تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ وَفِي الْآيَةِ دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَخَلِّيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ فَرْجِهِ بِالْمَاءِ إنَّمَا يَجِبُ الْمَاءُ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ بِسَبِيلِهِ عَلَى أَنَّ إزَالَةَ النَّجْوِ وَالْخَبَثِ لَا يَتَعَيَّنُ لَهَا الْمَاءُ فَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ تَدُلُّ النُّصُوصُ ; إذْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فِيهَا تَارَةً بِالْمَاءِ وَتَارَةً بِغَيْرِ الْمَاءِ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوَاضِعَ . إذْ الْمَقْصُودُ هُنَا : التَّنْبِيهُ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ . فَإِنَّ قَوْلَهُ : { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } نَصٌّ فِي أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ يُصَلِّي وَإِنْ تَغَوَّطَ . بِلَا غُسْلٍ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ { أَنَّهُ يَكْفِيهِ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ } وَأَمَّا مَعَ الْعُذْرِ : فَإِنَّهُ قَالَ : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا } وَهَذَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ قَائِمٍ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ مَنْ جَاءَ مِنْ الْغَائِطِ كَمَا يَتَنَاوَلُ مَنْ خَرَجَتْ مِنْهُ الرِّيحُ . فَلَوْ كَانَ غَسْلُ الْفَرْجَيْنِ بِالْمَاءِ وَاجِبًا عَلَى الْقَائِمِ إلَى الصَّلَاةِ : لَكَانَ وَاجِبًا كَوُجُوبِ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ . وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ وَالْمُتَيَمِّمَ مُتَطَهِّرٌ . وَالْفَرْجَانِ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِالِاكْتِفَاءِ فِيهِمَا بِالِاسْتِجْمَارِ . وقَوْله تَعَالَى { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ مُسْتَحَبٌّ يُحِبُّهُ اللَّهُ لَا أَنَّهُ وَاجِبٌ . بَلْ لَمَّا كَانَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ - وَلَمْ يَذُمَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ بَلْ أَقَرَّهُمْ . وَلَكِنْ خَصَّ هَؤُلَاءِ بِالْمَدْحِ - دَلَّ عَلَى جَوَازِ مَا فَعَلَهُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ . وَأَنَّ فِعْلَ هَؤُلَاءِ أَفْضَلُ وَأَنَّهُ مِمَّا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ .