مسألة تالية
متن:
فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ عَقِيبَ صَلَاةٍ : إمَّا فَرْضٍ وَإِمَّا تَطَوُّعٍ إنْ كَانَ وَقْتَ تَطَوُّعٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَفِي الْآخَرِ إنْ كَانَ يُصَلِّي فَرْضًا أَحْرَمَ عَقِيبَهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ وَهَذَا أَرْجَحُ . وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْإِحْرَامِ وَلَوْ كَانَتْ نُفَسَاءَ أَوْ حَائِضًا وَإِنْ احْتَاجَ إلَى التَّنْظِيفِ : كَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَ ذَلِكَ . وَهَذَا لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِحْرَامِ وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذِكْرٌ فِيمَا نَقَلَهُ الصَّحَابَةُ لَكِنَّهُ مَشْرُوعٌ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَهَكَذَا يُشْرَعُ لِمُصَلِّي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ . وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ فِي ثَوْبَيْنِ نَظِيفَيْنِ فَإِنْ كَانَا أَبْيَضَيْنِ فَهُمَا أَفْضَلُ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ فِي جَمِيعِ أَجْنَاسِ الثِّيَابِ الْمُبَاحَةِ : مِنْ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ . وَالسُّنَّةُ أَنْ يُحْرِمَ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ سَوَاءٌ كَانَا مَخِيطَيْنِ أَوْ غَيْرَ مَخِيطَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَلَوْ أَحْرَمَ فِي غَيْرِهِمَا جَازَ إذَا كَانَ مِمَّا يَجُوزُ لُبْسُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ فِي الْأَبْيَضِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَلْوَانِ الْجَائِزَةِ وَإِنْ كَانَ مُلَوَّنًا . وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ فِي نَعْلَيْنِ إنْ تَيَسَّرَ وَالنَّعْلُ هِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا : التاسومة فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ لَبِسَ خُفَّيْنِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَهُمَا دُونَ الْكَعْبَيْنِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْقَطْعِ أَوَّلًا ثُمَّ رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي عَرَفَاتٍ فِي لُبْسِ السَّرَاوِيلِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا وَرَخَّصَ فِي لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَإِنَّمَا رَخَّصَ فِي الْمَقْطُوعِ أَوَّلًا ; لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْقَطْعِ كَالنَّعْلَيْنِ . وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ مَا دُونَ الْكَعْبَيْنِ : مِثْلَ الْخُفِّ الْمُكَعَّبِ وَالْجُمْجُمِ وَالْمَدَاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِدًا لِلنَّعْلَيْنِ أَوْ فَاقِدًا لَهُمَا وَإِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَلَا مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا : مِثْلُ الْجُمْجُمِ وَالْمَدَاسِ وَنَحْوُ ذَلِكَ . فَلَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّ وَلَا يَقْطَعَهُ وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَإِنَّهُ يَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ وَلَا يَفْتُقُهُ هَذَا أَصَحُّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْبَدَلِ فِي عَرَفَاتٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ . وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ فَلَهُ أَنْ يَلْتَحِفَ بِالْقَبَاءِ وَالْجُبَّةِ وَالْقَمِيصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَتَغَطَّى بِهِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ عَرْضًا وَيَلْبَسُهُ مَقْلُوبًا يَجْعَلُ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ وَيَتَغَطَّى بِاللِّحَافِ وَغَيْرِهِ ; وَلَكِنْ لَا يُغَطِّي رَأْسَهُ إلَّا لِحَاجَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى الْمُحْرِمَ أَنْ يَلْبَسَ الْقَمِيصَ وَالْبُرْنُسَ وَالسَّرَاوِيلَ وَالْخُفَّ وَالْعِمَامَةَ وَنَهَاهُمْ أَنْ يُغَطُّوا رَأْسَ الْمُحْرِمِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَمَرَ مَنْ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ أَنْ يَنْزِعَهَا عَنْهُ فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا كَانَ فِي مَعْنَى الْقَمِيصِ فَهُوَ مِثْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْقَمِيصَ لَا بِكُمِّ وَلَا بِغَيْرِ كُمٍّ وَسَوَاءٌ أَدْخَلَ فِيهِ يَدَيْهِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْهُمَا وَسَوَاءٍ كَانَ سَلِيمًا أَوْ مَخْرُوقًا وَكَذَلِكَ لَا يَلْبَسُ الْجُبَّةَ وَلَا الْقَبَاءَ الَّذِي يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِيهِ وَكَذَلِكَ الدِّرْعُ الَّذِي يُسَمَّى : ( عِرْق جين وَأَمْثَالُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . وَأَمَّا إذَا طَرَحَ الْقَبَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ يَدَيْهِ فَفِيهِ نِزَاعٌ . وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ : لَا يَلْبَسُ . وَالْمَخِيطُ مَا كَانَ مِنْ اللِّبَاسِ عَلَى قَدْرِ الْعُضْوِ وَكَذَلِكَ لَا يَلْبَسُ مَا كَانَ فِي مَعْنَى الْخُفِّ : كَالْمُوقِ وَالْجَوْرَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَلَا يَلْبَسُ مَا كَانَ فِي مَعْنَى السَّرَاوِيلِ : كَالتَّبَّانِ وَنَحْوِهِ وَلَهُ أَنْ يَعْقِدَ مَا يَحْتَاجُ إلَى عَقْدِهِ كَالْإِزَارِ وَهِمْيَانِ النَّفَقَةِ وَالرِّدَاءِ لَا يَحْتَاجُ إلَى عَقْدِهِ فَلَا يَعْقِدُهُ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى عَقْدِهِ فَفِيهِ نِزَاعٌ وَالْأَشْبَهُ جَوَازُهُ حِينَئِذٍ . وَهَلْ الْمَنْعُ مِنْ عَقْدِهِ مَنْعُ كَرَاهَةٍ أَوْ تَحْرِيمٍ فَفِيهِ نِزَاعٌ وَلَيْسَ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ دَلِيلٌ إلَّا مَا نُقِلَ عَنْ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ عَقْدَ الرِّدَاءِ . وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُتَّبِعُونَ لِابْنِ عُمَرَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هُوَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ . وَأَمَّا الرَّأْسُ فَلَا يُغَطِّيهِ لَا بِمَخِيطِ وَلَا غَيْرِهِ فَلَا يُغَطِّيهِ بِعِمَامَةِ وَلَا قَلَنْسُوَةٍ وَلَا كُوفِيَّةٍ وَلَا ثَوْبٍ يَلْصَقُ بِهِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ . وَلَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ تَحْتَ السَّقْفِ وَالشَّجَرِ وَيَسْتَظِلَّ فِي الْخَيْمَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِهِمْ وَأَمَّا الِاسْتِظْلَالُ بِالْمَحْمَلِ : فِي حَالِ السَّيْرِ فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ وَالْأَفْضَلُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُضَحِّيَ لِمَنْ أَحْرَمَ لَهُ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَحُجُّونَ وَقَدْ رَأَى ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ : أَيُّهَا الْهَرَمُ أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْت لَهُ . وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ الْقِبَابَ عَلَى الْمَحَامِلِ وَهِيَ الْمَحَامِلُ الَّتِي لَهَا رَأْسٌ وَأَمَّا الْمَحَامِلُ الْمَكْشُوفَةُ فَلَمْ يَكْرَهَا إلَّا بَعْضُ النُّسَّاكِ وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ . وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا عَوْرَةٌ فَلِذَلِكَ جَازَ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ الثِّيَابَ الَّتِي تَسْتَتِرُ بِهَا وَتَسْتَظِلُّ بِالْمَحْمَلِ لَكِنْ نَهَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَنْتَقِبَ أَوْ تَلْبَسَ الْقُفَّازَيْنِ وَالْقُفَّازَانِ : غِلَافٌ يُصْنَعُ لِلْيَدِ كَمَا يَفْعَلُهُ حَمَلَةُ الْبُزَاةِ وَلَوْ غَطَّتْ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا بِشَيْءِ لَا يَمَسُّ الْوَجْهَ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ يَمَسُّهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا . وَلَا تُكَلَّفُ الْمَرْأَةُ أَنْ تُجَافِيَ سُتْرَتَهَا عَنْ الْوَجْهِ لَا بِعُودِ وَلَا بِيَدِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَّى بَيْنَ وَجْهِهَا وَيَدَيْهَا وَكِلَاهُمَا كَبَدَنِ الرَّجُلِ لَا كَرَأْسِهِ . وَأَزْوَاجُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ يُسْدِلْنَ عَلَى وُجُوهِهِنَّ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ الْمُجَافَاةِ وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا " وَإِنَّمَا هَذَا قَوْلُ بَعْضِ السَّلَفِ لَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهَا أَنْ تَنْتَقِبَ أَوْ تَلْبَسَ الْقُفَّازَيْنِ كَمَا نَهَى الْمُحْرِمَ أَنْ يَلْبَسَ الْقَمِيصَ وَالْخُفَّ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتُرَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَالْبُرْقُعُ أَقْوَى مِنْ النِّقَابِ . فَلِهَذَا يُنْهَى عَنْهُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَلِهَذَا كَانَتْ الْمُحْرِمَةُ لَا تَلْبَسُ مَا يُصْنَعُ لِسَتْرِ الْوَجْهِ كَالْبُرْقُعِ وَنَحْوِهِ . فَإِنَّهُ كَالنِّقَابِ . وَلَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَ شَيْئًا مِمَّا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ إلَّا لِحَاجَةِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلصَّائِمِ أَنْ يُفْطِرَ إلَّا لِحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ مِثْلُ الْبَرْدِ الَّذِي يُخَافُ أَنْ يُمْرِضَهُ إذَا لَمْ يُغَطِّ رَأْسَهُ أَوْ مِثْلَ مَرَضٍ نَزَلَ بِهِ يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى تَغْطِيَةِ رَأْسِهِ فَيَلْبَسُ قَدْرَ الْحَاجَةِ فَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ نَزَعَ . وَعَلَيْهِ أَنْ يَفْتَدِيَ : إمَّا بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِمَّا بِنُسُكِ شَاةٍ أَوْ بِإِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ مُدٍّ مِنْ بُرٍّ وَإِنْ أَطْعَمَهُ خُبْزًا جَازَ وَيَكُونُ رِطْلَيْنِ بِالْعِرَاقِيِّ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ رِطْلٍ بِالدِّمَشْقِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَأْدُومًا وَإِنْ أَطْعَمَهُ مِمَّا يُؤْكَلُ : كَالْبُقْسُمَاطِ وَالرُّقَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ جَازَ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمْحًا أَوْ شَعِيرًا وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ إذَا أَعْطَاهُ مِمَّا يَقْتَاتُ بِهِ مَعَ أُدْمِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يُعْطِيَهُ حَبًّا مُجَرَّدًا إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَتُهُمْ أَنْ يَطْحَنُوا بِأَيْدِيهِمْ وَيَخْبِزُوا بِأَيْدِيهِمْ وَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ } الْآيَةَ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ مِنْ أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُ النَّاسُ أَهْلِيهِمْ . وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ هَلْ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ بِالشَّرْعِ أَوْ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا فِي النَّفَقَةِ : نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالرَّاجِحُ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ فَيُطْعِمُ كُلُّ قَوْمٍ مِمَّا يُطْعِمُونَ أَهْلِيهِمْ وَلَمَّا كَانَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ وَنَحْوُهُ يَقْتَاتُونَ التَّمْرَ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ فِرْقًا مِنْ التَّمْرِ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَالْفِرْقُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا بِالْبَغْدَادِيِّ . وَهَذِهِ الْفِدْيَةُ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَهَا إذَا احْتَاجَ إلَى فِعْلِ الْمَحْظُورِ قَبْلَهُ وَبُعْدَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَ النُّسُكَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى مَكَّةَ وَيَصُومَ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ مُتَتَابِعَةً إنْ شَاءَ وَمُتَفَرِّقَةً إنْ شَاءَ . فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ أَخَّرَ فِعْلَهَا وَإِلَّا عَجَّلَ فِعْلَهَا . وَإِذَا لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ مِرَارًا وَلَمْ يَكُنْ أَدَّى الْفِدْيَةَ أَجْزَأَتْهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ .