تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَمَرَنَا بِالطَّهَارَتَيْنِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى وَبِالتَّيَمُّمِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَقَالَ : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا } فَأَمَرَ بِالْوُضُوءِ . ثُمَّ قَالَ : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } فَأَمَرَ بِالتَّطَهُّرِ مِنْ الْجَنَابَةِ كَمَا قَالَ فِي الْمَحِيضِ : { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ } وَقَالَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ : { وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ التَّطَهُّرَ هُوَ الِاغْتِسَالُ . وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْجُنُبِ إلَّا الِاغْتِسَالُ وَأَنَّهُ إذَا اغْتَسَلَ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْرَبَ الصَّلَاةَ . وَالْمُغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ كَمَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ . وَالْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد : أَنَّ عَلَيْهِ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَكَذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِعْلُ الْوُضُوءِ وَلَا تَرْتِيبٌ وَلَا مُوَالَاةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ . وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد . وَقِيلَ : لَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ إلَّا بِهِمَا . وَقِيلَ : لَا يَرْتَفِعُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ . رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَد . وَالْقُرْآنُ يَقْتَضِي : أَنَّ الِاغْتِسَالَ كَافٍ . وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ حَدَثٌ آخَرُ بَلْ صَارَ الْأَصْغَرُ جُزْءًا مِنْ الْأَكْبَرِ . كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَصْغَرِ جُزْءٌ مِنْ الْوَاجِبِ فِي الْأَكْبَرِ فَإِنَّ الْأَكْبَرَ يَتَضَمَّنُ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ . وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ عَطِيَّةَ وَاَللَّوَاتِي غَسَّلْنَ ابْنَتَهُ : { اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءِ وَسِدْرٍ . وَابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا } . فَجَعَلَ غَسْلَ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ جُزْءًا مِنْ الْغُسْلِ لَكِنَّهُ يُقَدَّمُ كَمَا تُقَدَّمُ الْمَيَامِنُ . وَكَذَلِكَ الَّذِينَ نَقَلُوا صِفَةَ غُسْلِهِ كَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ذَكَرَتْ { أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى شَعْرِهِ ثُمَّ عَلَى سَائِرِ بَدَنِهِ } وَلَا يَقْصِدُ غَسْلَ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ وَكَانَ لَا يَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْغُسْلِ . فَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ لَا يَغْسِلَانِ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ وَلَا يَنْوِيَانِ وُضُوءًا بَلْ يَتَطَهَّرَانِ وَيَغْتَسِلَانِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى . وَقَوْلُهُ : { فَاطَّهَّرُوا } أَرَادَ بِهِ الِاغْتِسَالَ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَيْضِ { حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } أَرَادَ بِهِ الِاغْتِسَالَ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ : مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد . وَأَنَّ مَنْ قَالَ : هُوَ غَسْلُ الْفَرْجِ . كَمَا قَالَهُ داود فَهُوَ ضَعِيفٌ .