تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ وَنَذْكُرُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ : { أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } . الْمُرَادُ بِهِ : الْجِمَاعُ . كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرُهُ مِنْ الْعَرَبِ . وَهُوَ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ . وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ . وَلَيْسَ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ النِّسَاءِ لَا كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ . وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ دَائِمًا يَمَسُّونَ نِسَاءَهُمْ . وَمَا نَقَلَ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدًا بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ النِّسَاءِ . وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّهُ أَرَادَ مَا دُونَ الْجِمَاعِ وَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ . فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ بِالْيَدِ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ فِي الْمَسِّ بِشَهْوَةِ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ حَسَنٌ مُسْتَحَبٌّ لِإِطْفَاءِ الشَّهْوَةِ كَمَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنْ الْغَضَبِ لِإِطْفَائِهِ . وَأَمَّا وُجُوبُهُ : فَلَا . وَأَمَّا الْمَسُّ الْمُجَرَّدُ عَنْ الشَّهْوَةِ : فَمَا أَعْلَمُ لِلنَّقْضِ بِهِ أَصْلًا عَنْ السَّلَفِ . وقَوْله تَعَالَى { أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } لَمْ يَذْكُرْ فِي الْقُرْآنِ الْوُضُوءَ مِنْهُ بَلْ إنَّمَا ذَكَرَ التَّيَمُّمَ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ الْمُحْدِثَ الْقَائِمَ لِلصَّلَاةِ : بِالْوُضُوءِ . وَأَمَرَ الْجُنُبَ بِالِاغْتِسَالِ فَذَكَرَ الطَّهَارَةَ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ النَّوْعَيْنِ . وَقَوْلُهُ : { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ } بَيَانٌ لِتَيَمُّمِ هَذَا . وَقَوْلُهُ : { أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } لَمْ يَذْكُرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِبَيَانِ طَهَارَةِ الْمَاءِ . إذَا كَانَ قَدْ عُرِفَ أَصْلَ هَذَا . فَقَوْلُهُ { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا } وَقَوْلُهُ : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } فَالْآيَةُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا أَنَّ اللَّامِسَ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ يَتَيَمَّمُ . فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ ؟ يَأْمُرُ مَنْ مَسَّ الْمَرْأَةَ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ . فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِالتَّيَمُّمِ مَنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْوُضُوءِ ؟ وَهُوَ إنَّمَا أَمَرَ بِالتَّيَمُّمِ مِنْ أَمْرِهِ بِالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ . وَنَظِيرُ هَذَا يَطُولُ . وَمَنْ تَدَبَّرَ الْآيَةَ قَطَعَ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ .