تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } الْآيَةَ . هَذَا مِمَّا أَشْكَلَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ . فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ : " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ وَجَعَلُوا التَّقْدِيرَ : وَجَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ . وَلَامَسْتُمْ النِّسَاءَ . قَالُوا : لِأَنَّ مِنْ مُقْتَضَى " أَوْ " أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ مُوجِبًا لِلتَّيَمُّمِ ; كَالْغَائِطِ وَالْمُلَامَسَةِ . وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَعْنَى الْآيَةِ فَإِنَّ " أَوْ " ضِدُّ الْوَاوِ : وَالْوَاوُ : لِلْجَمْعِ وَالتَّشْرِيكِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ . وَأَمَّا مَعْنَى : " أَوْ " فَلَا يُوجِبُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بَلْ يَقْتَضِي إثْبَاتَ أَحَدِهِمَا . لَكِنْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ إبَاحَةِ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ : جَالِسْ الْحَسَنَ أَوْ ابْنَ سيرين ; وَتَعَلَّمْ الْفِقْهَ أَوْ النَّحْوَ ; وَمِنْهُ خِصَالُ الْكَفَّارَةِ يُخَيَّرُ بَيْنَهَا وَلَوْ فَعَلَ الْجَمِيعَ جَازَ . وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْحَصْرِ ; يُقَالُ لِلْمَرِيضِ : كُلْ هَذَا أَوْ هَذَا . وَكَذَلِكَ فِي الْخَبَرِ : هِيَ لِإِثْبَاتِ أَحَدِهِمَا إمَّا مَعَ عَدَمِ عِلْمِ الْمُخَاطَبِ . وَهُوَ الشَّكُّ أَوْ مَعَ عِلْمِهِ وَهُوَ الْإِيهَامُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَرْسَلْنَاهُ إلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } لَكِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ : هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ أَنَّ خِطَابَهُ بِالتَّيَمُّمِ : لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ جَامَعَ . وَلَا يَنْبَغِي - عَلَى قَوْلِهِمْ - أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : أَنْ لَا يُبَاحَ التَّيَمُّمُ إلَّا مَعَ هَذَيْنِ . بَلْ التَّقْدِيرُ : بِالِاحْتِلَامِ أَوْ حَدَثٍ بِلَا غَائِطٍ فَالتَّيَمُّمُ هُنَا أَوْلَى وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَمَرَ كُلَّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ أَمَرَهُمْ إذَا كَانُوا جُنُبًا : أَنْ يَطَّهَّرُوا وَفِيهِمْ الْمُحْدِثُ بِغَيْرِ الْغَائِطِ كَالْقَائِمِ مِنْ النَّوْمِ وَاَلَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الرِّيحُ . وَمِنْهُمْ الْجُنُبُ بِغَيْرِ جِمَاعٍ بَلْ بِاحْتِلَامِ . فَالْآيَةُ عَمَّتْ كُلَّ مُحْدِثٍ وَكُلَّ جُنُبٍ . فَقَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ } { فَتَيَمَّمُوا } فَأَبَاحَ التَّيَمُّمَ لِلْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ إذَا كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً . وَالتَّيَمُّمُ رُخْصَةٌ . فَقَدْ يَظُنُّ الظَّانُّ : أَنَّهَا لَا تُبَاحُ إلَّا مَعَ خَفِيفِ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ كَالرِّيحِ وَالِاحْتِلَامِ بِخِلَافِ الْغَائِطِ وَالْجِمَاعِ . فَإِنَّ التَّيَمُّمَ مَعَ ذَلِكَ وَالصَّلَاةَ مَعَهُ : مِمَّا تَسْتَعْظِمُهُ النُّفُوسُ وَتَهَابُهُ . فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ كِبَارِ الصَّحَابَةِ تَيَمُّمَ الْجُنُبِ مُطْلَقًا . وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَهَابُ الصَّلَاةَ مَعَ الْحَدَثِ بِالتَّيَمُّمِ إذْ كَانَ جَعْلُ التُّرَابِ طَهُورًا كَالْمَاءِ : هُوَ مِمَّا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتَهُ . وَمَنْ لَمْ يَسْتَحْكِمْ إيمَانُهُ : لَا يَسْتَجِيزُ ذَلِكَ . فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : أَنَّ التَّيَمُّمَ مَأْمُورٌ بِهِ مَعَ تَغْلِيظِ الْحَدَثِ بِالْغَائِطِ وَتَغْلِيظِ الْجَنَابَةِ بِالْجِمَاعِ . وَالتَّقْدِيرُ : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ مُسَافِرِينَ أَوْ كَانَ - مَعَ ذَلِكَ - جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ . لَيْسَ الْمَقْصُودُ : أَنْ يُجْعَلَ الْغَائِطُ وَالْجِمَاعُ فِيمَا لَيْسَ مَعَهُ مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ . فَإِنَّهُ إذَا جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ وَلَيْسُوا مَرْضَى وَلَا مُسَافِرِينَ . فَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } وَبِقَوْلِهِ : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } فَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْمُقِيمِ . وَأَيْضًا فَتَخْصِيصُهُ الْمَجِيءَ مِنْ الْغَائِطِ وَالْجِمَاعِ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَا يَتَيَمَّمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ خُرُوجِ الرِّيحِ وَمِنْ الِاحْتِلَامِ . فَإِنَّ الرِّيحَ كَالنَّوْمِ وَالِاحْتِلَامُ يَكُونُ فِي الْمَنَامِ . فَهُنَاكَ يَحْصُلُ الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ وَالْإِنْسَانُ نَائِمٌ . فَإِذَا كَانَ فِي تِلْكَ الْحَالِ يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ وَهُوَ يَقْظَانُ : فَهُوَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ . لِأَنَّ النَّائِمَ رُفِعَ عَنْهُ الْقَلَمُ بِخِلَافِ الْيَقِظَانِ . وَلَكِنْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ تَجِبُ وَإِنْ حَصَلَ الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَحَدَثِ النَّائِمِ وَاحْتِلَامِهِ . وَإِذَا دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ طَهَارَةِ الْمَاءِ فِي الْحَالِ فَوُجُوبُهَا مَعَ الْحَدَثِ الَّذِي حَصَلَ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ يَقَظَتِهِ : أَوْلَى . وَهَذَا بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ . فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ إذَا أَبَاحَ التَّيَمُّمَ لِلْمَعْذُورِ الَّذِي أَحْدَثَ فِي النَّوْمِ بِاحْتِلَامِ أَوْ رِيحٍ : أَنْ يُبِيحَهُ لِمَنْ أَحْدَثَ بِاخْتِيَارِهِ فَقَالَ تَعَالَى : { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } لِيُبَيِّنَ جَوَازَ التَّيَمُّمِ لِهَذَيْنِ . وَإِنْ حَصَلَ حَدَثُهُمَا فِي الْيَقَظَةِ وَبِفِعْلِهِمَا وَإِنْ كَانَ غَلِيظًا . وَلَوْ كَانَتْ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ : كَانَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ : أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُبَاحُ إلَّا بِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ - الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ - مَعَ الْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ وَالِاحْتِلَامِ . فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ لَا يُبَاحَ مَعَ الِاحْتِلَامِ وَلَا مَعَ الْحَدَثِ بِلَا غَائِطٍ كَحَدَثِ النَّائِمِ وَمَنْ خَرَجَتْ مِنْهُ الرِّيحُ . فَإِنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ بِشَرْطَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ مَعَ أَحَدِهِمَا . وَهَذَا لَيْسَ مُرَادًا قَطْعًا بَلْ هُوَ ضِدُّ الْحَقِّ ; لِأَنَّهُ إذَا أُبِيحَ مَعَ الْغَائِطِ الَّذِي يَحْصُلُ بِالِاخْتِيَارِ فَمَعَ الْخَفِيفِ وَعَدَمِ الِاخْتِيَارِ أَوْلَى . فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَتَيَمَّمُوا . وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ . كَمَا يُقَالُ : وَإِنْ كُنْت مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا . وَالتَّقْدِيرُ : وَإِنْ كُنْتُمْ أَيُّهَا الْقَائِمُونَ إلَى الصَّلَاةِ - وَأَنْتُمْ مَرْضَى أَوْ مُسَافِرِينَ - قَدْ جِئْتُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ ; وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ : إنَّهَا خِطَابٌ لِلْقَائِمِينَ مِنْ النَّوْمِ : إنَّ التَّقْدِيرَ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ . فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ أَوَّلًا فِعْلَهُمْ بِقَوْلِهِ : { إذَا قُمْتُمْ } { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } الثَّلَاثَةَ أَفْعَالٍ . وَقَوْلُهُ : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ } حَالٌ لَهُمْ . أَيْ كُنْتُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ . كَقَوْلِهِ : وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى حَالِ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ - إمَّا لِعَدَمِهِ أَوْ لِخَوْفِ الضَّرَرِ بِاسْتِعْمَالِهِ - فَتَيَمَّمُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ النَّوْمِ . أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ . وَلَكِنَّ الَّذِي رَجَّحْنَاهُ : أَنَّ قَوْلَهُ : { إذَا قُمْتُمْ } عَامٌّ : إمَّا لَفْظًا وَمَعْنًى . وَإِمَّا مَعْنًى . وَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى : إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّئُوا أَوْ اغْتَسِلُوا إنْ كُنْتُمْ جُنُبًا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ مُسَافِرِينَ أَوْ فَعَلْتُمْ مَا هُوَ أَبْلَغُ فِي الْحَدَثِ - جِئْتُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ - إذْ التَّقْدِيرُ : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ مُسَافِرِينَ وَقَدْ قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ فَعَلْتُمْ - مَعَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَالْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ - هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْمَجِيءَ مِنْ الْغَائِطِ وَالْجِمَاعَ . فَيَكُونُ قَدْ اجْتَمَعَ قِيَامُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَالْمَرَضُ وَالسَّفَرُ وَأَحَدُ هَذَيْنِ . فَالْقِيَامُ مُوجِبٌ لِلطَّهَارَةِ وَالْعُذْرُ مُبِيحٌ وَهَذَا الْقِيَامُ . فَإِذَا قُمْتُمْ وَجَبَ التَّيَمُّمُ إنْ كَانَ قِيَامًا مُجَرَّدًا . أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ . وَلَكِنْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْطِفُ قَوْلَهُ { أَوْ جَاءَ } { أَوْ لَامَسْتُمُ } عَلَى قَوْلِهِ { إذَا قُمْتُمْ } وَالتَّقْدِيرُ : وَإِذَا قُمْتُمْ أَوْ جَاءَ أَوْ لَامَسْتُمْ . وَهَذَا مُخَالِفٌ لِنَظْمِ الْآيَةِ . فَإِنَّ نَظْمَهَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي جَزَاءِ الشَّرْطِ . وَقَوْلُهُ : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } فَإِنَّ الَّذِي قَالَهُ قَرِيبٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى . وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ : وَإِنْ كُنْتُمْ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ : جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ . فَهُوَ تَقْسِيمٌ مِنْ مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ . يَقُولُ : إنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ قَائِمِينَ إلَى الصَّلَاةِ فَقَطْ بِالْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ أَوْ الْقُعُودِ الْمُعْتَادِ . أَوْ كُنْتُمْ - مَعَ هَذَا - : قَدْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ . فَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ } خِطَابٌ لِمَنْ قِيلَ لَهُمْ : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا } { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } فَالْمَعْنَى يَا أَيُّهَا الْقَائِمُ إلَى الصَّلَاةِ تَوَضَّأْ . وَإِنْ كُنْت جُنُبًا فَاغْتَسِلْ . وَإِنْ كُنْت مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا تَيَمَّمْ . أَوْ كُنْت مَعَ هَذَا وَهَذَا مَعَ قِيَامِك إلَى الصَّلَاةِ وَأَنْتَ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ . وَمَعَ مَرَضِك وَسَفَرِك قَدْ جِئْت مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْت النِّسَاءَ : فَتَيَمَّمْ إنْ كُنْت مَعْذُورًا . وَإِيضَاحُ هَذَا : أَنَّهُ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ الَّذِي يُخَصُّ بِالذِّكْرِ لِامْتِيَازِهِ . وَتَخْصِيصُهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ . وَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ : إنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَامِّ ثُمَّ ذُكِرَ بِخُصُوصِهِ . وَيُقَالُ : بَلْ ذِكْرُهُ خَاصًّا يَمْنَعُ دُخُولَهُ فِي الْعَامِّ . وَهَذَا يَجِيءُ فِي الْعَطْفِ بِأَوْ وَأَمَّا بِالْوَاوِ : فَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى { وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } وَقَوْلِهِ : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ } الْآيَةُ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ : { إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَأَمَّا فِي " أَوْ " فَفِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى { وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } وَقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } وَقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } وَقَوْلِهِ { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا } فَإِنَّ الْجَنَفَ هُوَ الْمَيْلُ عَنْ الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ عَامِدًا . قَالَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ " الْجَنَفُ " الْخَطَأُ وَ " الْإِثْمُ " الْعَمْدُ . قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ : الْجَنَفُ : الْخُرُوجُ عَنْ الْحَقِّ . وَقَدْ يُسَمَّى " الْمُخْطِئُ الْعَامِدُ " إلَّا أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ عَلَّقُوا " الْجَنَفَ " عَلَى الْمُخْطِئِ وَ " الْإِثْمَ " عَلَى الْعَامِدِ . وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ : { وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } فَإِنَّ " الْكَفُورَ " هُوَ الْآثِمُ أَيْضًا . لَكِنَّهُ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ . وَقَدْ قِيلَ : هُمَا وَصْفَانِ لِمَوْصُوفِ وَاحِدٍ وَهُوَ أَبْلَغُ . فَإِنَّ عَطْفَ الصِّفَةِ عَلَى الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفُ وَاحِدٌ كَقَوْلِهِ : { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى } { وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } وَقَوْلِهِ : { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ } وَقَوْلِهِ : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } { وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ } { وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ } { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ . قَالَ ابْنُ زَيْدٍ : الْآثِمُ الْمُذْنِبُ الظَّالِمُ وَالْكَفُورُ . هَذَا كُلُّهُ وَاحِدٌ . قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ : هُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَنَّهُ يُعَرِّفُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يُطِيعَهُ بِأَيِّ وَصْفٍ كَانَ مِنْ هَذَيْنِ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ آثِمٌ وَهُوَ كَفُورٌ وَلَمْ يَكُنْ لِلْأُمَّةِ مِنْ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ الْإِثْمُ عَلَى الْمَعَاصِي . قَالَ : وَاللَّفْظُ إنَّمَا يَقْتَضِي نَهْيَ الْإِمَامِ عَنْ طَاعَةِ آثِمٍ مِنْ الْعُصَاةِ أَوْ كَفُورٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ : لَيْسَ فِيهَا تَخْيِيرٌ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ . وَكَذَلِكَ قَالَ طَائِفَةٌ : مِنْهُمْ البغوي وَابْنُ الْجَوْزِيِّ . وَقَالَ الْمَهْدِيُّ : أَيْ لَا تُطِعْ مَنْ أَثِمَ أَوْ كَفَرَ . وَدُخُولُ " أَوْ " يُوجِبُ أَنْ لَا تُطِيعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ . وَلَوْ قَالَ : وَلَا تُطِعْ مِنْهُمَا آثِمًا أَوْ كَفُورًا لَمْ يَلْزَمْ النَّهْيُ إلَّا فِي حَالِ اجْتِمَاعِ الْوَصْفَيْنِ . وَقَدْ يُقَالُ : إنَّ " الْكَفُورَ " هُوَ الْجَاحِدُ لِلْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا . فَيَكُونُ هَذَا أَعَمُّ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ وَجْهِ التَّمَسُّكِ . وقَوْله تَعَالَى { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } مِنْ هَذَا الْبَابِ . فَإِنَّهُ خَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ . فَقَالَ : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا } وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْمُحْدِثِينَ كَمَا تَقَدَّمَ . ثُمَّ قَالَ : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } ثُمَّ قَالَ " وَإِنْ كُنْتُمْ - مَعَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ - مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا " وَهَذَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ مُحْدِثٍ سَوَاءٌ كَانَ قَدْ جَاءَ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَمْ يَجِئْ كَالْمُسْتَيْقِظِ مَنْ نَوْمِهِ . وَالْمُسْتَيْقِظِ إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ الرِّيحُ . وَيَتَنَاوَلُ كُلَّ جُنُبٍ سَوَاءٌ كَانَتْ جَنَابَتُهُ بِاحْتِلَامِ أَوْ جِمَاعٍ . فَقَالَ " وَإِنْ كُنْتُمْ مُحْدِثُونَ - جُنُبٌ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ - أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ " وَهَذَا نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الْحَدَثِ { أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } وَهَذَا نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الْجَنَابَةِ . ثُمَّ قَدْ يُقَالُ : " لَفْظُ الْجُنُبِ " يَتَنَاوَلُ النَّوْعَيْنِ وَخُصَّ الْمُجَامِعُ بِالذِّكْرِ وَكَذَلِكَ " الْقَائِمُ إلَى الصَّلَاةِ " يَتَنَاوَلُ مَنْ جَاءَ مِنْ الْغَائِطِ وَمَنْ أَحْدَثَ بِدُونِ ذَلِكَ لَكِنْ خُصَّ الْجَائِي بِالذِّكْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا } فَالْآثِمُ هُوَ الْمُتَعَمِّدُ وَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ - وَإِنْ كَانَ دَخَلَ - لِيُبَيَّنَ حُكْمَهُ بِخُصُوصِهِ وَلِئَلَّا يُظَنَّ خُرُوجُهُ عَنْ اللَّفْظِ الْعَامِّ . وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ فَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ . وَالتَّقْدِيرُ : إنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَتَيَمَّمُوا . وَهَذَا مَعْنَى الْآيَةِ .