وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ هَلْ تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ مَنْ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ ؟ .
فَأَجَابَ : وَأَمَّا صَلَاةُ الرَّجُلِ خَلْفَ مَنْ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ فَهَذِهِ تَصِحُّ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَكِنَّ النِّزَاعَ فِي صُورَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : خِلَافُهَا شَاذٌّ وَهُوَ مَا إذَا أَتَى الْإِمَامُ بِالْوَاجِبَاتِ كَمَا يَعْتَقِدُهُ الْمَأْمُومُ لَكِنْ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا مِثْلَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ إذَا فَعَلَهُ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَهُ وَالْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ فَهَذَا فِيهِ خِلَافٌ شَاذٌّ . وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَجُمْهُورُ الْخَلَفِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ . وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِيهَا نِزَاعٌ مَشْهُورٌ إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ مَا يَعْتَقِدُ الْمَأْمُومُ وُجُوبَهُ مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ قِرَاءَةَ الْبَسْمَلَةِ سِرًّا وَجَهْرًا وَالْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا . أَوْ مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ أَوْ لَمْسِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ . أَوْ الْقَهْقَهَةِ أَوْ خُرُوجِ النَّجَاسَاتِ أَوْ النَّجَاسَةِ النَّادِرَةِ وَالْمَأْمُومُ يَرَى وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ . أَصَحُّهُمَا صِحَّةُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْرَحُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بَلْ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ لَا يَقْرَءُونَ الْبَسْمَلَةَ وَمَذْهَبُهُ وُجُوبُ قِرَاءَتِهَا . وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ } فَجَعَلَ خَطَأَ الْإِمَامِ عَلَيْهِ دُونَ الْمَأْمُومِ . وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ إنْ كَانَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ فِيهَا هُوَ الصَّوَابَ فَلَا نِزَاعَ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فَخَطَؤُهُ مُخْتَصٌّ بِهِ وَالْمُنَازِعُ يَقُولُ : الْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ إمَامِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْإِمَامَ يُصَلِّي بِاجْتِهَادِ أَوْ تَقْلِيدٍ إنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَهُوَ يُنَفِّذُ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ اقْتِدَائِهِ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُجْتَهِدُ حُكْمُهُ بَاطِلًا لَمْ يَجُزْ إنْفَاذُ الْبَاطِلِ وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الطَّهَارَةَ نَاسِيًا لَمْ يُعِدْ الْمَأْمُومُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ . كَمَا ثَبَتَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مَعَ أَنَّ النَّاسِيَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ وَالْمُتَأَوِّلُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ . فَإِذَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فَلِأَنْ تَصِحَّ خَلْفَ مَنْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَوْلَى وَالْإِمَامُ يُعِيدُ إذَا ذَكَرَ دُونَ الْمَأْمُومِ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْإِمَامِ وَلَا مِنْ الْمَأْمُومِ تَفْرِيطٌ ; لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَرْجِعُ عَنْ اعْتِقَادِهِ بِقَوْلِهِ . بِخِلَافِ مَا إذَا رَأَى عَلَى الْإِمَامِ نَجَاسَةً وَلَمْ يُحَذِّرْهُ مِنْهَا فَإِنَّ الْمَأْمُومَ هُنَا مُفَرِّطٌ فَإِذَا صَلَّى يُعِيدُ لِأَنَّ ذَلِكَ لِتَفْرِيطِهِ وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يُعِيدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَأَحْمَد فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ . وَعِلْمُ الْمَأْمُومِ بِحَالِ الْإِمَامِ فِي صُورَةِ التَّأْوِيلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ مَغْفُورٌ لَهُ خَطَؤُهُ فَلَا تَكُونُ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .