القائمة
الرئيسية
عن الشيخ
تعريف بالشيخ
منهج الشيخ
أقوال العلماء
تلامذة الشيخ
مناظرات الشيخ
تعريف بالشيخ
منهج الشيخ
المــــراجــــــــع
تصنيــف المـراجــــــع
ترتيــب المراجع زمنيـاً
ترتيب المراجع أبجدياً
البحث المتقدم
البـحـث النـصــــي
البـحــث الفقهــي
الرئيسية
>
مَجْمُوعُ فتاوى ابْنِ تيمية
>
فَصْلٌ إثْبَاتُ الْأَفْعَالِ اللَّازِمَةِ كَالِاسْتِوَاءِ وَالْمَجِيءِ
مسألة تالية
تنسيق الخط:
16px
17px
18px
19px
20px
21px
22px
23px
24px
25px
26px
27px
28px
29px
30px
31px
32px
Adobe Arabic
Andalus
Arial
Simplified Arabic
Traditional Arabic
Tahoma
Times New Roman
Verdana
MS Sans Serif
(إخفاء التشكيل)
التحليل الفقهي
الأدلة
: الآيات | الأحاديث | آثار الصحابة | القياس | المعقول
الأعلام
: أعلام الرجال | الأنبياء | الفقهاء | الجماعات | كتب
التحليل الموضوعي
الْقَائِلُ : اللَّهُ يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ أَوْ عَلَامَاتِ الْحَدَثِ أَوْ كُلِّ مَا أَوْجَبَ نَقْصًا وَحُدُوثًا
وَالرَّبُّ مُنَزَّهٌ عَنْ الْحَاجَةِ إلَى مَا سِوَاهُ بِكُلِّ وَجْهٍ
الْقَائِلِ " كُلُّ مَا اسْتَلْزَمَ حُدُوثًا أَوْ نَقْصًا فَالرَّبُّ مُنَزَّهٌ عَنْهُ "
وَالْعَرْشُ صَغِيرٌ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى
قَوْله تَعَالَى {
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ
متن:
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ
الْقَائِلُ : اللَّهُ يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ أَوْ عَلَامَاتِ الْحَدَثِ أَوْ كُلِّ مَا أَوْجَبَ نَقْصًا وَحُدُوثًا
فَالرَّبُّ مُنَزَّهٌ عَنْهُ فَهَذَا كَلَامٌ حَقٌّ مَعْلُومٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . لَكِنَّ الشَّأْنَ فِيمَا تَقُولُ النَّافِيَةُ . إنَّهُ مِنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ وَآخَرُونَ يُنَازِعُونَهُمْ . لَا سِيَّمَا وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ تُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ قَالَتْ
الجهمية
: إنَّ قِيَامَ الصِّفَاتِ بِهِ . أَوْ قِيَامَ الصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ هُوَ مِنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ . وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَ
السَّلَفِ
وَأَئِمَّةِ السُّنَّةِ بَلْ وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ بَلْ مَا ذَكَرُوهُ يَقْتَضِي حُدُوثَ كُلِّ شَيْءٍ . فَإِنَّهُ مَا مِنْ مَوْجُودٍ إلَّا وَلَهُ صِفَاتٌ تَقُومُ بِهِ وَتَقُومُ بِهِ أَحْوَالٌ تَحْصُلُ بِالْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ . فَإِنْ كَانَ هَذَا مُسْتَلْزِمًا لِلْحُدُوثِ لَزِمَ حُدُوثُ كُلِّ شَيْءٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ قَدِيمٌ . وَهَذَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوَاضِعَ أَيْضًا . وَسِمَاتُ الْحَدَثِ الَّتِي تَسْتَلْزِمُ الْحُدُوثَ مِثْلُ افْتِقَارٍ إلَى الْغَيْرِ . فَكُلُّ مَا افْتَقَرَ إلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ .
وَالرَّبُّ مُنَزَّهٌ عَنْ الْحَاجَةِ إلَى مَا سِوَاهُ بِكُلِّ وَجْهٍ
. وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى الْعَرْشِ أَوْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ فَهُوَ جَاهِلٌ ضَالٌّ . بَلْ هُوَ الْغَنِيُّ بِنَفْسِهِ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ . وَهُوَ الصَّمَدُ الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ يَصْمُدُ إلَيْهِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ {
يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ
} وَمِنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ النَّقَائِصُ كَالْجَهْلِ وَالْعَمَى وَالصَّمَمِ وَالْبَكَمِ فَإِنَّ كُلَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُحْدَثًا
لِأَنَّ الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ مُتَّصِفٌ بِنَقِيضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ
وَصِفَاتُ الْكَمَالِ لَازِمَةٌ لَهُ . وَاللَّازِمُ يَمْتَنِعُ زَوَالُهُ إلَّا بِزَوَالِ الْمَلْزُومِ . وَالذَّاتُ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ وَاجِبَةٌ بِنَفْسِهَا غَنِيَّةٌ عَمَّا سِوَاهَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهَا الْعَدَمُ وَالْفَنَاءُ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ . فَيَسْتَحِيلُ عَدَمُ لَوَازِمِهَا فَيَسْتَحِيلُ اتِّصَافُهَا بِنَقِيضِ تِلْكَ اللَّوَازِمِ . فَلَا يُوصَفُ بِنَقِيضِهَا إلَّا الْمُحْدِثُ فَهِيَ مِنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِحُدُوثِ مَا اتَّصَفَ بِهَا . وَهَذَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِ
الْقَائِلِ " كُلُّ مَا اسْتَلْزَمَ حُدُوثًا أَوْ نَقْصًا فَالرَّبُّ مُنَزَّهٌ عَنْهُ "
. وَالنَّقْصُ الْمُنَاقِضُ لِصِفَاتِ كَمَالِهِ مُسْتَلْزِمٌ لِحُدُوثِ الْمُتَّصِفِ بِهِ وَالْحُدُوثُ مُسْتَلْزِمٌ لِلنَّقْصِ اللَّازِمِ لِلْمَخْلُوقِ . فَإِنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ فَهُوَ يَفْتَقِرُ إلَى غَيْرِهِ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَا يَعْلَمُ إلَّا مَا عَلِمَ وَلَا يَقْدِرُ إلَّا مَا أَقْدَرَ وَهُوَ مُحَاطٌ بِهِ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ . فَهَذِهِ النَّقَائِصُ اللَّازِمَةُ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ هِيَ مَلْزُومَةٌ لِلْحُدُوثِ حَيْثُ كَانَ حُدُوثٌ كَانَتْ . وَالْحُدُوثُ أَيْضًا مَلْزُومٌ لَهَا فَحَيْثُ كَانَ مُحْدِثٌ كَانَتْ هَذِهِ النَّقَائِصُ . فَقَوْلُنَا " مَا اسْتَلْزَمَ نَقْصًا أَوْ حُدُوثًا فَالرَّبُّ مُنَزَّهٌ عَنْهُ " حَقٌّ . وَالْحُدُوثُ وَالنَّقْصُ اللَّازِمُ لِلْمَخْلُوقِ مُتَلَازِمَانِ . وَالرَّبُّ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ جِهَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ امْتِنَاعِهِ فِي نَفْسِهِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْآخَرِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي نَفْسِهِ . فَكُلٌّ مِنْهُمَا دَلِيلٌ وَمَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارَيْنِ عَلَى أَنَّ الرَّبَّ مُنَزَّهٌ عَنْهُ وَعَنْ مَدْلُولِهِ الَّذِي هُوَ لَازِمُهُ . وَالْحَاجَةُ إلَى الْغَيْرِ وَالْفَقْرُ إلَيْهِ مِمَّا يَسْتَلْزِمُ الْحُدُوثَ وَالنَّقْصَ اللَّازِمَ لِلْمَخْلُوقِ . وَقَوْلِي " اللَّازِمَ " لِيَعُمَّ جَمِيعَ الْمَخْلُوقِينَ وَإِلَّا فَمِنْ النَّقَائِصِ مَا يَتَّصِفُ بِهَا بَعْضُ الْمَخْلُوقِينَ دُونَ بَعْضٍ . فَتِلْكَ لَيْسَتْ لَازِمَةً لِكُلِّ مَخْلُوقٍ . وَالرَّبُّ مُنَزَّهٌ عَنْهَا أَيْضًا
لَكِنْ إذَا نُزِّهَ عَنْ النَّقْصِ اللَّازِمِ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ فَعَنْ مَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُ الْمَخْلُوقِينَ أَوْلَى وَأَحْرَى . فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَخْلُوقٌ يُنَزَّهُ عَنْ نَقْصٍ فَالْخَالِقُ أَوْلَى بِتَنْزِيهِهِ عَنْهُ
. وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ " الْأَوْلَى " كَمَا دَلَّ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي جَوَابِ
" الْمَسَائِلِ التدمرية "
الْمُلَقَّبِ بـ
" تَحْقِيقِ الْإِثْبَاتِ لِلْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَبَيَانِ حَقِيقَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَدَرِ وَالشَّرْعِ "
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاكْتِفَاءُ فِيمَا يُنَزَّهُ الرَّبُّ عَنْهُ عَلَى عَدَمِ وُرُودِ السَّمْعِ وَالْخَبَرِ بِهِ فَيُقَالُ : كُلُّ مَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ أَثْبَتْنَاهُ وَمَا لَمْ يُرِدْ بِهِ لَمْ نُثْبِتْهُ بَلْ نَنْفِيهِ وَتَكُونُ عُمْدَتُنَا فِي النَّفْيِ عَلَى عَدَمِ الْخَبَرِ . بَلْ هَذَا غَلَطٌ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ عَدَمَ الْخَبَرِ هُوَ عَدَمُ دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ وَالدَّلِيلُ لَا يَنْعَكِسُ فَلَا يَلْزَمُ إذَا لَمْ يُخْبِرْ هُوَ بِالشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفِيًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ . وَلِلَّهِ أَسْمَاءٌ سَمَّى بِهَا نَفْسَهُ وَاسْتَأْثَرَ بِهَا فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ .
فَكَمَا لَا يَجُوزُ الْإِثْبَاتُ إلَّا بِدَلِيلِ لَا يَجُوزُ النَّفْيُ إلَّا بِدَلِيلِ
. وَلَكِنْ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْخَبَرَ وَلَمْ يَعْلَمْ ثُبُوتَهُ يَسْكُتُ عَنْهُ فَلَا يَتَكَلَّمُ فِي اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ . الثَّانِي : أَنَّ أَشْيَاءَ لَمْ يُرِدْ الْخَبَرَ بِتَنْزِيهِهِ عَنْهَا وَلَا بِأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْهَا لَكِنْ دَلَّ الْخَبَرُ عَلَى اتِّصَافِهِ بِنَقَائِضِهَا فَعُلِمَ انْتِفَاؤُهَا . فَالْأَصْلُ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ مَا يُنَاقِضُ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَهَذَا مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ السَّمْعُ وَالْعَقْلُ . وَمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الْخَبَرُ إنْ عُلِمَ انْتِفَاؤُهُ نَفَيْنَاهُ وَإِلَّا سَكَتْنَا عَنْهُ . فَلَا نُثْبِتُ إلَّا بِعِلْمِ وَلَا نَنْفِي إلَّا بِعِلْمِ . وَنَفْيُ الشَّيْءِ مِنْ الصِّفَاتِ وَغَيْرِهَا كَنَفْيِ دَلِيلِهِ طَرِيقَةُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالْخَبَرِ . وَهِيَ غَلَطٌ إلَّا إذَا كَانَ الدَّلِيلُ لَازِمًا لَهُ . فَإِذَا عُدِمَ اللَّازِمُ عُدِمَ الْمَلْزُومُ . وَأَمَّا جِنْسُ الدَّلِيلِ فَيَجِبُ فِيهِ الطَّرْدُ لَا الْعَكْسُ . فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الدَّلِيلِ وُجُودُ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ وَلَا يَنْعَكِسُ . فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ . مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ أُثْبِتَ وَمَا عُلِمَ انْتِفَاؤُهُ نُفِيَ وَمَا لَمْ يُعْلَمْ نَفْيُهُ وَلَا إثْبَاتُهُ سَكَتَ عَنْهُ . هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ . وَالسُّكُوتُ عَنْ الشَّيْءِ غَيْرِ الْجَزْمِ بِنَفْيِهِ أَوْ ثُبُوتِهِ . وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْ مَا أَثْبَتَهُ إلَّا بِالْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي أَثْبَتَهَا وَإِذَا تَكَلَّمَ بِغَيْرِهَا اسْتَفْسَرَ وَاسْتَفْصَلَ فَإِنْ وَافَقَ الْمَعْنَى الَّذِي أَثْبَتَهُ الشَّرْعُ أَثْبَتَهُ بِاللَّفْظِ الشَّرْعِيِّ فَقَدْ اعْتَصَمَ بِالشَّرْعِ لَفْظًا وَمَعْنًى . وَهَذِهِ سَبِيلُ مَنْ اعْتَصَمَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى . لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تُعْرَفَ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ إسْنَادًا وَمَتْنًا . فَالْقُرْآنُ مَعْلُومٌ ثُبُوتَ أَلْفَاظِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ وُجُوهُ دَلَالَتِهِ . وَالسُّنَّةُ يَنْبَغِي مَعْرِفَةُ مَا ثَبَتَ مِنْهَا وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ كَذِبٌ . فَإِنَّ طَائِفَةً مِمَّنْ انْتَسَبَ إلَى السُّنَّةِ وَعَظَّمَ السُّنَّةَ وَالشَّرْعَ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ اعْتَصَمُوا فِي هَذَا الْبَابِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ جَمَعُوا أَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِي الصِّفَاتِ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ مَعْلُومٌ أَنَّهُ كَذِبٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ إلَى الْكَذِبِ أَقْرَبُ وَمِنْهَا مَا هُوَ إلَى الصِّحَّةِ أَقْرَبُ وَمِنْهَا مُتَرَدَّدٌ . وَجَعَلُوا تِلْكَ الْأَحَادِيثَ عَقَائِدَ وَصَنَّفُوا مُصَنَّفَاتٍ . وَمِنْهُمْ مَنْ يُكَفِّرُ مَنْ يُخَالِفُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ . وَبِإِزَاءِ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِجِنْسِ الْحَدِيثِ وَمَنْ يَقُولُ عَنْ أَخْبَارِ
الصَّحِيحَيْنِ
وَغَيْرِهَا : هَذِهِ أَخْبَارُ آحَادٍ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ . وَأَبْلَغُ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ : دَلَالَةُ الْقُرْآنِ لَفْظِيَّةٌ سَمْعِيَّةٌ وَالدَّلَالَةُ السَّمْعِيَّةُ اللَّفْظِيَّةُ لَا تُفِيدُ الْيَقِينَ . وَيَجْعَلُونَ الْعُمْدَةَ عَلَى مَا يَدْعُونَهُ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ فَاسِدَةٌ مِنْهَا مَا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ وَكَذِبُهُ . وَهَؤُلَاءِ أَيْضًا قَدْ يُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ أُولَئِكَ . وَكِلَا الطَّرِيقَيْنِ بَاطِلٌ وَلَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مُخَالِفَهُ . فَإِذَا كَفَّرَ مُخَالِفَهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ يَبْتَدِعُونَ بِدْعَةً وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا كَمَا فَعَلَتْ
الْخَوَارِجُ
وَغَيْرُهُمْ . وَقَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْأَدِلَّةَ الَّتِي تُوجِبُ الْعِلْمَ لَا تُنَاقَضُ قَطُّ . وَلَا يُنَاقِضُ الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ الَّذِي يُفِيدُ الْعِلْمَ لِلدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ الَّذِي يُفِيدُ الْعِلْمَ قَطُّ كَمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ
" دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ "
. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ قَدْ ذَكَرَ بَعْضَهَا
الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى
فِي كِتَابِ
" إبْطَالِ التَّأْوِيلِ "
مِثْلُ مَا ذَكَرَ فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ حَدِيثًا طَوِيلًا عَنْ
أَبِي عُبَيْدَةَ
{
أَنَّ
مُحَمَّدًا
رَأَى رَبَّهُ
} . وَطَائِفَةٌ مِمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنِهِ يُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ لِمَا ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ كَمَا فَعَلَ
أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ شُكْرٍ
فَإِنَّهُ سَرِيعٌ إلَى تَكْفِيرِ مَنْ يُخَالِفُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ السُّنَّةِ وَقَدْ يَكُونُ مُخْطِئًا فِيهِ . إمَّا لِاحْتِجَاجِهِ بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ أَوْ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ لَكِنْ لَا تَدُلُّ عَلَى مَقْصُودِهِ . وَمَا أَصَابَ فِيهِ مِنْ السُّنَّةِ لَا يَجُوزُ تَكْفِيرُ كُلِّ مَنْ خَالَفَ فِيهِ . فَلَيْسَ كُلُّ مُخْطِئٍ كَافِرًا لَا سِيَّمَا فِي الْمَسَائِلِ الدَّقِيقَةِ الَّتِي كَثُرَ فِيهَا نِزَاعُ الْأَمَةِ كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ . وَكَذَلِكَ
أَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ
لَهُ مُصَنَّفٌ فِي الصِّفَاتِ قَدْ جَمَعَ فِيهِ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ . وَكَذَلِكَ مَا يَجْمَعُهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ منده
مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ حَدِيثًا لَكِنْ يَرْوِي شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ . وَرُبَّمَا جَمَعَ بَابًا وَكُلُّ أَحَادِيثِهِ ضَعِيفَةٌ كَأَحَادِيثِ أَكْلِ الطِّينِ وَغَيْرِهَا . وَهُوَ يَرْوِي عَنْ
أَبِي عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيِّ
. وَقَدْ وَقَعَ مَا رَوَاهُ مِنْ الْغَرَائِبِ الْمَوْضُوعَةِ إلَى
حَسَنِ بْنِ عَدِيٍّ
فَبَنَى عَلَى ذَلِكَ عَقَائِدَ بَاطِلَةً وَادَّعَى أَنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الدُّنْيَا عِيَانًا . ثُمَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِهَذَا مِنْ أَتْبَاعِهِ يُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ . وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْبِدَعِ كَمَا فَعَلَتْ
الْخَوَارِجُ
. وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ
الْمَشْهُورُ الَّذِي يَرْوِي عَنْ
عُمَرَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَاهُ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ المقدسي
فِي " مُخْتَارِهِ "
. وَطَائِفَةٌ مِنْ
أَهْلِ الْحَدِيثِ
تَرُدُّهُ لِاضْطِرَابِهِ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ
أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
وَابْنُ الْجَوْزِيِّ
وَغَيْرُهُمْ . لَكِنَّ أَكْثَرَ
أَهْلِ السُّنَّةِ
قَبِلُوهُ . وَفِيهِ قَالَ : {
إنَّ عَرْشَهُ أَوْ كُرْسِيَّهُ وَسِعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّهُ يَجْلِسُ عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ أَوْ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ إلَّا قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ بِرَاكِبِهِ
} . وَلَفْظُ " الْأَطِيطِ " قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ
جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ
الَّذِي رَوَاهُ
أَبُو داود
فِي
السُّنَنِ
.
