مسألة تالية
متن:
وَأَمَّا الدُّعَاءُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ - كَمَا يَتَّخِذُهُ مَنْ يَتَّخِذُهُ سُنَّةً رَاتِبَةً فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ - فَهَذَا إنَّمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهِ لَمَّا كَانَ يُجَاهِدُ أَهْلَ الْكِتَابِ بِالشَّامِ وَكَانَ يَدْعُو بِهِ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْنُتُ أَحْيَانًا يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكَافِرِينَ وَيَذْكُرُ قَبَائِلَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُحَارِبُونَهُ كمضر ; ورعل وذكوان ; وَعُصَيَّةَ وَعُمَرُ لَمَّا قَاتَلَ أَهْلَ الْكِتَابِ قَنَتَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَكْتُوبَةِ ; فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقْنُتَ عِنْدَ النَّازِلَةِ وَيَدْعُوَ فِيهَا بِمَا يُنَاسِبُ أُولَئِكَ الْقَوْمَ الْمُحَارِبِينَ . فَأَمَّا أَنْ يَتَّخِذَ قُنُوتَ عُمَرَ فِي الْمَكْتُوبَةِ سُنَّةً فِي الْوِتْرِ وَقُنُوتَ الْحَسَنِ فِي الْوِتْرِ سُنَّةً فِي الْمَكْتُوبَةِ رَاتِبَةً فَهُوَ كَمَا تَرَاهُ وَكَذَلِكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ دَعَا لِأَقْوَامِ سَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ بَعْدَ خَيْبَرَ وَذَلِكَ بَعْدَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ اقْتَضَى مَا يُقَالُ فِي تَأَخُّرِ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ تَأَخَّرَ إلَى عَامِ الْخَنْدَقِ وَخَيْبَرُ بَعْدَ الْخَنْدَقِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ; فَإِنَّ خَيْبَرَ كَانَتْ بِالِاتِّفَاقِ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْحُدَيْبِيَةُ كَانَتْ بِالِاتِّفَاقِ سَنَةَ سِتٍّ ; وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا إنَّمَا اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ فَلَمَّا صَالَحَهُمْ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ فَكَانَتْ غَزْوَةُ الْغَابَةِ غَزْوَةُ ذِي قَرَدَ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ لَمَّا جَعَلَ يَقُولُ : خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ لَمَّا أَغَارَتْ فَزَارَةُ عَلَى لِقَاحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ خَيْبَرُ عَقِبَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ سِتٍّ وَأَوَائِلِ سَبْعٍ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَأَمَّا الْخَنْدَقُ فَقَبْلَ ذَلِكَ : إمَّا فِي أَوَائِلِ خَمْسٍ أَوْ أَوَاخِرِ أَرْبَعٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي } . وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى النَّسْخِ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ { سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ; رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } } فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ اللَّعْنَةِ لَهُمْ ; لِكَوْنِهِ لَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ لِجَوَازِ تَوْبَتِهِمْ وَهَذَا إذَا كَانَ نَهْيًا فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَخَارِجَ الصَّلَاةِ وَالْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ فِي الدُّعَاءِ الْجَائِزِ خَارِجَ الصَّلَاةِ : كَالدُّعَاءِ لِمُعَيَّنِينَ مُسْتَضْعَفِينَ وَالدُّعَاءِ عَلَى مُعَيَّنِينَ مِنْ الْكُفَّارِ بِالنُّصْرَةِ عَلَيْهِمْ ; لَا بِاللَّعْنَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : قَوْلُ مَنْ يَقُولُ - مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ - : إنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ كَانَ بِمَكَّةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّسْخَ ثَبَتَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ قَالَ : وَبَلَغَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ خَرَجُوا إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ إسْلَامُ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَقْبَلُوا لَمَّا بَلَغَهُمْ مِنْ ذَلِكَ إسْلَامُ أَهْلِ مَكَّةَ الَّذِي كَانَ بَاطِلًا فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا بِجِوَارِ أَوْ مُسْتَخْفِيًا فَكَانَ مَنْ قَدِمَ مِنْهُمْ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ شَهِدَ مَعَهُ بَدْرًا وَأُحُدًا فَذَكَرَ مِنْهُمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ . وَهَؤُلَاءِ يُجِيبُونَ عَنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِجَوَابَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ نَهَى عَنْهُ مُتَقَدِّمًا ثُمَّ أَذِنَ فِيهِ ; ثُمَّ نَهَى عَنْهُ لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَةُ . الثَّانِي : أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَمَنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَبْلُغْهُمْ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا نَزَلَتْ الْآيَةُ انْتَهَوْا . فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فَضَعِيفٌ لِوُجُوهِ قَاطِعَةٍ : مِنْهَا : أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ صَحِيحٌ صَرِيحٌ وَقَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ الْحَبَشَةِ أَخْبَرَ أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا كَانَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبُوا إلَى الْحَبَشَةِ ; وَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ : { إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشَغْلًا } وَفِي رِوَايَةٍ : { إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَتَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ } . الثَّانِي : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَصْحَبْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُصَلِّ خَلْفَهُ إلَّا بَعْدَ عَامِ خَيْبَرَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ أَشْهَرُ مَنْ رَوَى حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ بِهِمْ ; كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ قَالَ { صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ } فَعُلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ قَبْلَ عَامِ خَيْبَرَ بَلْ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ : فَكَيْفَ تَكُونُ قَبْلَ بَدْرٍ ؟ بَلْ خَيْبَرُ بَعْدَ الْخَنْدَقِ فَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْكَلَامَ لَمْ يُحَرَّمْ إلَّا عَامَ الْخَنْدَقِ لَكَانَ حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مَنْسُوخًا . الثَّالِثُ : أَنَّ مِنْ رُوَاةِ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَالُوا : وَإِسْلَامُ عِمْرَانَ كَانَ بَعْدَ بَدْرٍ وَقَدْ رَوَى نَحْوًا مِنْهُ أَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيج وَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهْرَيْنِ وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ قَالُوا : وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ وَابْنُ عُمَرَ قَبْلَ بَدْرٍ كَانَ صَغِيرًا ; فَإِنَّهُ عَامَ أُحُدٍ كَانَ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَا يَكَادُ ابْنُ عُمَرَ يَرْوِي مَا كَانَ حِينَئِذٍ مِمَّا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ كَمَا لَمْ يَرْوِ حَدِيثَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوَهُ . الرَّابِعُ : أَنَّ قَوْلَهُمْ : ذُو الْيَدَيْنِ قَبْلَ بَدْرٍ غَلَطٌ قَالُوا : فَإِنَّ الْمَقْتُولَ بِبَدْرِ هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ هُوَ ابْنُ عَمْرٍو مِنْ نضلة بْنِ عبسان : حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ مِنْ خُزَاعَةَ قُتِلَ بِبَدْرِ وَأَمَّا ذُو الْيَدَيْنِ فَاسْمُهُ الْخِرْبَاقُ وَيُكَنَّى أَبَا الْعُرْيَانِ بَقِيَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى حَدِيثَهُ فِي السَّهْوِ كَمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ عَنْ نَصْرِ بْنِ مُعَدِّي بْنِ سُلَيْمَانَ ثِقَةٌ قَالَ : أَتَيْت مَطَرًا لِأَسْأَلَهُ عَنْ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ فَأَتَيْته فَسَأَلْته ; فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يُنْفِذُ الْحَدِيثَ مِنْ الْكِبَرِ فَقَالَ ابْنُهُ شُعَيْبٌ : بَلَى يَا أَبَتِ حَدَّثْتنِي : أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ لَقِيَك بِذِي خَشَبٍ فَحَدَّثَك { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ وَهِيَ الْعَصْرُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا : قَصُرَتْ الصَّلَاةُ - وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ : أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيت ؟ فَقَالَ : مَا قَصُرَتْ الصَّلَاةُ وَلَا نَسِيت ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ : مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ ؟ فَقَالَا : صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَابَ النَّاسُ ; وَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ; ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ } . وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ معدي بْنِ سُلَيْمَانَ ; عَنْ شُعَيْبِ بْنِ مَطَرٍ وَمَطَرٌ جَاءَ مَنْ يُصَدِّقُهُ بِمَقَالَتِهِ . وَهَذَا السِّيَاقُ مُوَافِقٌ لِسِيَاقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ فِي : أَنَّ السَّلَامَ كَانَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ أَنَّهُ مِنْ ثَلَاثٍ وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ رَافِعٍ ; وَفِيهِ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا الْعَصْرُ كَمَا فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ وَغَيْرِهِ وَهَلْ كَانَتْ الْقِصَّةُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ؟ هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ مُحْكَمٌ : ثَبَتَ بِهِ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الْكَلَامِ وَالْفِعَالِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَهُنَا أَقْوَالٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ : فَعَنْهُ أَنَّ كَلَامَ النَّاسِ وَالْمُخْطِئُ لَا يُبْطِلُ ; وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ أَقْوَى الْأَقْوَالِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ { مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السلمي لَمَّا شَمَّتَ الْعَاطِسَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا سَمِعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ } وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ وَهَذَا كَانَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ . وَفِي الْجَاهِلِ لِأَصْحَابِ أَحْمَد طَرِيقَانِ . أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ كَالنَّاسِي . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ النَّاسِي ; لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالنَّاسِخِ . وَهَذَا الْفَرْقُ ضَعِيفٌ هُنَا ; لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ تَمَسَّكَ بِالْمَنْسُوخِ وَلَمْ يَبْلُغْهُ النَّاسِخُ كَمَا كَانَ أَهْلُ قباء وَأَمَّا هُنَا فَلَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ الْمَنْسُوخُ بِحَالِ فَالنَّهْيُ فِي حَقِّهِ حُكْمٌ مُبْتَدَأٌ لَكِنْ هَلْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ بُلُوغِ الْخِطَابِ ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِأَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ يَثْبُتُ مُطْلَقًا . وَالثَّانِي : لَا يَثْبُتُ مُطْلَقًا . وَالثَّالِثُ : الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُكْمِ النَّاسِخِ وَالْحُكْمِ الْمُبْتَدَأِ . وَعَلَى هَذَا يُقَالُ : الْجَاهِلُ لَمْ يَبْلُغْهُ حُكْمُ الْخِطَابِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ : أَلَا تَرَى مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؟ وَكَذَلِكَ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ فُرُوضِهَا نِسْيَانًا ثُمَّ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ صَلَّى بِلَا وُضُوءٍ أَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ أَوْ الرُّكُوعَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ . وَأَمَّا مَنْ نَسِيَ وَاجِبًا كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ فَإِنْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ : أَشْهَرُهُمَا تَبْطُلُ . وَلَوْ نَسِيَهُ مُطْلَقًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَهُنَا قَدْ أَثَّرَ النِّسْيَانُ فِي سُقُوطِ الْوَاجِبِ مُطْلَقًا .