تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَقَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الرِّوَايَةِ وَأَسْمَاءِ الْأَنْوَاعِ مِثْلَ : حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا وَسَمِعْت وَقَرَأْت وَالْمُشَافَهَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْإِجَازَةِ وَالْوِجَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَنَقُولُ : الْكَلَامُ فِي شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مِمَّا تَصِحُّ الرِّوَايَةُ بِهِ وَيَثْبُتُ بِهِ الِاتِّصَالُ . وَالثَّانِي : فِي التَّعْبِيرِ عَنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنْوَاعٌ : ( أَحَدُهَا أَنْ يَسْمَعَ مِنْ لَفْظِ الْمُحَدِّثِ سَوَاءٌ رَآهُ أَوْ لَمْ يَرَهُ كَمَا سَمِعَ الصَّحَابَةُ الْقُرْآنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَدِيثَ أَيْضًا وَكَمَا كَانَ يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِمْ وَقَرَأَ عَلَى أبي ( سُورَةَ لَمْ يَكُنْ ) فَإِنَّ هَذَا لَمْ يُفَرِّقْ النَّاسُ بَيْنَهُمَا كَمَا فَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي الشَّهَادَةِ ثُمَّ ذَلِكَ الْقَائِلُ تَارَةً يَقْصِدُ التَّحْدِيثَ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَحْدَهُ أَوْ لِأَقْوَامِ مُعَيَّنِينَ هُوَ أَحَدُهُمْ ; وَتَارَةً يَقْصِدُ التَّحْدِيثَ الْمُطْلَقَ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ فَيَكُونُ هُوَ أَحَدَ السَّامِعِينَ ; وَتَارَةً يَقْصِدُ تَحْدِيثَ غَيْرِهِ فَيَسْمَعُ هُوَ ; فَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إذَا قَالَ ; سَمِعْت فُلَانًا يَقُولُ فَقَدْ أَصَابَ وَإِنْ قَالَ : حَدَّثَنَا أَوْ حَدَّثَنِي - وَكَانَ الْمُحَدِّثُ قَدْ قَصَدَ التَّحْدِيثَ لَهُ مُعَيَّنًا أَوْ مُطْلَقًا - فَقَدْ أَصَابَ كَمَا يَقُولُ الشَّاهِدُ فِيمَا أُشْهِدَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُكْمِ وَالْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَاتِ : أَشْهَدَنِي وَأَشْهَدَنَا وَإِنْ كَانَ قَدْ قَصَدَ تَحْدِيثَ غَيْرِهِ فَسَمِعَ هُوَ فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَرْعَى الشَّهَادَةَ غَيْرُهُ فَسَمِعَهَا فَإِنَّهُ تَصِحُّ الشَّهَادَةُ لَكِنْ لَفْظُ أَشْهَدَنِي وَحَدَّثَنَا فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَوْ قَالَ : حَدَّثَ وَأَنَا أَسْمَعُ كَانَ حَسَنًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُحَدِّثُ أَحَدًا وَإِنَّمَا سَمِعَهُ يَتَكَلَّمُ بِالْحَدِيثِ فَهُوَ يُشْبِهُ الشَّهَادَةَ مِنْ غَيْرِ اسْتِرْعَاءٍ وَيُشْبِهُ الشَّهَادَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْحُكْمِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِثْبَاتِ كَالسَّمْعِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِدُونِ التَّحْمِيلِ بِالِاتِّفَاقِ . وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى الإخبارات كَالشَّهَادَاتِ وَالْإِقْرَارَاتِ فَفِيهَا نِزَاعٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ وَبَابُ الرِّوَايَةِ أَوْسَعُ لَكِنْ لَيْسَ مَنْ قَصَدَ تَحْدِيثَ غَيْرِهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَكَلَّمَ لِنَفْسِهِ . فَإِنَّ الرَّجُلَ يَتَكَلَّمُ مَعَ نَفْسِهِ بِأَشْيَاءَ وَيَسْتَرْسِلُ فِي الْحَدِيثِ فَإِذَا عَرَفَ أَنَّ الْغَيْرَ يَتَحَمَّلُ ذَلِكَ تَحَفَّظَ ; وَلِهَذَا كَانُوا لَا يَرْوُونَ أَحَادِيثَ الْمُذَاكَرَةِ بِذَاكَ . وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَد يُذَاكِرُ بِأَشْيَاءَ مِنْ حِفْظِهِ فَإِذَا طَلَبَ الْمُسْتَمِعُ الرِّوَايَةَ أَخْرَجَ كِتَابَهُ فَحَدَّثَ مِنْ الْكِتَابِ . فَهُنَا ثَلَاثُ مَرَاتِبَ : أَنْ يَقْصِدَ اسْتِرْعَاءَهُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِيلَهُ لِيَرْوِيَهُ عَنْهُ وَأَنْ يَقْصِدَ مُحَادَثَتَهُ بِهِ لَا لِيَرْوِيَهُ عَنْهُ وَأَنْ لَا يَقْصِدَ إلَّا التَّكَلُّمَ بِهِ مَعَ نَفْسِهِ .