وَابْنُ عَسَاكِر
عَمِلَ فِيهِ جُزْءًا وَجَعَلَ عُمْدَةَ الطَّعْنِ فِي
ابْنِ إسْحَاقَ
. وَالْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ عُلَمَاءُ السُّنَّةِ
كَأَحْمَدَ
وَأَبِي داود
وَغَيْرِهِمَا وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا لَهُ شَاهِدٌ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى . وَلَفْظُ " الْأَطِيطِ " قَدْ جَاءَ فِي غَيْرِهِ . وَحَدِيثُ
ابْنِ خَلِيفَةَ
رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَد
وَغَيْرُهُ مُخْتَصَرًا وَذَكَرَ أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ
وَكِيعٌ
. لَكِنْ كَثِيرٌ مِمَّنْ رَوَاهُ رَوَوْهُ بِقَوْلِهِ {
إنَّهُ مَا يَفْضُلُ مِنْهُ إلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ
} فَجَعَلَ الْعَرْشَ يَفْضُلُ مِنْهُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ . وَاعْتَقَدَ
الْقَاضِي
وَابْنُ الزاغوني
وَنَحْوُهُمَا صِحَّةَ هَذَا اللَّفْظَ فَأَمَرُّوهُ وَتَكَلَّمُوا عَلَى مَعْنَاهُ بِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يَحْصُلُ عَلَيْهِ الِاسْتِوَاءُ . وَذُكِرَ عَنْ
ابْنِ العايذ
أَنَّهُ قَالَ : هُوَ مَوْضِعُ جُلُوسِ
مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ
ابْنُ جَرِيرٍ الطبري
فِي تَفْسِيرِهِ
وَغَيْرُهُ وَلَفْظُهُ : {
وَإِنَّهُ لَيَجْلِسُ عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ
} بِالنَّفْيِ . فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ إلَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ هَذِهِ تَنْفِي مَا أَثْبَتَتْ هَذِهِ . وَلَا يُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ الْجَزْمِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْإِثْبَاتَ وَأَنَّهُ يَفْضُلُ مِنْ الْعَرْشِ أَرْبَعُ أَصَابِعَ لَا يَسْتَوِي عَلَيْهَا الرَّبُّ . وَهَذَا مَعْنًى غَرِيبٌ لَيْسَ لَهُ قَطُّ شَاهِدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ . بَلْ هُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعَرْشُ أَعْظَمَ مِنْ الرَّبِّ وَأَكْبَرَ . وَهَذَا بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِلْعَقْلِ . وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُ إنَّمَا عَرَفَ عَظَمَةَ الرَّبِّ بِتَعْظِيمِ الْعَرْشِ الْمَخْلُوقِ وَقَدْ جَعَلَ الْعَرْشَ أَعْظَمَ مِنْهُ . فَمَا عَظُمَ الرَّبُّ إلَّا بِالْمُقَايَسَةِ بِمَخْلُوقِ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ الرَّبِّ . وَهَذَا مَعْنًى فَاسِدٌ مُخَالِفٌ لِمَا عُلِمَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ . فَإِنَّ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُبَيِّنَ عَظَمَةَ الرَّبِّ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَا يَعْلَمُ عَظَمَتَهُ . فَيَذْكُرُ عَظَمَةَ الْمَخْلُوقَاتِ وَيُبَيِّنُ أَنَّ الرَّبَّ أَعْظَمُ مِنْهَا . كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي فِي
سُنَنِ
أَبِي داود
وَالتِّرْمِذِيِّ
وَغَيْرِهِمَا حَدِيثِ الْأَطِيطِ لَمَّا قَالَ الْأَعْرَابِيُّ : {
إنَّا نَسْتَشْفِعُ بِاَللَّهِ عَلَيْك وَنَسْتَشْفِعُ بِك عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ : وَيْحَك أَتَدْرِي مَا تَقُولُ ؟ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ ؟ شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ . إنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ هَكَذَا وَقَالَ بِيَدِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ بِرَاكِبِهِ
} . فَبَيَّنَ عَظَمَةَ الْعَرْشِ وَأَنَّهُ فَوْقَ السَّمَوَاتِ مِثْلَ الْقُبَّةِ . ثُمَّ بَيَّنَ تَصَاغُرَهُ لِعَظَمَةِ اللَّهِ وَأَنَّهُ يَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ بِرَاكِبِهِ . فَهَذَا فِيهِ تَعْظِيمُ الْعَرْشِ وَفِيهِ أَنَّ الرَّبَّ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ . كَمَا فِي
الصَّحِيحَيْنِ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ
سَعْدٍ
؟ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَغَيْرُ مِنِّي
} . وَقَالَ : {
لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ . مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
} وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ . وَهَذَا وَغَيْرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ فِي رِوَايَتِهِ النَّفْيُ وَأَنَّهُ ذَكَرَ عَظَمَةَ الْعَرْشِ وَأَنَّهُ مَعَ هَذِهِ الْعَظَمَةِ فَالرَّبُّ مُسْتَوٍ عَلَيْهِ كُلِّهِ لَا يَفْضُلُ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ . وَهَذِهِ غَايَةُ مَا يُقَدَّرُ بِهِ فِي الْمِسَاحَةِ مِنْ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ كَمَا يُقَدَّرُ فِي الْمِيزَانِ قَدْرُهُ فَيُقَالُ : مَا فِي السَّمَاءِ قَدْرُ كَفٍّ سَحَابًا . فَإِنَّ النَّاسَ يُقَدِّرُونَ الْمَمْسُوحَ بِالْبَاعِ وَالذِّرَاعِ وَأَصْغَرُ مَا عِنْدَهُمْ الْكَفُّ . فَإِذَا أَرَادُوا نَفْيَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ قَدَّرُوا بِهِ فَقَالُوا : مَا فِي السَّمَاءِ قَدْرُ كَفٍّ سَحَابًا كَمَا يَقُولُونَ فِي النَّفْيِ الْعَامِّ {
إنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
} و {
مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ
} وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَبَيَّنَ الرَّسُولُ أَنَّهُ لَا يَفْضُلُ مِنْ الْعَرْشِ شَيْءٌ وَلَا هَذَا الْقَدْرُ الْيَسِيرُ الَّذِي هُوَ أَيْسَرُ مَا يُقَدَّرُ بِهِ وَهُوَ أَرْبَعُ أَصَابِعَ . وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِلُغَةِ
الْعَرَبِ
وَمُوَافِقٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مُوَافِقٌ لِطَرِيقَةِ بَيَانِ الرَّسُولِ لَهُ شَوَاهِدُ . فَهُوَ الَّذِي يُجْزَمُ بِأَنَّهُ فِي الْحَدِيثِ . وَمَنْ قَالَ " مَا يَفْضُلُ إلَّا مِقْدَارَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ " فَمَا فَهِمُوا هَذَا الْمَعْنَى فَظَنُّوا أَنَّهُ اسْتَثْنَى فَاسْتَثْنَوْا فَغَلِطُوا . وَإِنَّمَا هُوَ تَوْكِيدٌ لِلنَّفْيِ وَتَحْقِيقٌ لِلنَّفْيِ الْعَامِّ . وَإِلَّا فَأَيُّ حِكْمَةٍ فِي كَوْنِ الْعَرْشِ يَبْقَى مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ خَالِيَةٍ وَتِلْكَ الْأَصَابِعُ أَصَابِعُ مِنْ النَّاسِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا أَصَابِعُ الْإِنْسَانِ . فَمَا بَالُ هَذَا الْقَدْرُ الْيَسِيرُ لَمْ يَسْتَوِ الرَّبُّ عَلَيْهِ ؟
وَالْعَرْشُ صَغِيرٌ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى
. وَقَدْ جَاءَ حَدِيثٌ رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ
فِي قَوْلِهِ {
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
} لِمَعْنَاهُ شَوَاهِدُ تَدُلُّ عَلَى هَذَا . فَيَنْبَغِي أَنْ نَعْتَبِرَ الْحَدِيثَ فَنُطَابِقَ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . فَهَذَا هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ حَدَّثَنَا
أَبُو زُرْعَةَ
ثِنَا
مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ
أَنْبَأَ
بِشْرُ بْنُ عِمَارَةَ
عَنْ
أَبِي رَوْقٍ
عَنْ
عَطِيَّةَ العوفي
عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الخدري
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
قَوْله تَعَالَى {
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ
}
قَالَ : {
لَوْ أَنَّ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَالشَّيَاطِينَ وَالْمَلَائِكَةَ مُنْذُ خُلِقُوا إلَى أَنْ فَنُوا صُفُّوا صَفًّا وَاحِدًا مَا أَحَاطُوا بِاَللَّهِ أَبَدًا
} . وَهَذَا لَهُ شَوَاهِدُ مِثْلُ مَا فِي
الصِّحَاحِ
فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {
وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ
} قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ
: مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُونَ السَّبْعُ وَمَنْ فِيهِنَّ فِي يَدِ الرَّحْمَنِ إلَّا كَخَرْدَلَةِ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ
. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَرْشَ لَا يَبْلُغُ هَذَا فَإِنَّ لَهُ حَمَلَةً وَلَهُ حَوْلٌ . قَالَ تَعَالَى {
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ
} . وَهَذَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي " مَسْأَلَةِ الْإِحَاطَةِ " وَغَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .