تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ التَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ : النِّزَاعُ فِيهِ مَشْهُورٌ . فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد : يَجِبُ . وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ : لَا يَجِبُ . وَأَحْمَد قَدْ نَصَّ عَلَى وُجُوبِهِ نُصُوصًا مُتَعَدِّدَةً . وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُتَقَدِّمُونَ - كَالْقَاضِي وَمَنْ قَبْلَهُ - عَنْهُ نِزَاعًا . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : لَمْ أَرَ عَنْهُ فِيهِ خِلَافًا . قَالَ : وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ : رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَحْمَد : أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ . قُلْت : هَذِهِ أُخِذَتْ مِنْ نَصِّهِ فِي الْقَبْضَةِ لِلِاسْتِنْشَاقِ فَلَوْ أَخَّرَ غَسْلَهَا إلَى مَا بَعْدَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ : فَفِيهِ عَنْ أَحْمَد رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ . فَإِنَّهُ قَالَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ : إنَّهُ لَوْ نَسِيَهُمَا حَتَّى صَلَّى : تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ ; لِمَا فِي السُّنَنِ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ معديكرب { أَنَّهُ أُتِيَ بِوَضُوءٍ . فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ } . فَغَيْرُ أَبِي الْخَطَّابِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا بِأَنَّ التَّرْتِيبَ إنَّمَا يَجِبُ فِيمَا ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ . وَهُمَا لَيْسَا فِي الْقُرْآنِ . وَأَبُو الْخَطَّابِ - وَمَنْ تَبِعَهُ - رَأَوْا هَذَا فَرْقًا ضَعِيفًا . فَإِنَّ الْأَنْفَ وَالْفَمَ لَوْ لَمْ يَكُونَا مِنْ الْوَجْهِ لَمَا وَجَبَ غَسْلُهُمَا . وَلِهَذَا خَرَّجَ الْأَصْحَابُ : أَنَّهُمَا مِنْ الْوَجْهِ . كَمَا قَالَ الخرقي وَغَيْرُهُ " وَالْفَمُ وَالْأَنْفُ مِنْ الْوَجْهِ " وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِهِمَا غَسْلَ الْوَجْهِ . يَبْدَأُ بِغَسْلِ مَا بَطَنَ مِنْهُ . وَقَدَّمَ الْمَضْمَضَةَ لِأَنَّ الْفَمَ أَقْرَبُ إلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْأَنْفِ . وَلِهَذَا كَانَ الْأَمْرُ بِهِ أَوْكَدَ . وَجَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالْأَمْرِ بِهِ . ثُمَّ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ سَائِرَ الْوَجْهَ . فَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِهِمَا مَعَ النِّزَاعِ فَهُمَا كَسَائِرِ مَا نُوزِعَ فِيهِ . مِثْلُ الْبَيَاضِ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ فَمَالِكٌ وَغَيْرُهُ يَقُولُ : لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ . وَفِي النَّزْعَتَيْنِ وَالتَّحْذِيفِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ . قِيلَ : هُمَا مِنْ الرَّأْسِ . وَقِيلَ : مِنْ الْوَجْهِ . وَالصَّحِيحُ : أَنَّ النَّزْعَتَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ وَالتَّحْذِيفُ مِنْ الْوَجْهِ . فَلَوْ نَسِيَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ . فَتَسْوِيَةُ أَبِي الْخَطَّابِ أَقْوَى . وَعَلَى هَذَا : فَأَحْمَدُ إنَّمَا نَصَّ عَلَى مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ نَاسِيًا . وَلِهَذَا قِيلَ لَهُ : نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ وَحْدَهَا ؟ فَقَالَ : الِاسْتِنْشَاقُ عِنْدِي أَوْكَدُ . يَعْنِي إذَا نَسِيَ ذَلِكَ وَصَلَّى . قَالَ : يَغْسِلُهُمَا وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَالْإِعَادَةُ إذَا تَرَكَ الِاسْتِنْشَاقَ عِنْدَهُ أَوْكَدُ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ . وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ فَإِنَّ جَمِيعَ مَنْ نَقَلَ وُضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوا : أَنَّهُ بَدَأَ بِهِمَا . وَهَذَا حَكَى فِعْلًا وَاحِدًا . فَلَا يُمْكِنُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ كَانَ مُتَعَمِّدًا . وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي تَأْخِيرِهِمَا عَمْدًا سُنَّةٌ بَلْ السُّنَّةُ فِي النِّسْيَانِ . فَإِنَّ النِّسْيَانَ مُتَيَقِّنٌ . فَإِنَّ الظَّاهِرَ : أَنَّهُ كَانَ نَاسِيًا إذَا قُدِّرَ الشَّكُّ . فَإِذَا جَازَ مَعَ التَّعَمُّدِ فَمَعَ النِّسْيَانِ أَوْلَى . فَالنَّاسِي مَعْذُورٌ بِكُلِّ حَالٍ . بِخِلَافِ الْمُتَعَمِّدِ . وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ . وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَعَمِّدِ لِتَنْكِيسِ الْوُضُوءِ وَبَيْنَ الْمَعْذُورِ بِنِسْيَانِ أَوْ جَهْلٍ . وَهُوَ أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ . وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ . وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِأُصُولِ الْمَذْهَبِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد فِي الصُّورَةِ الَّتِي خَرَّجَ مِنْهَا أَبُو الْخَطَّابِ . فَمِنْ ذَلِكَ : إذَا أَخَلَّ بِالتَّرْتِيبِ بَيْنَ الذَّبْحِ وَالْحَلْقِ . فَإِنَّ الْجَاهِلَ يُعْذَرُ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ . وَأَمَّا الْعَالِمُ الْمُتَعَمِّدُ : فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ وَالسُّنَّةُ إنَّمَا جَاءَتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَيَقُولُ : { افْعَلْ وَلَا حَرَجَ } لِأَنَّهُمْ قَدَّمُوا وَأَخَّرُوا بِلَا عِلْمٍ . لَمْ يَتَعَمَّدُوا الْمُخَالَفَةَ لِلسُّنَّةِ . وَإِلَّا فَالْقُرْآنُ قَدْ جَاءَ بِالتَّرْتِيبِ لِقَوْلِهِ : { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنِّي قَلَّدْت هَدْيِي وَلَبَّدْت رَأْسِي فَلَا أُحِلُّ وَأَحْلِقُ حَتَّى أَنْحَرَ } . وَقَوْلُهُ { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } أَدَلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ مِنْ قَوْلِهِ : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } . لَكِنْ يُقَالُ : قَدْ فَرَّقُوا بِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ مُرْتَبِطٌ بَعْضُهَا بِبَعْضِ وَتِلْكَ عِبَادَاتٌ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ . وَهَكَذَا فَرَّقَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ . فَقَالَ : ذَاكَ كُلُّهُ مِنْ الْحَجِّ : الدِّمَاءُ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ . وَالْحَجُّ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ . وَلِهَذَا مَتَى وَطِئَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ الْحَجُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ . وَهَلْ يَحْصُلُ كَالدَّمِ وَحْدَهُ أَوْ كَالدَّمِ وَالْحَلْقِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ . وَمِنْهَا : إذَا نَسِيَ بَعْضَ آيَاتِ السُّورَةِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ . فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُهَا وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهَا مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ تَنْكِيسَ آيَاتِ السُّورَةِ فِي الْإِضَافَةِ بَلْ دِلَالَةُ الْإِضَافَةِ عَلَى مَعْنَاهُ كَدِلَالَةِ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُضَافَةِ فَكُلُّ لَفْظٍ أُضِيفَ إلَى لَفْظٍ دَلَّ عَلَى مَعْنًى يَخْتَصُّ ذَلِكَ الْمُضَافُ إلَيْهِ فَكَمَا إذَا قِيلَ : يَدُ زَيْدٍ وَرَأْسُهُ : وَعِلْمُهُ وَدِينُهُ ; وَقَوْلُهُ وَحُكْمُهُ وَخَبَرُهُ : دَلَّ عَلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دِينُ زَيْدٍ مِثْلَ دِينِ عَمْرٍو ; بَلْ دِينُ هَذَا الْكُفْرُ وَدِينُ هَذَا الْإِسْلَامُ وَلَا حُكْمُهُ مِثْلَ حُكْمِهِ ; بَلْ هَذَا الْحُكْمُ بِالْجَوْرِ وَهَذَا الْحُكْمُ بِالْعَدْلِ وَلَا خَبَرُهُ مِثْلَ خَبَرِهِ ; بَلْ خَبَرُ هَذَا صِدْقٌ وَخَبَرُ هَذَا كَذِبٌ ; وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ : لَوْنُ هَذَا وَلَوْنُ هَذَا كَانَ لَوْنُ كَلٍّ مِنْهُمَا يَخْتَصُّ بِهِ وَإِنْ كَانَ هَذَا أَسْوَدَ وَهَذَا أَبْيَضَ . فَقَدْ كَانَ لَوْنُ اللَّفْظِ الْمُضَافِ وَاحِدًا مَعَ اخْتِلَافِ الْحَقَائِقِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ; كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَإِنَّمَا يُمَيَّزُ لَوْنَ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بِإِضَافَتِهِ إلَى مَا يُمَيِّزُهُ . فَإِنْ قِيلَ : لَفْظُ الْكَوْنِ وَالدِّينِ وَالْخَبَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَعُمُّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ ; فَكَانَتْ عَامَّةً ; وَتُسَمَّى مُتَوَاطِئَةً ; بِخِلَافِ لَفْظِ الرَّأْسِ وَالظَّهْرِ وَالْجَنَاحِ فَإِنَّهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا تَنْصَرِفُ إلَى أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ . قِيلَ : فَهَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ ; أَلَيْسَتْ بِالْإِضَافَةِ اخْتَصَّتْ ؟ فَكَانَتْ عَامَّةً مُطْلَقَةً ثُمَّ تَخَصَّصَتْ بِالْإِضَافَةِ أَوْ التَّعْرِيفِ فَهِيَ مِنْ بَابِ اللَّفْظِ الْعَامِّ إذَا خُصَّ بِإِضَافَةِ أَوْ تَعْرِيفٍ . وَتَخْصِيصُهُ بِذَلِكَ كَتَخْصِيصِهِ بِالصِّفَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ ; وَالْبَدَلِ وَالْغَايَةِ كَمَا يُقَالُ : اللَّوْنُ الْأَحْمَرُ وَالْخَبَرُ الصَّادِقُ وَالزُّهْرِيُّ والأوزاعي فِيمَنْ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ فَرَأَى فِي لِحْيَتِهِ بَلَلًا . فَمَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ فَلَمْ يَأْمُرُوهُ بِإِعَادَةِ غَسْلِ رِجْلَيْهِ . وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ . وَقَدْ نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ مَا أُبَالِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْت قَالَ أَحْمَد : إنَّمَا عَنَى بِهِ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى ; لِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا مِنْ الْكِتَابِ وَاحِدٌ . ثُمَّ قَالَ أَحْمَد : حَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ قَابُوسَ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ عَلِيًّا سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ : أَحَدُنَا يَسْتَعْجِلُ فَيَغْسِلُ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ : لَا حَتَّى يَكُونَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى " فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَحْمَد عَنْ عَلِيٍّ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ . وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ : يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ مَعَ النِّسْيَانِ وَيُعِيدُ الْمَنْسِيَّ فَقَطْ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّفْصِيلَ قَوْلُ عَلِيٍّ . رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ مَنْ أَسْقَطَهُ مُطْلَقًا : مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " لَا بَأْسَ أَنَّ تَبْدَأَ بِرِجْلَيْك قَبْلَ يَدَيْك " . لَكِنْ قَالَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ : لَا نَعْرِفُ لِهَذَا أَصْلًا ; وَنَقَلُوا فِي الْوُجُوبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ . وَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ التَّابِعِينَ . وَصُورَةُ النِّسْيَانِ مُرَادَةٌ قَطْعًا . فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ أَوْ جَمِيعِهِمْ . وَالْأَمْرُ الْمُنْكَرُ : أَنْ تَتَعَمَّدَ تَنْكِيسَ الْوُضُوءِ . فَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ . فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ جَائِزًا لَكَانَ قَدْ وَقَعَ أَحْيَانًا أَوْ تَبَيَّنَ جَوَازُهُ - كَمَا فِي تَرْتِيبِ التَّسْبِيحِ - لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَفْضَلُ الْكَلَامِ - بَعْدَ الْقُرْآنِ - أَرْبَعٌ . وَهُنَّ مِنْ الْقُرْآنِ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ . لَا يَضُرُّك بِأَيَّتِهِنَّ بَدَأْت } . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ شَرْعًا وَمَذْهَبًا : أَنَّ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً صَلَّاهَا إذَا ذَكَرَهَا بِالنَّصِّ . وَقَدْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ هُنَا فِي مَذْهَبِ أَحْمَد بِلَا خِلَافٍ وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ . وَلَكِنْ حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ : أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ . وَقَاسُوا ذَلِكَ عَلَى تَرْتِيبِ الطَّهَارَةِ . وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا } نَصٌّ فِي أَنَّهُ يُصَلِّيهَا فِي أَيِّ وَقْتِ ذَكَرَ . وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ . وَقَدْ سَلَّمَ الْأَصْحَابُ : أَنَّ تَرْتِيبَ الْجَمْعِ لَا يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ . وَعُمُومُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِهِ . فَلَوْ كَانَتْ الْمَنْسِيَّةُ هِيَ الْأُولَى مِنْ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ : أَعَادَهَا وَحْدَهَا بِمُوجِبِ النَّصِّ . وَمَنْ أَوْجَبَ إعَادَةَ الثَّانِيَةِ فَقَدْ خَالَفَ . وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي سَائِرِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ كَالْمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَهُمْ فِي الثَّانِيَةِ : صَلَّاهَا مَعَهُمْ ثُمَّ صَلَّى الْأُولَى . كَمَا لَوْ أَدْرَكَ بَعْضَ الصَّلَاةِ . وَلَيْسَ تَرْتِيبُ صَلَاتِهِ عَلَى أَوَّلِ الصَّلَاةِ بِأَعْظَمَ مِنْ تَرْتِيبِ آخِرِ الصَّلَاةِ عَلَى أَوَّلِهَا . وَإِذَا كَانَ هَكَذَا سَقَطَ مَا أَدْرَكَ وَيَقْضِي مَا سَقَطَ ; فَهَذَا فِي الصَّلَاتَيْنِ أَوْلَى ; لَا سِيَّمَا وَهُوَ إذَا لَمْ يُدْرِكْ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَّا تَشَهُّدًا تَشَهَّدَ ثَلَاثَ تَشَهُّدَاتٍ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَشْهُورِ فِي قِصَّةِ مَسْرُوقٍ وَحَدِيثِهِ . وَهَذَا أَصْلٌ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ يُعْتَبَرُ بِهِ نَظَائِرُهُ ; وَهُوَ سُقُوطُ التَّرْتِيبِ عَنْ الْمَسْبُوقِ . وَكَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَا يُرَتِّبُونَ . فَيُصَلُّونَ مَا فَاتَهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ مَعَ الْإِمَامِ . لَكِنْ نُسِخَ ذَلِكَ . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ فَعَلَهُ مُعَاذٌ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ فَاتَّبِعُوهُ } . وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ : عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ الْقَضَاءِ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ . وَكَذَلِكَ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ سَاجِدًا سَجَدَ مَعَهُ بِالنَّصِّ وَاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . فَقَدْ سَجَدَ قَبْلَ الْقِيَامِ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ . لَكِنَّهُ لَوْ فَعَلَ هَذَا عَمْدًا لَمْ يَجُزْ . فَلَوْ كَبَّرَ وَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ : لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ . لَكِنَّ هَذَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ يَجِبُ فِيهَا التَّرْتِيبُ . فَإِنَّ هَذَا السُّجُودَ - وَلَوْ ضَمَّ إلَيْهِ بَعْدَ السَّلَامِ رُكُوعًا مُجَرَّدًا - لَمْ يَصِرْ ذَلِكَ رَكْعَةً . بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةِ بَعْدَهَا سَجْدَتَانِ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالتَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ . فَكَذَلِكَ إذَا نَسِيَ الرُّكُوعَ حَتَّى تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ . فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ : هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ ؟ وَالْمَنْصُوصُ إنْ لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ بَنَى عَلَى مَا مَضَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ . وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى سُقُوطِ الْمُوَالَاةِ وَالتَّرْتِيبِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ النِّسْيَانِ فَقَالَ مَكْحُولٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ - فِي الْمُصَلِّي : يَنْسَى سَجْدَةً أَوْ رَكْعَةً - يُصَلِّيهَا مَتَى مَا ذَكَرَهَا . وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ . وَقَالَ الأوزاعي - لِرَجُلِ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَذَكَرَهَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ - يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ . فَإِذَا فَرَغَ سَجَدَ . وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ : أَحَادِيثُ سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَوْ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ . وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ : فَالسُّجُودُ الَّذِي فَعَلَهُ مَعَ الْإِمَامِ : كَانَ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ . وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرَةَ { زَادَك اللَّهُ حِرْصًا ; وَلَا تَعُدْ } وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِالرَّكْعَةِ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَا عُذْرَ لَهُ حَتَّى وَإِذَا نَسِيَ رُكْنًا مِنْ الْأُولَى حَتَّى شَرَعَ فِي الثَّانِيَةِ . فَفِيهَا قَوْلَانِ . مَالِكٌ وَأَحْمَد لَا يَقُولَانِ بِالتَّلْفِيقِ . بَلْ تَلْغُو الْمَنْسِيُّ رُكْنَهَا . وَتَقُومُ هَذِهِ مَقَامَهَا . وَلَكِنْ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ بِالرُّكُوعِ ؟ فِيهِ نِزَاعٌ . وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ : مَا فَعَلَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ الْمَنْسِيِّ فَهُوَ لَغْوٌ . لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لَا أَنْ يَفْعَلَ نَظِيرَهُ فِي الثَّانِيَةِ . فَيَكُونُ هُوَ تَمَامَ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَكَرَ . فَإِنَّ السَّلَامَ يَقَعُ لَغْوًا . فَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ يَقُولَانِ : هُوَ إنَّمَا يَقْصِدُ بِمَا فَعَلَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ . لَمْ يَقْصِدْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأُولَى وَهُوَ إذَا قَرَأَ أَوْ رَكَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ : أَمْكَنَ أَنْ يَجْعَلَهَا هِيَ الْأُولَى . فَإِنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ ; فَلَا وَجْهَ لِإِبْطَالِ هَذِهِ وَلَا يَكُونُ فَاعِلًا لَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ إلَّا إذَا جُعِلَتْ هَذِهِ ثَانِيَةً . فَإِذَا جُعِلَتْ الْأُولَى : كَانَ قَدْ فَعَلَهُ فِي مَحَلِّهِ . وَإِذَا قِيلَ : هُوَ قَصَدَ الثَّانِيَةَ قَبْلُ وَقَصَدَ بِالسُّجُودِ فِيهَا السُّجُودَ فِي الثَّانِيَةِ لِرِعَايَةِ تَرْتِيبِهِ فِي أَبْعَاضِ الرَّكْعَةِ بِأَنْ لَا يَجْعَلَ بَعْضَهَا فِي رَكْعَةٍ غَيْرَهَا : أَوْلَى مِنْ رِعَايَتِهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ . فَإِنَّ جَعْلَ الْأُولَى ثَانِيَةً يَجُوزُ لِلْعُذْرِ كَمَا فِي الْمَسْبُوقِ . وَأَمَّا جَعْلُ سُجُودِ الثَّانِيَةِ تَمَامًا لِلْأُولَى : فَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ . وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَكَانٌ آخَرُ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : سُقُوطُ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ بِالنِّسْيَانِ وَكَذَلِكَ سُقُوطُ الْمُوَالَاةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ . وَكَذَلِكَ بِغَيْرِ النِّسْيَانِ مِنْ الْأَعْذَارِ مِثْلُ بُعْدِ الْمَاءِ . كَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ . فَإِنَّ الصَّلَاةَ نَفْسَهَا إذَا جَازَ فِيهَا عَدَمُ الْمُوَالَاةِ لِلْعُذْرِ ; فَالْوُضُوءُ أَوْلَى . بِدَلِيلِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَحَادِيثِ سُجُودِ السَّهْوِ . وَأَمَّا حَدِيثُ صَاحِبِ اللُّمْعَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ : فَمِثْلُ هَذَا لَا يُنْسَى . فَدَلَّ أَنَّهُ تَرَكَهَا تَفْرِيطًا . وَالْمُوَالَاةُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ : لَا تَجِبُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ { رَأَى فِي بَدَنِهِ مَوْضِعًا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَعَصَرَ عَلَيْهِ شَعْرَهُ } وَالْأَصْحَابُ فَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ . فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ تَرْتِيبُهُ فَكَذَلِكَ الْمُوَالَاةُ . وَمَالِكٌ يُوجِبُ الْمُوَالَاةَ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ . وَأَمَّا فِي الْغُسْلِ : فَالْبَدَنُ كَعُضْوِ وَاحِدٍ . وَالْعُضْوُ الْوَاحِدُ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ . وَأَمَّا تَعَمُّدُ تَفْرِيقِ الْغُسْلِ : فَهُوَ كَتَعَمُّدِ تَفْرِيقِ غَسْلِ الْعُضْوِ الْوَاحِدِ . لَكِنْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ; فَإِنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُ الْمَاءِ مَحَلَّهُ ; بِخِلَافِ الْوُضُوءِ . فَإِنَّ حُكْمَهُ طَهَارَةُ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَالْمَغْسُولُ أَرْبَعَةُ أَعْضَاءٍ . وَهَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ . وَالْجُنُبُ إذَا وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ اسْتَعْمَلَهُ . وَأَمَّا الْمُتَوَضِّئُ : فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْأَصْحَابِ . وَمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ جَعَلَ الْوُضُوءَ يَتَفَرَّقُ لِلْعُذْرِ وَجَعَلَ مَا غُسِلَ يَحْصُلُ بِهِ بَعْضُ الطَّهَارَةِ . وَكَذَلِكَ الْمَاسِحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا خَلَعَهُمَا . هَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ يُعِيدُ الْوُضُوءَ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ هُمَا رِوَايَتَانِ . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْمَأْخَذَ هُوَ الْمُوَالَاةُ . وَقِيلَ : إنَّ الْمَأْخَذَ أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُنْقَضُ . فَإِذَا عَادَ الْحَدَثُ إلَى الرَّجُلِ عَادَ إلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَهَذَا عِنْدَ الْعُذْرِ : فِيهِ نِزَاعٌ كَمَا تَقَدَّمَ . وَقَدْ يَكُونُ التَّرْتِيبُ شَرْطًا لَا يَسْقُطُ بِجَهْلِ وَلَا نِسْيَانٍ . كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ شَاةُ لَحْمٍ } فَالذَّبْحُ لِلْأُضْحِيَّةِ : مَشْرُوطٌ بِالصَّلَاةِ قَبْلَهُ . وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ جَاهِلًا . فَلَمْ يَعْذُرْهُ بِالْجَهْلِ . بَلْ أَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الذَّبْحِ . بِخِلَافِ الَّذِينَ قَدَّمُوا فِي الْحَجِّ : الذَّبْحَ عَلَى الرَّمْيِ أَوْ الْحَلْقَ عَلَى مَا قَبْلَهُ . فَإِنَّهُ قَالَ { افْعَلْ وَلَا حَرَجَ } فَهَاتَانِ سُنَّتَانِ : سُنَّةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ إذَا ذُبِحَتْ قَبْلَ الصَّلَاةِ : أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ . وَسُنَّةٌ فِي الْهَدْيِ إذَا ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ جَهْلًا : أَجْزَأَ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْهَدْيَ صَارَ نُسُكًا بِسَوْقِهِ إلَى الْحَرَمِ وَتَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ . فَقَدْ بَلَغَ مَحَلَّهُ فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ . فَإِذَا قَدَّمَ جَهْلًا : لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ هَدْيًا ; وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ : فَإِنَّهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ لَا تَتَمَيَّزُ عَنْ شَاةِ اللَّحْمِ . كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هِيَ شَاةُ لَحْمٍ قَدَّمَهَا لِأَهْلِهِ } وَإِنَّمَا هِيَ نُسُكٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } وَقَالَ : { إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي } فَصَارَ فِعْلُهُ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ : كَالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا . فَهَذَا وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ ; وَقْتُهُ بَعْدَ فِعْلِ الصَّلَاةِ كَمَا بَيَّنَ الرَّسُولُ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ : مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ . وَإِنَّمَا قَدَّرَ وَقْتَهَا بِمِقْدَارِ الصَّلَاةِ : الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد كالخرقي . وَفِي الْأُضْحِيَّةِ : يُشْتَرَطُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَذْبَحَ بَعْدَ الْإِمَامِ . وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد . ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ . وَالْحُجَّةُ فِيهِ : حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحِ . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ قَوْلَهُ { لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ فِي الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْإِمَامِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد : يَجِبُ فِيهِ دَمٌ . فَهَذَا عِنْدَ مَنْ يُوجِبُهُ بِمَنْزِلَةِ اتِّبَاعِ الْمَأْمُومِ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ .