مسألة تالية
متن:
( وَأَمَّا ) صَاحِبُهُ الصَّدْرُ الرُّومِيُّ فَإِنَّهُ كَانَ مُتَفَلْسِفًا فَهُوَ أَبْعَدُ عَنْ الشَّرِيعَةِ وَالْإِسْلَامِ وَلِهَذَا كَانَ الْفَاجِرُ التِّلْمِسَانِيُّ الْمُلَقَّبُ بِالْعَفِيفِ يَقُولُ : كَانَ شَيْخِي الْقَدِيمُ مُتَرَوِّحَنَا مُتَفَلْسِفًا وَالْآخَرُ فَيْلَسُوفًا مُتَرَوِّحَنَا - يَعْنِي الصَّدْرَ الرُّومِيَّ - فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَخَذَ عَنْهُ وَلَمْ يُدْرِكْ ابْنُ عَرَبِيٍّ فِي كِتَابِ مِفْتَاحِ غَيْبِ الْجَمْعِ وَالْوُجُودِ وَغَيْرِهِ يَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ وَالْمُعَيَّنُ كَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ الْمُطْلَقِ وَالْحَيَوَانِ الْمُعَيَّنِ وَالْجِسْمِ الْمُطْلَقِ وَالْجِسْمِ الْمُعَيَّنِ ; وَالْمُطْلَقُ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي الْخَارِجِ مُطْلَقًا لَا يُوجَدُ الْمُطْلَقُ إلَّا فِي الْأَعْيَانِ الْخَارِجَةِ . فَحَقِيقَةُ قَوْلِهِ : إنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وُجُودٌ أَصْلًا وَلَا حَقِيقَةً وَلَا ثُبُوتٌ إلَّا نَفْسُ الْوُجُودِ الْقَائِمِ بِالْمَخْلُوقَاتِ ; وَلِهَذَا يَقُولُ هُوَ وَشَيْخُهُ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرَى أَصْلًا وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ وَلَا صِفَةٌ وَيُصَرِّحُونَ بِأَنَّ ذَاتَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ : عَيْنُ وُجُودِهِ - تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ . ( وَأَمَّا ) الْفَاجِرُ التِّلْمِسَانِيُّ : فَهُوَ أَخْبَثُ الْقَوْمِ وَأَعْمَقُهُمْ فِي الْكُفْرِ ; فَإِنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالثُّبُوتِ كَمَا يُفَرِّقُ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُعَيَّنِ كَمَا يُفَرِّقُ الرُّومِيُّ وَلَكِنْ عِنْدَهُ مَا ثَمَّ غَيْرُ وَلَا سِوَى بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ . وَأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا يَشْهَدُ السِّوَى مَا دَامَ مَحْجُوبًا فَإِذَا انْكَشَفَ حِجَابُهُ رَأَى أَنَّهُ مَا ثَمَّ غَيْرُ يُبَيِّنُ لَهُ الْأَمْرُ . وَلِهَذَا : كَانَ يَسْتَحِلُّ جَمِيعَ الْمُحَرَّمَاتِ ; حَتَّى حَكَى عَنْهُ الثِّقَاتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْبِنْتُ وَالْأُمُّ وَالْأَجْنَبِيَّةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَيْسَ فِي ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْنَا وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ الْمَحْجُوبُونَ قَالُوا حَرَامٌ فَقُلْنَا حَرَامٌ عَلَيْكُمْ . وَكَانَ يَقُولُ الْقُرْآنُ كُلُّهُ شِرْكٌ لَيْسَ فِيهِ تَوْحِيدٌ وَإِنَّمَا التَّوْحِيدُ فِي كَلَامِنَا . وَكَانَ يَقُولُ : أَنَا مَا أُمْسِكُ شَرِيعَةً وَاحِدَةً وَإِذَا أَحْسَنَ الْقَوْلَ يَقُولُ : الْقُرْآنُ يُوصِلُ إلَى الْجَنَّةِ وَكَلَامُنَا يُوصِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ; وَشَرَحَ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي لَهُ . وَلَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ قَدْ صَنَعَ فِيهِ أَشْيَاءَ وَشِعْرُهُ فِي صِنَاعَةِ الشِّعْرِ جَيِّدٌ ; وَلَكِنَّهُ كَمَا قِيلَ : ( لَحْمُ خِنْزِيرٍ فِي طَبَقٍ صِينِيٍّ وَصِنْفٌ للنصيرية عَقِيدَةٌ ; وَحَقِيقَةُ أَمْرِهِمْ أَنَّ الْحَقَّ بِمَنْزِلَةِ الْبَحْرِ وَأَجْزَاءَ الْمَوْجُودَاتِ بِمَنْزِلَةِ أَمْوَاجِهِ : ( وَأَمَّا ابْنُ سَبْعِينَ : فَإِنَّهُ فِي الْبَدْوِ وَالْإِحَاطَةِ يَقُولُ أَيْضًا بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ وَأَنَّهُ مَا ثَمَّ غَيْرُ وَكَذَلِكَ ابْنُ الْفَارِضِ فِي آخِرِ نَظْمِ السُّلُوكِ لَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ هَلْ يَقُولُ بِمِثْلِ قَوْلِ التِّلْمِسَانِيِّ أَوْ قَوْلِ الرُّومِيِّ أَوْ قَوْلِ ابْنِ عَرَبِيٍّ ؟ وَهُوَ إلَى كَلَامِ التِّلْمِسَانِيِّ أَقْرَبُ لَكِنْ مَا رَأَيْت فِيهِمْ مَنْ كَفَرَ هَذَا الْكُفْرَ الَّذِي مَا كَفَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ مِثْلَ التِّلْمِسَانِيِّ وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ البلياني مِنْ مَشَايِخِ شِيرَازَ . وَمِنْ شِعْرِهِ : - وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَيْنُهُ وَأَيْضًا : وَمَا أَنْتَ غَيْرَ الْكَوْنِ بَلْ أَنْتَ عَيْنُهُ وَيَفْهَمُ هَذَا السِّرَّ مَنْ هُوَ ذَائِقُهُ وَأَيْضًا : وَتَلْتَذُّ إنْ مَرَّتْ عَلَى جَسَدِي يَدِي لِأَنِّي فِي التَّحْقِيقِ لَسْت سِوَاكُمْ وَأَيْضًا : مَا بَالُ عِيسِك لَا يُقِرُّ قَرَارَهَا وَإِلَامَ ظِلُّك لَا يَنِي مُتَنَقِّلًا فَلَسَوْفَ تَعْلَمُ أَنَّ سَيْرَك لَمْ يَكُنْ إلَّا إلَيْك إذَا بَلَغْت الْمَنْزِلَا وَأَيْضًا : مَا الْأَمْرُ إلَّا نَسَقٌ وَاحِدٌ مَا فِيهِ مِنْ حَمْدٍ وَلَا ذَمَّ وَإِنَّمَا الْعَادَةُ قَدْ خَصَّصَتْ وَالطَّبْعُ وَالشَّارِعُ فِي الْحُكْمِ وَأَيْضًا : يَا عَاذِلِي أَنْتَ تَنْهَانِي وَتَأْمُرُنِي وَالْوَجْدُ أَصْدَقُ نهاء وَأَمَّارٍ فَإِنْ أُطِعْك وَأَعْصِ الْوَجْدَ عُدْت عَمِي عَنْ الْعِيَانِ إلَى أَوْهَامِ أَخْبَارِ فَعَيْنُ مَا أَنْتَ تَدْعُونِي إلَيْهِ إذَا حَقَّقْته تَرَهُ الْمَنْهِيَّ يَا جَارِي وَأَيْضًا وَمَا الْبَحْرُ إلَّا الْمَوْجُ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ وَإِنْ فَرَّقَتْهُ كَثْرَةُ الْمُتَعَدِّدِ إلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَشْعَارِ وَفِي النَّثْرِ مَا لَا يُحْصَى وَيُوهِمُونَ الْجُهَّالَ أَنَّهُمْ مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ وَأَئِمَّةُ الْهُدَى الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْأُمَّةِ مِثْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ والأوزاعي وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ والفضيل بْنِ عِيَاضٍ وَمَعْرُوفٍ الكرخي وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَبِشْرٍ الْحَافِي وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَشَقِيقٍ البلخي وَمَنْ لَا يُحْصَى كَثْرَةٌ . إلَى مِثْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ : مِثْلُ الجنيد بْنِ مُحَمَّدٍ القواريري وَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التستري وَعُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ الْمَكِّيِّ وَمَنْ بَعْدَهُمْ - إلَى أَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ إلَى مِثْلِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الكيلاني وَالشَّيْخِ عَدِيٍّ وَالشَّيْخِ أَبِي الْبَيَانِ وَالشَّيْخِ أَبِي مَدِينٍ وَالشَّيْخِ عَقِيلٍ وَالشَّيْخِ أَبِي الْوَفَاءِ وَالشَّيْخِ رَسْلَانَ وَالشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحِيمِ وَالشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ اليونيني وَالشَّيْخِ الْقُرَشِيِّ وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ كَانُوا بِالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَخُرَاسَانَ مِنْ الْأَوَّلِينَ والآخرين . كُلُّ هَؤُلَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَكْفِيرِ هَؤُلَاءِ وَمَنْ هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَيْسَ هُوَ خَلْقَهُ وَلَا جُزْءًا مِنْ خَلْقِهِ وَلَا صِفَةً لِخَلْقِهِ بَلْ هُوَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - مُتَمَيِّزٌ بِنَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ بَائِنٌ بِذَاتِهِ الْمُعَظَّمَةِ عَنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَبِذَلِكَ جَاءَتْ الْكُتُبُ الْأَرْبَعَةُ الْإِلَهِيَّةُ ; مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْقُرْآنِ وَعَلَيْهِ فَطَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ وَعَلَى ذَلِكَ دَلَّتْ الْعُقُولُ . وَكَثِيرًا مَا كُنْت أَظُنُّ أَنَّ ظُهُورَ مِثْلِ هَؤُلَاءِ أَكْبَرُ أَسْبَابِ ظُهُورِ التَّتَارِ وَانْدِرَاسِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ هَؤُلَاءِ مُقَدِّمَةُ الدَّجَّالِ الْأَعْوَرِ الْكَذَّابِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ هُوَ اللَّهُ . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ هُوَ اللَّهُ وَلَكِنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ وَأَعْظَمُ . وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ صَاحِبِ الْفُصُوصِ فَإِنَّ بَعْضَ الْمَظَاهِرِ والمستجليات : يَكُونُ أَعْظَمَ لِعِظَمِ ذَاتِهِ الثَّابِتَةِ فِي الْعَدَمِ ; وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ الرُّومِيِّ فَإِنَّ بَعْضَ الْمُتَعَيِّنَاتِ يَكُونُ أَكْبَرَ فَإِنَّ بَعْضَ جُزْئِيَّاتِ الْكُلِّيِّ أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ ; وَأَمَّا عَلَى الْبَقِيَّةِ فَالْكُلُّ أَجْزَاءٌ مِنْهُ وَبَعْضُ الْجُزْءِ أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ . فَالدَّجَّالُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ : مِثْلُ فِرْعَوْنَ مِنْ كِبَارِ الْعَارِفِينَ وَأَكْبَرُ مِنْ الرُّسُلِ بَعْدَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمْ السَّلَامُ فَمُوسَى قَاتِلُ فِرْعَوْنَ الَّذِي يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ وَيُسَلِّطُ اللَّهُ تَعَالَى مَسِيحَ الْهُدَى - الَّذِي قِيلَ فِيهِ إنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ - عَلَى مَسِيحِ الضَّلَالَةِ الَّذِي قَالَ : إنَّهُ اللَّهُ .