مسألة تالية
متن:
الْوَجْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ أَنَّ النَّاسَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالْأَمْرِ وُجُودُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ ضِدِّهِ وَيَقُولُ الْفُقَهَاءُ : الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَنَازَعٌ فِيهِ . وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِطَرِيقِ اللَّازِمِ وَقَدْ يَقْصِدُهُ الْآمِرُ وَقَدْ لَا يَقْصِدُهُ وَأَمَّا الْمَطْلُوبُ بِالنَّهْيِ فَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ نَفْسُ عَدَمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ . وَقِيلَ : لَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْعَدَمَ لَيْسَ مَقْدُورًا وَلَا مَقْصُودًا بَلْ الْمَطْلُوبُ فِعْلُ ضِدِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ وَهُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ . وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّ مَقْصُودَ النَّاهِي قَدْ يَكُونُ نَفْسَ عَدَمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ; وَقَدْ يَكُونُ فِعْلَ ضِدِّهِ ; وَذَلِكَ الْعَدَمُ عَدَمٌ خَاصٌّ مُقَيَّدٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا بِفِعْلِ ضِدِّهِ فَيَكُونُ فِعْلُ الضِّدِّ طَرِيقًا إلَى مَطْلُوبِ النَّاهِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْسَ الْمَقْصُودِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاهِيَ إنَّمَا نَهَى عَنْ الشَّيْءِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ فَالْمَقْصُودُ عَدَمُهُ كَمَا يَنْهَى عَنْ قَتْلِ النَّفْسِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَإِنَّمَا نَهَى لِابْتِلَاءِ الْمُكَلَّفِ وَامْتِحَانِهِ كَمَا نَهَى قَوْمُ طَالُوتَ عَنْ الشُّرْبِ إلَّا بِمَلْءِ الْكَفِّ فَالْمَقْصُودُ هُنَا طَاعَتُهُمْ وَانْقِيَادُهُمْ وَهُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ وَإِذَا كَانَ وُجُودِيًّا فَهُوَ الطَّاعَةُ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَصَارَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ تَابِعٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ ; فَإِنَّ مَقْصُودَهُ إمَّا عَدَمُ مَا يَضُرُّ الْمَأْمُورُ بِهِ أَوْ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَإِذَا كَانَ إمَّا حَاوِيًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ ; أَوْ فَرْعًا مِنْهُ : ثَبَتَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ أَكْمَلُ وَأَشْرَفُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ .