مسألة تالية
				
				
				
				متن:
				 وَهَلْ يُسْتَحَبُّ   التَّجْدِيدُ لِكُلِّ صَلَاةٍ  مِنْ الْخَمْسِ  ؟  فِيهِ نِزَاعٌ .  وَفِيهِ عَنْ  أَحْمَد   رَحِمَهُ اللَّهُ  رِوَايَتَانِ .  وَكَذَلِكَ أَيْضًا  لَمَّا قَدِمَ   مُزْدَلِفَةَ  :   {  صَلَّى بِهِمْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمْعًا   }  مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ لِلْعِشَاءِ . وَهُوَ  فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَدْ قَامَ هُوَ وَهُمْ إلَى صَلَاةٍ بَعْدَ صَلَاةٍ . وَأَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ  إقَامَةً .  وَكَذَلِكَ  سَائِرُ أَحَادِيثِ الْجَمْعِ الثَّابِتَةِ  فِي   الصَّحِيحَيْنِ  مِنْ حَدِيثِ  ابْنِ عُمَرَ  وَابْنِ عَبَّاسٍ  وَأَنَسٍ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ  . كُلُّهَا تَقْتَضِي :  أَنَّهُ هُوَ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُ -  صَلَّوْا الثَّانِيَةَ  مِنْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ بِطِهَارَةِ  الْأُولَى لَمْ يُحْدِثُوا  لَهَا وُضُوءًا . وَكَذَلِكَ هُوَ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَدْ  ثَبَتَ عَنْهُ  فِي   الصَّحِيحَيْنِ  مِنْ حَدِيثِ  ابْنِ عَبَّاسٍ  وَعَائِشَةَ  وَغَيْرِهِمْ   {  أَنَّهُ  كَانَ يَتَوَضَّأُ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ .  فَيُصَلِّي  بِهِ الْفَجْرَ   }  مَعَ  أَنَّهُ  كَانَ يَنَامُ حَتَّى يَغُطَّ . وَيَقُولُ   {   تَنَامُ عَيْنَايَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي   }  فَهَذَا أَمْرٌ  مِنْ أَصَحِّ مَا يَكُونُ  أَنَّهُ :  كَانَ يَنَامُ  ثُمَّ  يُصَلِّي  بِذَلِكَ الْوُضُوءِ الَّذِي  تَوَضَّأَ لِلنَّافِلَةِ  يُصَلِّي  بِهِ الْفَرِيضَةَ .  فَكَيْفَ  يُقَالُ : إنَّهُ  كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ ؟ .  وَقَدْ  ثَبَتَ عَنْهُ  فِي الصَّحِيحِ   {  أَنَّهُ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  صَلَّى الظُّهْرَ .  ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ   وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ  . فَاشْتَغَلَ بِهِمْ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ حَتَّى  صَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُحْدِثْ وُضُوءًا   }  .  وَكَانَ  يُصَلِّي تَارَةً الْفَرِيضَةَ  ثُمَّ النَّافِلَةَ . وَتَارَةً النَّافِلَةَ  ثُمَّ الْفَرِيضَةَ وَتَارَةً فَرِيضَةً  ثُمَّ فَرِيضَةً . كُلُّ  ذَلِكَ بِوُضُوءِ وَاحِدٍ . وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ  صَلَّوْا خَلْفَهُ  فِي رَمَضَانَ بِاللَّيْلِ بِوُضُوءِ وَاحِدٍ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً . وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ  عَلَى عَهْدِهِ يَتَوَضَّئُونَ  ثُمَّ  يُصَلُّونَ مَا لَمْ يُحْدِثُوا  كَمَا جَاءَتْ  بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ . وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - لَا بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ - :  أَنَّهُ  أَمَرَهُمْ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ . فَالْقَوْلُ بِاسْتِحْبَابِ  هَذَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ .  