تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ وَأَمَّا " الْعُشْرُ " : فَهُوَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ : كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ عَلَى مَنْ نَبَتَ الزَّرْعُ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ } فَالْأَوَّلُ يَتَضَمَّنُ زَكَاةَ التِّجَارَةِ وَالثَّانِي يَتَضَمَّنُ زَكَاةَ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ . فَمَنْ أَخْرَجَ اللَّهُ لَهُ الْحَبَّ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ فَإِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا فَالْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ كُلِّهِمْ . وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ . وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : الْعُشْرُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ . وَإِذَا زَارَعَ أَرْضًا عَلَى النِّصْفِ فَمَا حَصَلَ لِلْمَالِكِ فَعَلَيْهِ عُشْرُهُ وَمَا حَصَلَ لِلْعَامِلِ فَعَلَيْهِ عُشْرُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُشْر مَا أَخْرَجَهُ الله له . وَمَنْ أُعِيرُ أَرْضًا أَوْ أُقْطِعَهَا أَوْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى عَيْنِهِ فَازْدَرَعَ فِيهَا زَرْعًا : فَعَلَيْهِ عُشْرُهُ وَإِنْ آجَرَهَا فَالْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ زَارَعَهَا فَالْعُشْرُ بَيْنَهُمَا . وَأَصْلُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ : أَنَّ الْعُشْرَ حَقُّ الزَّرْعِ وَلِهَذَا كَانَ عِنْدَهُمْ يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ ; لِأَنَّ الْعُشْرَ حَقُّ الزَّرْعِ وَمُسْتَحِقُّهُ أَهْلُ الزَّكَاةِ وَالْخَرَاجُ حَقُّ الزَّرْعِ وَمُسْتَحِقُّهُ أَهْلُ الْفَيْءِ فَهُمَا حَقَّانِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَاجْتَمَعَا . كَمَا لَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَهْلِهِ وَالْكَفَّارَةُ حَقٌّ لِلَّهِ . وَكَمَا لَوْ قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ لِمَالِكِهِ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ حَقًّا لِلَّهِ . وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : الْعُشْرُ حَقُّ الْأَرْضِ فَلَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهَا حَقَّانِ وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ الْجُمْهُورُ : أَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تُزْرَعَ سَوَاءٌ زُرِعَتْ أَوْ لَمْ تُزْرَعْ وَأَمَّا الْعُشْرُ فَلَا يَجِبُ إلَّا فِي الزَّرْعِ . وَالْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ : { لَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ } كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ .