَّهِ فَإِنَّ هَذَا أَعْظَمُ مِنْ كُفْرِ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ وَاجِبَ الْوُجُودِ وَيَقُولُونَ إنَّهُ صَدَرَ عَنْهُ الْوُجُودُ الْمُمْكِنُ . وَقَالَ عَنْهُ مَنْ عَايَنَهُ مِنْ الشُّيُوخِ : إنَّهُ كَانَ كَذَّابًا مُفْتَرِيًا وَفِي كُتُبِهِ - مِثْلِ الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ وَأَمْثَالِهَا - مِنْ الْأَكَاذِيبِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى لَبِيبٍ - هَذَا وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْ ابْنِ سَبْعِينَ وَمِنْ القونوي والتلمساني وَأَمْثَالِهِ مِنْ أَتْبَاعِهِ فَإِذَا كَانَ الْأَقْرَبُ بِهَذَا الْكُفْرِ - الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مَنْ كُفْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى - فَكَيْفَ بالذين هُمْ أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْلَامِ ؟ وَلَمْ أَصِفْ عُشْرَ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ الْكُفْرِ . وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْتَبَسَ أَمْرُهُمْ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حَالَهُمْ كَمَا الْتَبَسَ أَمْرُ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ لَمَّا ادَّعَوْا أَنَّهُمْ فَاطِمِيُّونَ وَانْتَسَبُوا إلَى التَّشَيُّعِ فَصَارَ الْمُتَّبِعُونَ مَائِلِينَ إلَيْهِمْ غَيْرَ عَالِمِينَ بِبَاطِنِ كُفْرِهِمْ . وَلِهَذَا كَانَ مَنْ مَالَ إلَيْهِمْ أَحَدَ رَجُلَيْنِ : إمَّا زِنْدِيقًا مُنَافِقًا ; وَإِمَّا جَاهِلًا ضَالًّا . وَهَكَذَا هَؤُلَاءِ الِاتِّحَادِيَّةُ : فَرُءُوسُهُمْ هُمْ أَئِمَّةُ كُفْرٍ يَجِبُ قَتْلُهُمْ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ أَحَدٍ مِنْهُمْ إذَا أُخِذَ قَبْلَ التَّوْبَةِ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الزَّنَادِقَةِ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَيُبْطِنُونَ أَعْظَمَ الْكُفْرِ وَهُمْ الَّذِينَ يَفْهَمُونَ قَوْلَهُمْ وَمُخَالَفَتَهُمْ لِدِينِ الْمُسْلِمِينَ وَيَجِبُ عُقُوبَةُ كُلِّ مَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِمْ أَوْ ذَبَّ عَنْهُمْ أَوْ أَثْنَى عَلَيْهِمْ أَوْ عَظَّمَ كُتُبَهُمْ أَوْ عُرِفَ بِمُسَاعَدَتِهِمْ وَمُعَاوَنَتِهِمْ أَوْ كَرِهَ الْكَلَامَ فِيهِمْ أَوْ أَخَذَ يَعْتَذِرُ لَهُمْ بِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يَدْرِي مَا هُوَ أَوْ مَنْ قَالَ إنَّهُ صَنَّفَ هَذَا الْكِتَابَ وَأَمْثَالَ هَذِهِ الْمَعَاذِيرِ الَّتِي لَا يَقُولُهَا إلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُنَافِقٌ ; بَلْ تَجِبُ عُقُوبَةُ كُلِّ مَنْ عَرَفَ حَالَهُمْ وَلَمْ يُعَاوِنْ عَلَى الْقِيَامِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ الْقِيَامَ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ ; لِأَنَّهُمْ أَفْسَدُوا الْعُقُولَ وَالْأَدْيَانَ عَلَى خَلْقٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ وَهُمْ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ . فَضَرَرُهُمْ فِي الدِّينِ : أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ مَنْ يُفْسِدُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ دُنْيَاهُمْ وَيَتْرُكُ دِينَهُمْ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَكَالتَّتَارِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ مِنْهُمْ الْأَمْوَالَ وَيُبْقُونَ لَهُمْ دِينَهُمْ وَلَا يَسْتَهِينُ بِهِمْ مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ فَضَلَالُهُمْ وَإِضْلَالُهُمْ : أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ وَهُمْ أَشْبَهُ النَّاسِ بِالْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ . وَلِهَذَا هُمْ يُرِيدُونَ دَوْلَةَ التَّتَارِ وَيَخْتَارُونَ انْتِصَارَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَنْ كَانَ عَامِّيًّا مِنْ شِيَعِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَارِفًا بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِمْ . وَلِهَذَا يُقِرُّونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ وَيَجْعَلُونَهُمْ عَلَى حَقٍّ كَمَا يَجْعَلُونَ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ عَلَى حَقٍّ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ وَمَنْ كَانَ مُحْسِنًا لِلظَّنِّ بِهِمْ - وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ حَالَهُمْ - عَرَفَ حَالَهُمْ فَإِنْ لَمْ يُبَايِنْهُمْ وَيُظْهِرْ لَهُمْ الْإِنْكَارَ وَإِلَّا أُلْحِقَ بِهِمْ وَجُعِلَ مِنْهُمْ . وَأَمَّا مَنْ قَالَ لِكَلَامِهِمْ تَأْوِيلٌ يُوَافِقُ الشَّرِيعَةَ ; فَإِنَّهُ مِنْ رُءُوسِهِمْ وَأَئِمَّتِهِمْ ; فَإِنَّهُ إنْ كَانَ ذَكِيًّا فَإِنَّهُ يَعْرِفُ كَذِبَ نَفْسِهِ فِيمَا قَالَهُ وَإِنْ كَانَ مُعْتَقِدًا لِهَذَا بَاطِنًا وَظَاهِرًا فَهُوَ أَكْفَرُ مِنْ النَّصَارَى فَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْ هَؤُلَاءِ وَجَعَلَ لِكَلَامِهِمْ تَأْوِيلًا كَانَ عَنْ تَكْفِيرِ النَّصَارَى بِالتَّثْلِيثِ وَالِاتِّحَادِ أَبْعَدَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .