مسألة تالية
متن:
( الرَّابِعُ الْإِجَازَةُ : فَإِذَا كَانَتْ لِشَيْءِ مُعَيَّنٍ قَدْ عَرَفَهُ الْمُجِيزُ فَهِيَ كَالْمُنَاوَلَةِ وَهِيَ : عَرْضُ الْعَرْضِ ; فَإِنَّ الْعَارِضَ تَكَلَّمَ بِالْمَعْرُوضِ مُفَصَّلًا فَقَالَ الشَّيْخُ : نَعَمْ وَالْمُسْتَجِيزُ قَالَ : أَجَزْت لِي أَنْ أُحَدِّثَ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ فَقَالَ الْمُجِيزُ : نَعَمْ ; فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ فِي الْعَرْضِ سَمِعَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ وَهُنَا سَمِعَ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَدْ عَلِمَ مَضْمُونَ اللَّفْظِ بِرُؤْيَةِ مَا فِي الْكِتَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْإِجَازَةُ تَحْدِيثٌ وَإِخْبَارٌ وَمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ الْمَدَنِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : الْإِجَازَةُ كَالسَّمَاعِ وَأَنَّهُمْ قَالُوا : حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا وَسَمِعْت وَاحِدًا فَإِنَّمَا أَرَادُوا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - هَذِهِ الْإِجَازَةَ مِثْلُ مَنْ جَاءَ إلَى مَالِكٍ فَقَالَ : هَذَا الْمُوَطَّأُ أَجِزْهُ لِي فَأَجَازَهُ لَهُ . فَأَمَّا الْمُطْلَقَةُ فِي الْمُجَازِ فَهِيَ شِبْهُ الْمُطْلَقَةِ فِي الْمُجَازِ لَهُ ; فَإِنَّهُ إذَا قَالَ : أَجَزْت لَك مَا صَحَّ عِنْدَك مِنْ أَحَادِيثِي صَارَتْ الرِّوَايَةُ بِذَلِكَ مَوْقُوفَةً عَلَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِ فَإِنْ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ اسْتَغْنَى عَنْ الْإِجَازَةِ وَإِنْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ فَذَلِكَ الْغَيْرُ هُوَ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ عَنْهُ وَالْإِجَازَةُ لَمْ تَعْرِفْهُ الْحَدِيثُ وَتُفِيدُهُ عِلْمُهُ كَمَا عَرَّفَهُ ذَلِكَ السَّمَاعُ مِنْهُ وَالْعَرْضُ عَلَيْهِ ; وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ مِثْلُ هَذِهِ فِي الشَّهَادَاتِ . وَأَمَّا نَظِيرُ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِهَا فِي الشَّهَادَاتِ لَكِنْ قَدْ ذَكَرْت فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الرِّوَايَةَ لَهَا مَقْصُودَانِ : الْعِلْمُ وَالسِّلْسِلَةُ فَأَمَّا الْعِلْمُ فَلَا يَحْصُلُ بِالْإِجَازَةِ وَأَمَّا السِّلْسِلَةُ فَتَحْصُلُ بِهَا كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ الْيَوْمَ عَلَى شَيْخٍ فَهُوَ فِي الْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَرَأَهُ مِنْ خَمْسمِائَةِ سَنَةً وَأَمَّا فِي السِّلْسِلَةِ فَقِرَاءَتُهُ عَلَى الْمُقْرِئِ الْقَرِيبِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَى فِي السِّلْسِلَةِ وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيّ وَابْنِ عُلَيَّةَ كَتَوَاتُرِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ وَسُنَنِ أَبِي داود عَنْهُ وَصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ لَا فَرْقَ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْبُخَارِيِّ وَبَيْنَ الْإِنْسَانِ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ ; لِأَنَّ الْكِتَابَ مُتَوَاتِرٌ عَنْهُ فَأَمَّا السِّلْسِلَةُ فَالْعُلُوّ أَشْرَفُ مِنْ النُّزُولِ فَفَائِدَةُ الْإِجَازَةِ الْمُطْلَقَةِ مِنْ جِنْسِ فَائِدَةِ الْإِسْنَادِ الْعَالِي بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّازِلِ إذَا لَمْ يَفِدْ زِيَادَةً فِي الْعِلْمِ . وَهَلْ هَذَا الْمَقْصُودُ دِينٌ مُسْتَحَبٌّ ؟ هَذَا يُتَلَقَّى مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَدْ قَالَ أَحْمَد : طَلَبُ الْإِسْنَادِ الْعَالِي سُنَّةٌ عَمَّنْ مَضَى كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ يَرْحَلُونَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى الْمَدِينَةِ لِيُشَافِهُوا الصَّحَابَةَ فَنَقُولُ : كُلَّمَا قَرُبَ الْإِسْنَادُ كَانَ أَيْسَرَ مَئُونَةً وَأَقَلَّ كُلْفَةً وَأَسْهَلَ فِي الرِّوَايَةِ وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ قَدْ عُلِمَتْ صِحَّتُهُ وَأَنَّ فُلَانًا رَوَاهُ وَأَنَّ مَا يُرْوَى عَنْهُ لِاتِّصَالِ الرِّوَايَةِ فَالْقُرْبُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْبُعْدِ فَهَذَا فَائِدَةُ الْإِجَازَةِ . وَمَنَاطُ الْأَمْرِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْإِسْنَادِ الْمُفِيدِ لِلصِّحَّةِ وَالرِّوَايَةِ الْمُحَصِّلَةِ لِلْعِلْمِ وَبَيْنَ الْإِسْنَادِ الْمُفِيدِ لِلرِّوَايَةِ وَالرِّوَايَةِ الْمُفِيدَةِ لِلْإِسْنَادِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .