مسألة تالية
متن:
فَصْلٌ وَأَمَّا التَّلْبِيَةُ فِي وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُلَبُّونَ بِعَرَفَةَ فَإِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ نَحَرَ هَدْيَهُ إنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُنْحَرَ الْإِبِلُ مُسْتَقْبِلَةَ الْقِبْلَةَ قَائِمَةً مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ يُضْجِعُهَا عَلَى شِقِّهَا الْأَيْسَرِ مُسْتَقْبِلًا بِهَا الْقِبْلَةَ وَيَقُولُ : بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْت مِنْ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِك . وَكُلُّ مَا ذُبِحَ بِمِنَى وَقَدْ سِيقَ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ فَإِنَّهُ هَدْيٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْغَنَمِ وَيُسَمَّى أَيْضًا أُضْحِيَّةً بِخِلَافِ مَا يُذْبَحُ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْحِلِّ فَإِنَّهُ أُضْحِيَّةٌ وَلَيْسَ بِهَدْيِ . وَلَيْسَ بِمِنَى مَا هُوَ أُضْحِيَّةٌ وَلَيْسَ بِهَدْيِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ . فَإِذَا اشْتَرَى الْهَدْيَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَسَاقَهُ إلَى مِنَى فَهُوَ هَدْيٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْحَرَمِ فَذَهَب بِهِ إلَى التَّنْعِيمِ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى الْهَدْيَ مِنْ مِنَى وَذَبَحَهُ فِيهَا فَفِيهِ نِزَاعٌ : فَذَهَبَ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِهَدْيِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنُ عُمَرَ وَمَذْهَبُ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ هَدْيٌ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ عَائِشَةَ . وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَصَى مِنْ حَيْثُ شَاءَ لَكِنْ لَا يَرْمِي بِحَصَى قَدْ رُمِيَ بِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْحِمَّصِ وَدُونَ الْبُنْدُقِ وَإِنْ كَسَرَهُ جَازَ . وَالْتِقَاطُ الْحَصَى أَفْضَلُ مِنْ تَكْسِيرِهِ مِنْ الْجَبَلِ . ثُمَّ يَحْلِقُ رَأْسَهُ أَوْ يُقَصِّرُهُ وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ وَإِذَا قَصَّرَهُ جَمَعَ الشَّعْرَ وَقَصَّ مِنْهُ بِقَدْرِ الْأُنْمُلَةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَالْمَرْأَةُ لَا تَقُصُّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . وَأَمَّا الرَّجُلُ فَلَهُ أَنْ يُقَصِّرَ مَا شَاءَ . وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَحَلَّلَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ فَيُلْبَسُ الثِّيَابَ وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَكَذَلِكَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ أَنْ يَتَطَيَّبَ وَيَتَزَوَّجَ وَأَنْ يَصْطَادَ وَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ إلَّا النِّسَاءُ . وَبَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ مَكَّةَ فَيَطُوفُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ وَإِلَّا فَعَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّ تَأْخِيرَهُ عَنْ ذَلِكَ فِيهِ نِزَاعٌ ثُمَّ يَسْعَى بَعْدَ ذَلِكَ سَعْيَ الْحَجِّ وَلَيْسَ عَلَى الْمُفْرِدِ إلَّا سَعْيٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ الْقَارِنُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ الْمُتَمَتِّعُ فِي أَصَحِّ أَقْوَالِهِمْ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَحْمَد وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا سَعْيٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ تَمَتَّعُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً قَبْلَ التَّعْرِيفِ . فَإِذَا اكْتَفَى الْمُتَمَتِّعُ بِالسَّعْيِ الْأَوَّلِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ كَمَا يُجْزِئُ الْمُفْرِدَ وَالْقَارِنَ وَكَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ قِيلَ لِأَبِي : الْمُتَمَتِّعُ كَمْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ؟ قَالَ : إنْ طَافَ طَوَافَيْنِ يَعْنِي بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَهُوَ أَجْوَدُ وَإِنْ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا فَلَا بَأْسَ وَإِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ فَهُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ . وَقَالَ أَحْمَد حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الأوزاعي عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : الْمُفْرِدُ وَالْمُتَمَتِّعُ يُجْزِئُهُ طَوَافٌ بِالْبَيْتِ وَسَعْيٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ . وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الصَّحَابَةِ الْمُتَمَتِّعِينَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ اتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَى أَنَّهُمْ طَافُوا أَوَّلًا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَمَّا رَجَعُوا مِنْ عَرَفَةَ قِيلَ : إنَّهُمْ سَعَوْا أَيْضًا بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَقِيلَ : لَمْ يَسْعَوْا وَهَذَا هُوَ الَّذِي ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا طَوَافَهُ الْأَوَّلَ . وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُمْ طَافُوا مَرَّتَيْنِ لَكِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قِيلَ إنَّهَا مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ لَا مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ وَقَدْ احْتَجَّ بِهَا بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ طَوَافَانِ بِالْبَيْتِ وَهَذَا ضَعِيفٌ . وَالْأَظْهَرُ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ . وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ : { دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } فَالْمُتَمَتِّعُ مِنْ حِينِ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ دَخَلَ بِالْحَجِّ لَكِنَّهُ فَصَلَ بِتَحَلُّلِ لِيَكُونَ أَيْسَرَ عَلَى الْحَاجِّ وَأَحَبُّ الدِّينِ إلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ . وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَطُوفَ لِلْقُدُومِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ بَلْ هَذَا الطَّوَافُ هُوَ السُّنَّةُ فِي حَقِّهِ كَمَا فَعَلَ الصَّحَابَةُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ النِّسَاءُ وَغَيْرُ النِّسَاءِ . وَلَيْسَ بِمِنَى صَلَاةُ عِيدٍ بَلْ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لَهُمْ كَصَلَاةِ الْعِيدِ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ جُمْعَةً وَلَا عِيدًا فِي السَّفَرِ لَا بِمَكَّةَ وَلَا عَرَفَةَ بَلْ كَانَتْ خُطْبَتُهُ بِعَرَفَةَ خُطْبَةَ نُسُكٍ لَا خُطْبَةَ جُمْعَةٍ وَلَمْ يَجْهَرْ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ بِعَرَفَةَ .