القائمة
الرئيسية
عن الشيخ
تعريف بالشيخ
منهج الشيخ
أقوال العلماء
تلامذة الشيخ
مناظرات الشيخ
تعريف بالشيخ
منهج الشيخ
المــــراجــــــــع
تصنيــف المـراجــــــع
ترتيــب المراجع زمنيـاً
ترتيب المراجع أبجدياً
البحث المتقدم
البـحـث النـصــــي
البـحــث الفقهــي
الرئيسية
>
مَجْمُوعُ فتاوى ابْنِ تيمية
>
فَصْلٌ فِي بيان ما يُشْبِهُ الِاتِّحَادَ أَوْ الْحُلُولَ فِي مُعَيَّنٍ وهو بَاطِلٌ مَحْضٌ
مسألة تالية
تنسيق الخط:
16px
17px
18px
19px
20px
21px
22px
23px
24px
25px
26px
27px
28px
29px
30px
31px
32px
Adobe Arabic
Andalus
Arial
Simplified Arabic
Traditional Arabic
Tahoma
Times New Roman
Verdana
MS Sans Serif
(إخفاء التشكيل)
التحليل الفقهي
الأدلة
: الآيات
الأعلام
: أعلام الرجال | الأنبياء | الجماعات
التحليل الموضوعي
مَا يُظْهِرُهُ الرَّبُّ مِنْ آثَارِ رُبُوبِيَّتِهِ فِي بَعْضِ عِبَادِهِ
الْحَوَادِثَ إنَّمَا تَكُونُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ
اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ فَرَّقَ بِالْقُرْآنِ وَبِالْإِيمَانِ بَيْنَ أَمْرِهِ الدِّينِيِّ وَخَلْقِهِ الْكَوْنِيِّ
متن:
فَصْلٌ فَهَذَا فِيمَا يُشْبِهُ الِاتِّحَادَ أَوْ الْحُلُولَ فِي مُعَيَّنٍ كَنَبِيِّ أَوْ رَجُلٍ صَالِحٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ . قَدْ بَيَّنَّا مَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ الْمَحْضِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ الْمَلْبُوسِ بِبَاطِلِ وَسَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَا فِيهِ مِنْ الْبَاطِلِ الْمَحْضِ . وَهَذَا الْقِسْمُ إنَّمَا يَقَعُ فِيمَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَيَتَوَلَّاهُ أَوْ يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ بِذَلِكَ تَظْهَرُ أُلُوهِيَّةُ اللَّهِ فِي عَبْدِهِ وَتَظْهَرُ إنَابَةُ الْعَبْدِ إلَى رَبِّهِ وَمُوَافَقَتُهُ لَهُ فِي مَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ . وَقَدْ يَشْتَبِهُ بِهَذَا قِسْمٌ آخَرُ ; وَهُوَ
مَا يُظْهِرُهُ الرَّبُّ مِنْ آثَارِ رُبُوبِيَّتِهِ فِي بَعْضِ عِبَادِهِ
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ وَلَا هُوَ عِبَادَةٌ لَهُ مِثْلَ مَا يُعْطِيهِ مِنْ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ بَعْضَ الْمُلُوكِ الْمُسَلَّطِينَ مِمَّنْ قَدْ يَكُونُ مُسْلِمًا وَقَدْ لَا يَكُونُ
كَفِرْعَوْنَ
وجنكسخان
وَنَحْوَهُمَا وَمَا يَهَبُهُ مِنْ الرِّزْقِ وَالْمَالِ لِبَعْضِ عِبَادِهِ وَمَا يُقَسِّمُهُ مِنْ الْجَمَالِ لِبَعْضِ عِبَادِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ . وَكَذَلِكَ مَا يَهَبُهُ مِنْ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ أَوْ يَهَبُهُ مِنْ الْأَحْوَالِ أَوْ يُعْطِيهِ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُكَاشَفَاتِ وَالتَّأْثِيرَاتِ سَوَاءٌ كَانَ هَؤُلَاءِ مُؤْمِنِينَ أَوْ كُفَّارًا مِثْلَ
الْأَعْوَرِ الدَّجَّالِ
وَنَحْوَهُ . فَإِنَّهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ يَقُومُ فِي الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ مِنْ آثَارِ الرُّبُوبِيَّةِ وَأَحْكَامِ الْقُدْرَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَقُومُ بِغَيْرِهِ كَمَا يَقُومُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ آثَارِ الْأُلُوهِيَّةِ وَأَحْكَامِ الشَّرْعِ أَكْثَرَ مِمَّا يَقُومُ بِغَيْرِهِ ; وَقَدْ يَجْتَمِعُ الْقِسْمَانِ فِي عَبْدٍ كَمَا يَجْتَمِعُ فِي الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ : مِثْلُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْمَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمَ
وَغَيْرِهِمَا . فَهَذَا الْقِسْمُ وَحْدَهُ كَافٍ فِي أَحْكَامِ الْكَلِمَاتِ الْكَوْنِيَّةِ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي أَحْكَامِ الْكَلِمَاتِ الدِّينِيَّةِ ; فَإِنَّ
الْحَوَادِثَ إنَّمَا تَكُونُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ
. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ وَيَعُوذُ وَيَأْمُرُ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهَا بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ . فَالْكَلِمَاتُ الَّتِي بِهَا كَوَّنَ اللَّهُ الْكَائِنَاتِ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ ; فَمَا مِنْ مُلْكٍ وَلَا سُلْطَانٍ وَلَا مَالٍ وَلَا جَمَالٍ وَلَا عِلْمٍ وَلَا حَالٍ وَلَا كَشْفٍ وَلَا تَصَرُّفٍ إلَّا وَهُوَ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَكَلِمَاتِهِ التَّامَّاتِ وَلَكِنْ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ مَحْبُوبٌ لِلَّهِ مَأْمُورٌ بِهِ وَمِنْهُ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ لِلَّهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بَلْ مُبَاحٌ أَوْ عَفُوٌّ . وَإِذَا كَانَ وَاقِعًا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَكَلِمَتِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى اللَّهِ مِنْ جِهَةِ رُبُوبِيَّتِهِ وَمُلْكِهِ . فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمُشَابَهَةِ مَا أَوْجَبَ أَنَّ أَقْوَامًا غَلِطُوا فِي أَمْرِ اللَّهِ فَجَعَلُوهُ فِي الْقِسْمَيْنِ وَاحِدًا . بَلْ غَلِطُوا أَيْضًا فِي نَفْسِ الرَّبِّ فَأَلْحَقُوا بَعْضَ الْعِبَادِ الْمُعْبَدِينَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي بِبَعْضِ الْعِبَادِ الْعَابِدِينَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَدَخَلُوا فِي الِاتِّحَادِ وَالْحُلُولِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ حَتَّى عَبَدَ مَنْ عَبَدَ
فِرْعَوْنَ
وَالدَّجَّالَ
وَعَبَدَ آخَرُونَ الصُّوَرَ الْجَمِيلَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَا مَظَاهِرُ الْجَمَالِ ; وَكَفَرَ هَؤُلَاءِ بِالْعِبَادَاتِ وَالْإِيمَانِ تَارَةً وَبِالْمَعْبُودِ أُخْرَى . وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانَ الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ مَا فِيهِ حَقٌّ : ذَكَرْنَا هَذَا . أَمَّا الْأَوَّلُ : فَإِنَّ
اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ فَرَّقَ بِالْقُرْآنِ وَبِالْإِيمَانِ بَيْنَ أَمْرِهِ الدِّينِيِّ وَخَلْقِهِ الْكَوْنِيِّ
. فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّوَاتُ وَصِفَاتُهَا وَأَفْعَالُهَا وَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ لَا يَخْرُجُ عَنْ مَشِيئَتِهِ شَيْءٌ وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ . وَقَدْ كَذَّبَ بِبَعْضِ ذَلِكَ
الْقَدَرِيَّةُ
الْمَجُوسِيَّةُ
مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَغَيْرِهَا وَهُمْ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ أَفْعَالَ عِبَادِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ بِعِبَادِهِ مِنْ الْخَيْرِ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلَهُ بِهِمْ ; بَلْ وَلَا عَلَى أَفْعَالِهِمْ ; فَلَيْسَ هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَوْ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ السَّيِّئَاتِ فَهُوَ وَاقِعٌ عَلَى خِلَافِ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ . وَهُمْ ضَلَالٌ مُبْتَدِعَةٌ مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ ; وَلِمَا عُرِفَ بِالْعَقْلِ وَالذَّوْقِ . ثُمَّ إنَّهُ قَابَلَهُمْ قَوْمٌ شَرٌّ مِنْهُمْ وَهُمْ
الْقَدَرِيَّةُ
المشركية الَّذِينَ رَأَوْا الْأَفْعَالَ وَاقِعَةً بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ . فَقَالُوا : {
لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ
} وَلَوْ كَرِهَ اللَّهُ شَيْئًا لَأَزَالَهُ وَمَا فِي الْعَالَمِ إلَّا مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ وَمَا ثَمَّ عَاصٍ وَأَنَا كَافِرٌ بِرَبِّ يُعْصَى وَإِنْ كَانَ هَذَا قَدْ عَصَى الْأَمْرَ فَقَدْ أَطَاعَ الْإِرَادَةَ ; وَرُبَّمَا اسْتَدَلُّوا بِالْجَبْرِ وَجَعَلُوا الْعَبْدَ مَجْبُورًا وَالْمَجْبُورُ مَعْذُورٌ وَالْفِعْلُ لِلَّهِ فِيهِ لَا لَهُ ; فَلَا لَوْمَ عَلَيْهِ . فَهَؤُلَاءِ كَافِرُونَ بِكُتُبِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَبِأَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ وَثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ وَدِينِهِ وَشَرْعِهِ كُفْرًا لَا رَيْبَ فِيهِ وَهُمْ أَكْفَرُ مِنْ
الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى
بَلْ أَكْفَرُ مِنْ
الصَّابِئَةِ
والبراهمة
الَّذِينَ يَقُولُونَ بِالسِّيَاسَاتِ الْعَقْلِيَّةِ . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَافِرُونَ بِالدِّيَانَاتِ وَالشَّرَائِعِ الْإِلَهِيَّةِ وَبِالْآيَاتِ وَالسِّيَاسَاتِ الْعَقْلِيَّةِ . وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ : فَفِي تَكْفِيرِهِمْ تَفْصِيلٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ . وَهَؤُلَاءِ أَعْدَاءُ اللَّهِ وَأَعْدَاءُ جَمِيعِ رُسُلِهِ بَلْ أَعْدَاءُ جَمِيعِ عُقَلَاءِ بَنِي
آدَمَ
بَلْ أَعْدَاءُ أَنْفُسِهِمْ ; فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يُمَكِّنُ أَحَدًا أَنْ يَطْرُدَهُ وَلَا يَعْمَلَ بِهِ سَاعَةً مِنْ زَمَانٍ إذْ لَازَمَهُ : أَنْ لَا يَدْفَعَ ظُلْمَ ظَالِمٍ وَلَا يُعَاقِبُ مُعْتَدٍّ وَلَا يُعَاقِبُ مُسِيءٍ لَا بِمِثْلِ إسَاءَتِهِ وَلَا بِأَكْثَرَ مِنْهَا . وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ إنَّمَا يُشِيرُونَ إلَى ذَلِكَ عِنْدَ أَهْوَاءِ أَنْفُسِهِمْ لِرَفْعِ الْمَلَامِ عَنْهُمْ وَإِلَّا فَإِذَا كَانَ لَهُمْ هَذَا مَعَ أَحَدٍ قَابَلُوهُ وَقَاتَلُوهُ وَاعْتَدَوْا عَلَيْهِ أَيْضًا وَلَا يَقِفُونَ عِنْدَ حَدٍّ وَلَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلًّا وَلَا ذِمَّةً بَلْ هُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ {
وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا
} ظَلَمَةٌ جُهَّالٌ مِثْلُ السَّبُعِ الْعَادِي يَفْعَلُونَ بِحُكْمِ الْأَهْوَاءِ الْمَحْضَةِ وَيَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ الْمَلَامَ وَالْعَذَلَ أَوْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ بِالْجَبْرِ الْبَاطِلِ وَبِمُلَاحَظَةِ الْقَدْرِ النَّافِذِ مُعْرِضِينَ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَلَا يَفْعَلُونَ مِثْلَ ذَلِكَ بِمَنْ اعْتَدَى عَلَيْهِمْ وَظَلَمَهُمْ وَآذَاهُمْ بَلْ وَلَا بِمَنْ قَصَّرَ فِي حُقُوقِهِمْ بَلْ وَلَا بِمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ : فَأَمَرَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَنَهَى عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ . وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ فِي هَؤُلَاءِ
الْقَدَرِيَّةِ
وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَذَكَرْت
الْقَدَرِيَّةَ الإبليسية
فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; وَإِنَّمَا الْغَرَضُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى مَعَاقِدِ الْأَقْوَالِ . وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ بَيْنَ مَنْ قَامَ بِكَلِمَاتِهِ الْكَوْنِيَّاتِ وَبَيْنَ مَنْ اتَّبَعَ كَلِمَاتِهِ الدِّينِيَّاتِ وَذَلِكَ فِي أَمْرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَقَضَائِهِ وَحُكْمِهِ وَإِذْنِهِ وَبَعْثِهِ وَإِرْسَالِهِ ; فَقَالَ فِي الْأَمْرِ الدِّينِيِّ الشَّرْعِيِّ : {
إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
} {
إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا
} {
إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً
} . وَقَالَ فِي الْأَمْرِ الْكُوفِيِّ الْقَدَرِيِّ : {
إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
} {
أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ
} وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا
} عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ . وَقَالَ فِي الْإِرَادَةِ الدِّينِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ {
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ
} {
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ
} {
مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ
} . وَقَالَ فِي الْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ : {
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا
} {
وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ
} {
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ
} . وَبِهَذَا الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ تَزُولُ الشُّبْهَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ : هَلْ هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ أَمْ لَا ؟ فَإِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِلْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ ; وَإِنْ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِلْإِرَادَةِ الدِّينِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ . وَقَالَ فِي الْإِذْنِ الدِّينِيِّ : {
مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ
} . وَقَالَ فِي الْإِذْنِ الْكَوْنِيِّ : {
وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
} . وَقَالَ فِي الْقَضَاءِ الدِّينِيِّ : {
وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ
} أَيْ أَمَرَ رَبُّك بِذَلِكَ . وَقَالَ فِي الْقَضَاءِ الْكَوْنِيِّ : {
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ
} . وَقَالَ فِي الْحُكْمِ الدِّينِيِّ : {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ
} وَقَالَ : {
ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ
} وَقَالَ : {
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
} . وَقَالَ فِي الْحُكْمِ الْكَوْنِيِّ : {
فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ
} . وَقَدْ يَجْمَعُ الْحُكْمَيْنِ مِثْلَ مَا فِي قَوْلِهِ : {
إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ
} وَكَذَلِكَ فِعْلُهُ : {
وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ
} . وَقَالَ فِي الْبَعْثَيْنِ وَالْإِرْسَالَيْنِ : {
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ
} {
بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ
} وَقَوْلُهُ : {
إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا
} {
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ
} وَقَدْ قَالَ : {
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا
} وَقَالَ : {
وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ
} .