تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ " صِحَّةِ أُصُولِ مَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ " وَمَنْزِلَةِ مَالِكٍ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ مَذْهَبُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ وَالدِّيَانَةِ ; وَضَبْطِهِ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ أَئِمَّةِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَأَهْلِ الثِّقَةِ وَالْخِبْرَةِ مِنْ سَائِرِ الْأَعْصَارِ ؟
1234567891011121314151617181920212223242526272829303132333435
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا صَلَّى نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ وَحَدَثِهِ ثُمَّ عَلِمَ أَعَادَ هُوَ وَلَمْ يُعِدْ الْمَأْمُومُ وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ كَعُمَرِ وَعُثْمَانَ . وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعِيدُ الْجَمِيعُ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَد وَالْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ جَرَتْ لِأَبِي يُوسُفَ ; فَإِنَّ الْخَلِيفَةَ اسْتَخْلَفَهُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فَأَعَادَ وَلَمْ يَأْمُرْ النَّاسَ بِالْإِعَادَةِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : رُبَّمَا ضَاقَ عَلَيْنَا الشَّيْءُ فَأَخَذْنَا بِقَوْلِ إخْوَانِنَا الْمَدَنِيِّينَ مَعَ أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ فِيهَا خِلَافٌ كَثِيرٌ ; لِكَوْنِ الْإِمَامَةِ شَرْطًا فِيهَا . وَطَرَدَ مَالِكٌ هَذَا الْأَصْلَ أَيْضًا فِي سَائِرِ خَطَأِ الْإِمَامِ فَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِاجْتِهَادِهِ فَتَرَكَ مَا يَعْتَقِدُ الْمَأْمُومُ وُجُوبَهُ مِثْلَ : أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ لَا يَرَى وُجُوبَ قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ أَوْ لَا يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ الدَّمِ أَوْ مِنْ الْقَهْقَهَةِ ; أَوْ مِنْ مَسِّ النِّسَاءِ وَالْمَأْمُومُ يَرَى وُجُوبَ ذَلِكَ : فَمَذْهَبُ مَالِكٍ صِحَّةُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ . وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عَنْ أَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لَا يَصِحُّ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هُوَ الَّذِي لَا رَيْبَ فِي صِحَّتِهِ ; فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ } وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ صَلَّى بِاجْتِهَادِهِ فَلَا يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُنَفِّذُ حُكْمَهُ إذَا حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ ؟ فالائتمام بِهِ أَوْلَى . وَالْمُنَازِعُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَهَذَا غَلَطٌ ; فَإِنَّ الْإِمَامَ صَلَّى بِاجْتِهَادِهِ أَوْ تَقْلِيدِهِ وَأَنَّهُ إنْ كَانَ مُصِيبًا فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ وَخَطَؤُهُ مَغْفُورٌ لَهُ فَكَيْفَ يُقَالُ : إنَّهُ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ ثُمَّ مِنْ الْمَعْلُومِ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ مَا زَالَ يُصَلِّي خَلْفَ بَعْضٍ مَعَ وُجُودِ مِثْلِ ذَلِكَ فَمَا زَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَمْثَالُهُ يُصَلُّونَ خَلْفَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُمْ لَا يَقْرَءُونَ الْبَسْمَلَةَ سِرًّا وَلَا جَهْرًا . وَمِنْ الْمَأْثُورِ أَنَّ الرَّشِيدَ احْتَجَمَ فَاسْتَفْتَى مَالِكًا فَأَفْتَاهُ بِأَنَّهُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ فَصَلَّى خَلْفَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد أَنَّ خُرُوجَ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَقِيلَ لِأَبِي يُوسُفَ : أَتُصَلِّي خَلْفَهُ فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ لِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ شَعَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ كَالرَّافِضَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ . وَلِهَذَا لَمَّا سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَد عَنْ هَذَا فَأَفْتَى بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ ; فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ : فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ لَا يَتَوَضَّأُ أُصَلِّي خَلْفَهُ ؟ فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ أَلَا تُصَلِّي خَلْفَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَمَالِكٌ يَرَى أَنَّ كَلَامَ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا عَلَى حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ ; وَحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ لَمَّا شَمَّتَ الْعَاطِسَ ; وَحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي قَالَ فِي الصَّلَاةِ : اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالُوا : حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ بَعْدَ خَيْبَرَ ; إذْ قَدْ شَهِدَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا أَسْلَمَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَامَ خَيْبَرَ وَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ كَانَ قَبْلَ رُجُوعِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ الْحَبَشَةِ وَابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ بَدْرًا . وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّنْبِيهِ بِالْقُرْآنِ وَالتَّسْبِيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ التَّوَسُّعِ مَا يُوَافِقُ السُّنَّةَ بِخِلَافِ الْكُوفِيِّينَ : فَإِنَّهُمْ ضَيَّقُوا فِي هَذَا الْبَابِ تَضْيِيقًا كَثِيرًا وَجَعَلُوا ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْكَلَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ .