مسألة تالية
متن:
فَصْلٌ فِي الْغَلَطِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ التَّوَجُّهِ إلَى اللَّهِ إذَا أَقْبَلُوا عَلَى ذِكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ : شَهِدُوا بِقُلُوبِهِمْ هَذِهِ الرُّبُوبِيَّةَ الْجَامِعَةَ وَهَذِهِ الْإِحَاطَةَ الْعَامَّةَ فَإِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْحَقُّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ مَا خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إلَّا بِالْحَقِّ وَهُوَ سُبْحَانَهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } الْآيَةَ . وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَيْسَ عِنْدَهُ لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ . نُورُ السَّمَوَاتِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ . هَكَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : " لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ أَوْ النَّارُ لَوْ كَشَفَهَا لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ " هَكَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي مُوسَى . فَقَدْ يَشْهَدُ الْعَبْدُ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْمَصْنُوعَاتِ وَهُوَ الْحَقُّ الْمَوْجُودُ فِيهَا الَّذِي هُوَ شَامِلٌ لَهَا فَيَظُنُّ أَنَّهُ الْخَالِقُ لِمُطَابَقَتِهِ لَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْعُمُومِ وَإِنَّمَا هُوَ صُنْعُهُ وَخَلْقُهُ ثُمَّ قَدْ يَرْتَقِي إلَى حِجَابٍ مِنْ حُجُبِهِ النُّورِيَّةِ أَوْ النَّارِيَّةِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ هُوَ ثُمَّ يَرْتَقِي إلَى نُورِهِ وَمَا يَظْهَرُ مِنْ أَثَرِ صِفَاتِهِ ; فَقَدْ يَقَعُ بَعْضُ هَؤُلَاءِ فِي نَحْوٍ مَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الِاتِّحَادِ الْمُطْلَقِ الْعَامِّ ; فَإِنْ تَدَارَكَهُمْ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ فَاعْتَصَمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ وَاتَّبَعُوا هُدَى اللَّهِ : عَلِمُوا أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ وَأَنَّ الْخَالِقَ لَيْسَ هُوَ الْمَخْلُوقَ وَأَنَّ جَمِيعَهُمْ عِبَادٌ لِلَّهِ وَرُبَّمَا قَدْ يَقَعُ هَذَا فِي نَوْعٍ مِنْ الْفَنَاءِ أَوْ السُّكْرِ فَيَكُونُ مُخْطِئًا غالطا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَغْفُورًا لَهُ إذَا كَانَ بِسَبَبِ غَيْرِ مَحْظُورٍ كَمَا ذَكَرْنَا نَظِيرَهُ فِي الِاتِّحَادِ الْمُعَيَّنِ .