مسألة تالية
متن:
الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ : أَنَّ الْحَسَنَاتِ الَّتِي هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ تُذْهِبُ بِعُقُوبَةِ الذُّنُوبِ وَالسَّيِّئَاتِ الَّتِي هِيَ فِعْلُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَإِنَّ فَاعِلَ الْمَنْهِيِّ يَذْهَبُ إثْمُهُ بِالتَّوْبَةِ وَهِيَ حَسَنَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا وَبِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْمُقَاوِمَةِ وَهِيَ حَسَنَاتٌ مَأْمُورٌ بِهَا وَبِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَفَاعَتِهِ وَدُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَشَفَاعَتِهِمْ وَبِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تَهْدِي إلَيْهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْحَسَنَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا . فَمَا مِنْ سَيِّئَةٍ هِيَ فِعْلُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ إلَّا لَهَا حَسَنَةٌ تُذْهِبُهَا هِيَ فِعْلُ مَأْمُورٍ بِهِ حَتَّى الْكُفْرَ سَوَاءٌ كَانَ وُجُودِيًّا أَوْ عَدَمِيًّا فَإِنَّ حَسَنَةَ الْإِيمَانِ تُذْهِبُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَفِي رِوَايَةٍ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَأَمَّا الْحَسَنَاتُ فَلَا تُذْهِبُ ثَوَابَهَا السَّيِّئَاتُ مُطْلَقًا فَإِنَّ حَسَنَةَ الْإِيمَانِ لَا تُذْهِبُ إلَّا بِنَقِيضِهَا وَهُوَ الْكُفْرُ ; لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِي الْإِيمَانَ فَلَا يَصِيرُ الْكَافِرُ مُؤْمِنًا فَلَوْ زَالَ الْإِيمَانُ زَالَ ثَوَابُهُ لَا لِوُجُودِ سَيِّئَةٍ وَلِهَذَا كَانَ كُلُّ سَيِّئَةٍ لَا تُذْهِبُ بِعَمَلِ لَا يَزُولُ ثَوَابُهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى الْمُبْتَدِعَةِ مِنْ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّ الْخَوَارِجَ يَرَوْنَ الْكَبِيرَةَ مُوجِبَةً لِلْكُفْرِ الْمُنَافِي لِلْإِيمَانِ وَالْمُعْتَزِلَةَ يَرَوْنَهَا مُخْرِجَةً لَهُ مِنْ الْإِيمَانِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي الْكُفْرِ وَأَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَرَوْنَ أَصْلَ إيمَانِهِ بَاقِيًا فَقَدْ اتَّفَقَتْ الطَّوَائِفُ عَلَى أَنَّهُ مَعَ وُجُودِ إيمَانِهِ لَا يَزُولُ ثَوَابُهُ بِشَيْءِ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَالْكُفْرِ وَإِنْ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّ مَعَ وُجُودِهِ لَا يَزُولُ عِقَابُهُ بِشَيْءِ مِنْ الْحَسَنَاتِ فَذَلِكَ لِأَنَّ الْكُفْرَ يَكْفِي فِيهِ عَدَمُ الْإِيمَانِ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مَوْجُودًا كَمَا تَقَدَّمَ فَعُقُوبَةُ الْكُفْرِ هِيَ تَرْكُ الْإِيمَانِ وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهَا عُقُوبَاتٌ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ الْكُفْرِ الْوُجُودِيِّ أَيْضًا . وَكَذَلِكَ قَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ ثَوَابِ الطَّاعَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا مَا يَدْفَعُ وَيَرْفَعُ عُقُوبَةَ الْمَعَاصِي الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فَإِذَا كَانَ جِنْسُ ثَوَابِ الْحَسَنَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا يَدْفَعُ عُقُوبَةَ كُلِّ مَعْصِيَةٍ وَلَيْسَ جِنْسُ عُقُوبَاتِ السَّيِّئَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا يَدْفَعُ ثَوَابَ كُلِّ حَسَنَةٍ : ثَبَتَ رُجْحَانُ الْحَسَنَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا عَلَى تَرْكِ السَّيِّئَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا . وَفِي هَذَا الْمَعْنَى مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّهَا تُطْفِئُ نَارَ السَّيِّئَاتِ ; مِثْلَ حَدِيثِ الْبِطَاقَةِ وَغَيْرِهِ .