وَأَمَّا الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ : فَمُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ  . وَالنَّقْلُ عَنْ  عَلِيٍّ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  بِخِلَافِ  ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ ; بَلْ الثَّابِتُ عَنْهُ خِلَافُهُ .  وَعَلِيٌّ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  أَجَلُّ مَنْ أَنْ  يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ  هَذَا وَالْكَذِبُ  عَلَى  عَلِيٍّ  كَثِيرٌ مَشْهُورٌ : أَكْثَرُ مِنْهُ  عَلَى غَيْرِهِ .  وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ   رَحِمَهُ اللَّهُ  - مَعَ سِعَةِ عِلْمِهِ بِآثَارِ   الصَّحَابَةِ   وَالتَّابِعِينَ  -  أَنْكَرَ أَنْ  يَكُونَ  فِي  هَذَا نِزَاعٌ .  وَقَالَ  أَحْمَد بْنُ الْقَاسِمِ  : سَأَلْت  أَحْمَد  عَمَّنْ   صَلَّى  أَكْثَرَ  مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءِ وَاحِدٍ  ؟  فَقَالَ : لَا بَأْسَ  بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ . مَا ظَنَنْت  أَنَّ  أَحَدًا  أَنْكَرَ  هَذَا .  وَرَوَى  الْبُخَارِيُّ  فِي صَحِيحِهِ  عَنْ  أَنَسٍ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  قَالَ :   {  كَانَ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ . قُلْت :  وَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ ؟  قَالَ : يُجْزِئُ أَحَدَنَا الْوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ   }  وَهَذَا هُوَ  فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْمُفَرِّقَةِ . وَلِهَذَا اسْتَحَبَّ  أَحْمَد  ذَلِكَ  فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مَعَ  أَنَّهُ  كَانَ أَحْيَانًا  يُصَلِّي صَلَوَاتٍ بِوُضُوءِ وَاحِدٍ .  كَمَا  فِي   صَحِيحِ  مُسْلِمٍ  عَنْ  بريدة   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  قَالَ :   {  صَلَّى النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءِ وَاحِدٍ  وَمَسَحَ  عَلَى خُفَّيْهِ .  فَقَالَ لَهُ  عُمَرُ  : إنِّي  رَأَيْتُك صَنَعْت شَيْئًا لَمْ تَكُنْ صَنَعْته ؟  قَالَ : عَمْدًا صَنَعْته يَا  عُمَرُ   }  . وَالْقُرْآنُ أَيْضًا يَدُلُّ  عَلَى  أَنَّهُ لَا يَجِبُ  عَلَى الْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مَرَّةً ثَانِيَةً  مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا :  أَنَّهُ سُبْحَانَهُ  قَالَ : {  وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ  عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ  الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ  النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً  فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا   }  فَقَدْ  أَمَرَ مَنْ جَاءَ  مِنْ  الْغَائِطِ وَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ : أَنْ يَتَيَمَّمَ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ .  فَدَلَّ  عَلَى  أَنَّ  الْمَجِيءَ  مِنْ  الْغَائِطِ يُوجِبُ التَّيَمُّمَ .  فَلَوْ  كَانَ الْوُضُوءُ وَاجِبًا  عَلَى مَنْ جَاءَ  مِنْ  الْغَائِطِ وَمَنْ لَمْ يَجِئْ  فَإِنَّ التَّيَمُّمَ  أَوْلَى بِالْوُجُوبِ  .  فَإِنَّ كَثِيرًا  مِنْ الْفُقَهَاءِ يُوجِبُونَ التَّيَمُّمَ لِكُلِّ صَلَاةٍ .  وَعَلَى  هَذَا  فَلَا تَأْثِيرَ  لِلْمَجِيءِ  مِنْ  الْغَائِطِ . فَإِنَّهُ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ  وَجَبَ الْوُضُوءُ أَوْ التَّيَمُّمُ  وَإِنْ لَمْ يَجِئْ  مِنْ  الْغَائِطِ . وَلَوْ جَاءَ  مِنْ  الْغَائِطِ وَلَمْ يَقُمْ إلَى الصَّلَاةِ : لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وُضُوءٌ وَلَا تَيَمُّمٌ فَيَكُونُ ذِكْرُ  الْمَجِيءِ  مِنْ  الْغَائِطِ عَبَثًا  عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ .  