تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
الرَّابِعَ عَشَرَ : أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْكُلِّيَّةِ إنَّمَا يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ عَالِمًا بِأَقْوَالِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا وَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَمَا تَنَازَعُوا فِيهِ عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَوَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِمَا . وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَا قَالَهُ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَتَنَازَعُوا فِيهِ وَلَا يَعْرِفُونَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَا رَغَّبَ فِيهِ وَمَا نَهَى عَنْهُ وَلَمْ يَسُنَّهُ وَلَا يَعْرِفُونَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَالضَّعِيفَةَ فِي هَذَا الْبَابِ بَلْ وَلَا يَعْرِفُونَ مَذْهَبَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَا عِنْدَهُمْ نَقْلٌ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ فِيمَا قَالُوهُ وَحَكَمُوا بِهِ ; بَلْ هُمْ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ آحَادِ الْمُتَفَقِّهَةِ الطَّلَبَةِ الَّذِينَ يَنْبَغِي لَهُمْ طَلَبُ عِلْمِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ; بَلْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُفْتِيَ فِيهَا وَلَا يُنَاظِرَ وَلَا يُصَنِّفَ ; فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْكُمَ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ وَحَكَمَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ فِيهِ كَانَ حُكْمُهُ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ ; فَكَيْفَ إذَا حَكَمَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ الْحُكْمُ وَحَكَمَ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ ; فَإِنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَقْلِيدٍ كَانَ حُكْمُهُ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ . الْخَامِسَ عَشَرَ : أَنَّ الْقَاضِيَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ لِلْعُلَمَاءِ : وَهَؤُلَاءِ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ مِمَّا لَهُمْ فِيهِ الْحُكْمُ فَهُمْ لَمْ يُقَلِّدُوا فِيمَا قَالُوهُ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَضْلًا أَنْ يَكُونُوا فِيهِ مُجْتَهِدِينَ ; بَلْ حَكَمُوا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَقْلِيدٍ وَهَذَا الْحُكْمُ الْبَاطِلُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ عَلَى يَهُودِيٍّ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٌ . فَكَيْفَ إذَا حَكَمُوا عَلَى عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي لَا حُكْمَ لَهُمْ فِيهَا بِإِجْمَاعِ .