تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ . فَصْلٌ السُّورُ الْقِصَارُ فِي أَوَاخِرِ الْمُصْحَفِ مُتَنَاسِبَةٌ . فَسُورَةُ ( اقْرَأْ هِيَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ ; وَلِهَذَا اُفْتُتِحَتْ بِالْأَمْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَخُتِمَتْ بِالْأَمْرِ بِالسُّجُودِ وَوُسِّطَتْ بِالصَّلَاةِ الَّتِي أَفْضَلُ أَقْوَالِهَا وَأَوَّلُهَا بَعْدَ التَّحْرِيمِ هُوَ الْقِرَاءَةُ وَأَفْضَلُ أَفْعَالِهَا وَآخِرُهَا قَبْلَ التَّحْلِيلِ هُوَ السُّجُودُ ; وَلِهَذَا لَمَّا أُمِرَ بِأَنْ يَقْرَأَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ بَعْدَهَا الْمُدَّثِّرُ لِأَجْلِ التَّبْلِيغِ فَقِيلَ لَهُ : { قُمْ فَأَنْذِرْ } فَبِالْأُولَى صَارَ نَبِيًّا وَبِالثَّانِيَةِ صَارَ رَسُولًا ; وَلِهَذَا خُوطِبَ بِالْمُتَدَثِّرِ وَهُوَ الْمُتَدَفِّئُ مِنْ بَرْدِ الرُّعْبِ وَالْفَزَعِ الْحَاصِلُ بِعَظَمَةِ مَا دَهَمَهُ لَمَّا رَجَعَ إلَى خَدِيجَةَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ وَقَالَ دَثِّرُونِي دَثِّرُونِي فَكَأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الِاسْتِدْفَاءِ وَأَمْرٌ بِالْقِيَامِ لِلْإِنْذَارِ كَمَا خُوطِبَ فِي ( الْمُزَّمِّلِ وَهُوَ الْمُتَلَفِّفُ لِلنَّوْمِ لَمَّا أُمِرَ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ فَلَمَّا أُمِرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِالْقِرَاءَةِ ذَكَرَ فِي الَّتِي تَلِيهَا نُزُولَ الْقُرْآنِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَذَكَرَ فِيهَا تَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ وَفِي ( الْمَعَارِجِ عُرُوجَ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ وَفِي ( النَّبَأِ قِيَامَ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ . فَذَكَرَ الصُّعُودَ وَالنُّزُولَ وَالْقِيَامَ ثُمَّ فِي الَّتِي تَلِيهَا تِلَاوَتَهُ عَلَى الْمُنْذَرِينَ حَيْثُ قَالَ : { يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً } { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } . فهذه السُّوَرُ الثَّلَاثُ مُنْتَظِمَةٌ لِلْقُرْآنِ أَمْرًا بِهِ وَذِكْرًا لِنُزُولِهِ وَلِتِلَاوَةِ الرَّسُولِ لَهُ عَلَى الْمُنْذَرِينَ ثُمَّ سُورَةُ ( الزَّلْزَلَةِ و ( الْعَادِيَّاتِ و ( الْقَارِعَةِ و ( التَّكَاثُرِ مُتَضَمِّنَةٌ لِذِكْرِ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا فِيهِ مِنْ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قِيلَ هُوَ النَّبَأُ الْعَظِيمُ . ثُمَّ سُورَةُ ( الْعَصْرِ و ( الْهُمَزَةِ و ( الْفِيلِ و ( لِإِيلَافِ و ( أَرَأَيْت و ( الْكَوْثَرِ و ( الْكَافِرُونَ و ( النَّصْرِ و ( تَبَّتْ مُتَضَمِّنَةٌ لِذِكْرِ الْأَعْمَالِ حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ سُورَةٍ خَاصَّةٌ . وَأَمَّا سُورَةُ ( الْإِخْلَاصِ و ( الْمُعَوِّذَتَانِ فَفِي الْإِخْلَاصِ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ وَفِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ دُعَاءُ الْعَبْدِ رَبَّهُ لِيُعِيذَهُ وَالثَّنَاءُ مَقْرُونٌ بِالدُّعَاءِ كَمَا قَرَنَ بَيْنَهُمَا فِي أُمِّ الْقُرْآنِ الْمَقْسُومَةِ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ : نِصْفُهَا ثَنَاءٌ لِلرَّبِّ وَنِصْفُهَا دُعَاءٌ لِلْعَبْدِ وَالْمُنَاسَبَةُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ ; فَإِنَّ أَوَّلَ الْإِيمَانِ بِالرَّسُولِ الْإِيمَانُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ الرِّسَالَةِ وَهُوَ الْقُرْآنُ ثُمَّ الْإِيمَانُ بِمَقْصُودِ ذَلِكَ وَغَايَتُهُ وَهُوَ مَا يَنْتَهِي الْأَمْرُ إلَيْهِ مِنْ النَّعِيمِ وَالْعَذَابِ : وَهُوَ الْجَزَاءُ ثُمَّ مَعْرِفَةُ طَرِيقِ الْمَقْصُودِ وَسَبَبُهُ وَهُوَ الْأَعْمَالُ : خَيْرُهَا لِيَفْعَلَ وَشَرُّهَا لِيَتْرُكَ . ثُمَّ خَتَمَ الْمُصْحَفَ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ وَدُعَاؤُهُ كَمَا بُنِيَتْ عَلَيْهِ أُمُّ الْقُرْآنِ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْإِنْسَانِ الْمَعْنَوِيَّةَ هُوَ الْمَنْطِقُ وَالْمَنْطِقُ قِسْمَانِ : خَبَرٌ وَإِنْشَاءٌ وَأَفْضَلُ الْخَبَرِ وَأَنْفَعُهُ وَأَوْجَبُهُ مَا كَانَ خَبَرًا عَنْ اللَّهِ كَنِصْفِ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَأَفْضَلُ الْإِنْشَاءِ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ وَأَنْفَعُهُ وَأَوْجَبُهُ مَا كَانَ طَلَبًا مِنْ اللَّهِ كَالنِّصْفِ الثَّانِي مِنْ الْفَاتِحَةِ وَالْمُعَوِّذَتَيْن .