الْوَجْهُ الثَّانِي :  أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ .  لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَكُونُونَ مُحْدِثِينَ  فَإِنَّ الْبَوْلَ  وَالْغَائِطَ أَمْرٌ  مُعْتَادٌ  لَهُمْ  وَكُلُّ بَنِي  آدَمَ  مُحْدِثٌ . وَالْأَصْلُ  فِيهِمْ : الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ .  فَإِنَّ أَحَدَهُمْ  مِنْ حِينِ  كَانَ طِفْلًا قَدْ اعْتَادَ  ذَلِكَ  فَلَا يَزَالُ مُحْدِثًا بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ . فَإِنَّهَا إنَّمَا تَعْرِضُ  لَهُمْ عِنْدَ الْبُلُوغِ . وَالْأَصْلُ  فِيهِمْ : عَدَمُ الْجَنَابَةِ  كَمَا  أَنَّ الْأَصْلَ  فِيهِمْ : عَدَمُ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى  ; فَلِهَذَا  قَالَ :   {   إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ   }  ثُمَّ  قَالَ :   {  وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا   }  فَأَمَرَهُمْ بِالطَّهَارَةِ الصُّغْرَى مُطْلَقًا . لِأَنَّ الْأَصْلَ :  أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُحْدِثُونَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا  .  ثُمَّ  قَالَ :   {  وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا   }  وَلَيْسَ مِنْهُمْ جُنُبٌ إلَّا مَنْ  أَجْنَبَ . فَلِهَذَا فَرَّقَ سُبْحَانَهُ بَيْنَ  هَذَا  وَهَذَا .  الثَّالِثُ : أَنْ  يُقَالَ : الْآيَةُ اقْتَضَتْ وُجُوبَ   الْوُضُوءِ إذَا قَامَ الْمُؤْمِنُ إلَى الصَّلَاةِ   .  فَدَلَّ  عَلَى  أَنَّ الْقِيَامَ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْوُضُوءِ .  وَأَنَّهُ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ  صَارَ وَاجِبًا حِينَئِذٍ وُجُوبًا مُضَيَّقًا . فَإِذَا  كَانَ الْعَبْدُ قَدْ  تَوَضَّأَ قَبْلَ  ذَلِكَ : فَقَدْ أَدَّى  هَذَا الْوَاجِبَ قَبْل تَضْيِيقِهِ  كَمَا  قَالَ : {   إذَا  نُودِيَ لِلصَّلَاةِ  مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ   }  فَدَلَّ  عَلَى  أَنَّ النِّدَاءَ يُوجِبُ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ . وَحِينَئِذٍ يتضيق وَقْتُهُ  فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَغِلَ عَنْهُ بِبَيْعِ وَلَا غَيْرِهِ . فَإِذَا سَعَى إلَيْهَا قَبْلَ النِّدَاءِ : فَقَدْ سَابَقَ إلَى الْخَيْرَاتِ وَسَعَى قَبْلَ تَضْيِيقِ الْوَقْتِ . فَهَلْ يَقُولُ عَاقِلٌ : إنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى بَيْتِهِ لِيَسْعَى عِنْدَ النِّدَاءِ ؟ . وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ : إذَا  كَانَ الْمُسْلِمُ قَدْ  تَوَضَّأَ لِلظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ لِلْمَغْرِبِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ لِلْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوَقْتِ . فَمَنْ  قَالَ : إنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ : إنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ السَّعْيَ إذَا أَتَى الْجُمُعَةَ قَبْلَ النِّدَاءِ .  وَالْمُسْلِمُونَ  عَلَى عَهْدِ نَبِيِّهِمْ  كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ لِلْفَجْرِ وَغَيْرِهَا قَبْلَ الْوَقْتِ  وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ .  فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  كَانَ يُعَجِّلُهَا  وَيُصَلِّيهَا إذَا تَوَارَتْ الشَّمْسُ بِالْحِجَابِ . وَكَثِيرٌ  مِنْ أَصْحَابِهِ  كَانَتْ بُيُوتُهُمْ بَعِيدَةً  مِنْ الْمَسْجِدِ . فَهَؤُلَاءِ لَوْ لَمْ يَتَوَضَّئُوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ :  لَمَا أَدْرَكُوا مَعَهُ  أَوَّلَ الصَّلَاةِ بَلْ قَدْ تَفُوتُهُمْ جَمِيعًا لِبُعْدِ الْمَوَاضِعِ . وَهُوَ نَفْسُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لَمْ يَكُنْ يَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلَا مَنْ  حَضَرَ عِنْدَهُ  فِي الْمَسْجِدِ وَلَا  كَانَ يَأْمُرُ  أَحَدًا بِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ .  وَهَذَا كُلُّهُ مَعْلُومٌ مَقْطُوعٌ  بِهِ . وَمَا أَعْرِفُ  فِي  هَذَا خِلَافًا ثَابِتًا عَنْ   الصَّحَابَةِ  :  أَنَّ   مَنْ  تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ  عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ . وَلَا يُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِمِثْلِ  هَذَا تَجْدِيدُ وُضُوءٍ .  وَإِنَّمَا  تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ   صَلَّى بِالْوُضُوءِ الْأَوَّلِ : هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّجْدِيدُ  ؟  وَأَمَّا مَنْ لَمْ  يُصَلِّ  بِهِ :  فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ ; بَلْ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ  فِي مِثْلِ  هَذَا بِدْعَةٌ مُخَالِفَةٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَلِمَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ  فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَهُ إلَى  هَذَا الْوَقْتِ .  فَقَدْ تَبَيَّنَ  أَنَّ  هَذَا قَبْلَ الْقِيَامِ قَدْ أَدَّى  هَذَا الْوَاجِبَ قَبْلَ تَضْيِيقِهِ كَالسَّاعِي إلَى الْجُمُعَة قَبْلَ النِّدَاءِ وَكَمَنْ  قَضَى الدَّيْنَ قَبْلَ حُلُولِهِ  ; وَلِهَذَا  قَالَ  الشَّافِعِيُّ  وَغَيْرُهُ : إنَّ   الصَّبِيَّ إذَا  صَلَّى  ثُمَّ بَلَغَ  لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ ;  لِأَنَّهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ بِعَيْنِهَا سَابَقَ إلَيْهَا قَبْلَ وَقْتِهَا  . وَهُوَ قَوْلٌ  فِي مَذْهَبِ  أَحْمَد  وَهَذَا الْقَوْلُ  أَقْوَى  مِنْ إيجَابِ الْإِعَادَةِ . وَمَنْ  أَوْجَبَهَا  قَاسَهُ  عَلَى الْحَجِّ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ .  كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ  فِي غَيْرِ  هَذَا الْمَوْضِعِ . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ  فِي الْوُضُوءِ : هُوَ بِعَيْنِهِ  فِي التَّيَمُّمِ . وَلِهَذَا  كَانَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ :  إنَّ التَّيَمُّمَ كَالْوُضُوءِ  فَهُوَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ .  وَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَتَيَمَّمَ لِلنَّافِلَةِ  فَيُصَلِّي  بِهِ الْفَرِيضَةَ وَغَيْرَهَا ;  كَمَا هُوَ قَوْلُ  ابْنِ عَبَّاسٍ  . وَهُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ  مِنْ الْعُلَمَاءِ :  أَبِي حَنِيفَةَ  وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عَنْ  أَحْمَد  . وَالْقَوْلُ الْآخَرُ - وَهُوَ   التَّيَمُّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ  - هُوَ الْمَشْهُورُ  مِنْ مَذْهَبِ  مَالِكٍ  وَالشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَد  . وَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ غَيْرِهِ  مِنْ   الصَّحَابَةِ  كَمَا قَدْ بُسِطَ  فِي مَوْضِعِهِ . فَالْآيَةُ مُحْكَمَةٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ . وَهِيَ  عَلَى مَا  دَلَّتْ عَلَيْهِ  مِنْ  أَنَّ كُلَّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْوُضُوءِ .  فَإِنْ  كَانَ قَدْ  تَوَضَّأَ قَبْلَ  ذَلِكَ فَقَدْ  أَحْسَنَ وَفَعَلَ الْوَاجِبَ قَبْلَ تَضْيِيقِهِ وَسَارَعَ إلَى الْخَيْرَاتِ كَمَنْ سَعَى إلَى الْجُمُعَةِ قَبْلَ النِّدَاءِ .  فَقَدْ تَبَيَّنَ  أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَ  فِيهَا إضْمَارٌ وَلَا تَخْصِيصٌ وَلَا تَدُلُّ  عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ . بَلْ  دَلَّتْ  عَلَى الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالسُّنَنِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ وُجُوبُ الْوُضُوءِ  عَلَى  الْمُصَلِّي .  كَمَا  ثَبَتَ  فِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ  أَبِي هُرَيْرَةَ  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  قَالَ :   {   لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا  أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ  فَقَالَ رَجُلٌ  مِنْ   حَضْرَمَوْتَ  : مَا الْحَدَثُ يَا  أَبَا هُرَيْرَةَ  ؟  قَالَ : فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ   }  وَفِي   صَحِيحِ  مُسْلِمٍ  وَغَيْرِهِ عَنْ  عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَالَ :   {   لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةً  مِنْ غُلُولٍ   }  .  وَهَذَا يُوَافِقُ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ . فَإِنَّهُ يَدُلُّ  عَلَى  أَنَّهُ لَا  بُدَّ  مِنْ الطُّهُورِ وَمَنْ  كَانَ  عَلَى وُضُوءٍ فَهُوَ  عَلَى طُهُورٍ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْوُضُوءِ مَنْ  كَانَ مُحْدِثًا .  كَمَا  قَالَ : {   لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا  أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ   }  وَهُوَ إذَا   تَوَضَّأَ  ثُمَّ  أَحْدَثَ  : فَقَدْ  دَلَّتْ الْآيَةُ  عَلَى  أَمْرِهِ بِالْوُضُوءِ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَإِذَا  كَانَ قَدْ  تَوَضَّأَ فَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ  بِهِ . كَقَوْلِهِ : لَا  تُصَلِّ إلَّا بِوُضُوءِ . أَوْ لَا  تُصَلِّ حَتَّى تَتَوَضَّأَ وَنَحْوَ  ذَلِكَ . مِمَّا بَيَّنَ  أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْوُضُوءِ لِجِنْسِ الصَّلَاةِ الشَّامِلِ لِأَنْوَاعِهَا وَأَعْيَانِهَا . لَيْسَ مَأْمُورًا لِكُلِّ نَوْعٍ أَوْ عَيْنٍ بِوُضُوءِ غَيْرِ وُضُوءِ الْآخَرِ . وَلَا  فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ  عَلَى  ذَلِكَ . لَكِنَّ  هَذَا الْوَجْهَ لَا يَدُلُّ  عَلَى تَقَدُّمِ الْوُضُوءِ  عَلَى الْجِنْسِ كَمَنْ  أَسْلَمَ فَتَوَضَّأَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ الْغُرُوبِ أَوْ كَمَنْ  أَحْدَثَ  فَتَوَضَّأَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ . بِخِلَافِ الْوَجْهِ الَّذِي قَبْلَهُ . فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ  هَذَا كُلَّهُ .