مسألة تالية
متن:
الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ : أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْعَالِمَ الْكَثِيرَ الْفَتَاوَى أَفْتَى فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ بِخِلَافِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَةِ عَنْهُ . وَخِلَافِ مَا عَلَيْهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ : لَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ مِنْ الْفُتْيَا مُطْلَقًا ; بَلْ يُبَيَّنُ لَهُ خَطَؤُهُ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ . فَمَا زَالَ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ أَعْصَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ . فَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَقُولُ فِي " الْمُتْعَةِ وَالصَّرْفِ " بِخِلَافِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ وَلَمْ يَمْنَعُوهُ مِنْ الْفُتْيَا مُطْلَقًا بَلْ بَيَّنُوا لَهُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخَالِفَةَ لِقَوْلِهِ فَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَى لَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَرَّمَ الْمُتْعَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ رَوَوْا لَهُ تَحْرِيمَهُ لِرِبَا الْفَضْلِ وَلَمْ يَرُدُّوا فُتْيَاهُ لِمُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ وَحُكْمِهِمْ وَيَمْنَعُوهُ مِنْ الْفُتْيَا مُطْلَقًا وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ . فَالْمَنْعُ الْعَامُّ حُكْمٌ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَهُوَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . لَوْ كَانَ مَا نَازَعُوهُ فِيهِ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ فَكَيْفَ إذَا كَانَتْ مَعَهُ ; بَلْ وَمَعَهُ إجْمَاعُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا أَنْكَرُوهُ مِنْ مَسَائِلِ الزِّيَارَةِ وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَنْ أَبْطَلْ حُكْمٍ فِي الْإِسْلَامِ وَمِنْ أَعْظَمِ التَّغْيِيرِ لِدِينِ الْإِسْلَامِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . الْوَجْهُ الْمُوفِي أَرْبَعِينَ : أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ يَعْرِفُهَا عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى هَذَا الْوَقْتِ ; فَإِنَّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ يَحْتَاجُونَ إلَيْهَا فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَعْرِفَ بَعْضُ النَّاسِ فِيهَا الْحَقَّ دُونَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ . وَالْمُجِيبُ قَدْ صَنَّفَ فِيهَا مُجَلَّدَاتٍ : بَيَّنَ فِيهَا أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ وَأَفْعَالَهُمْ ; وَأَقْوَالَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ : مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَمَا تَنَازَعُوا فِيهِ وَبَيَّنَ الْأَحَادِيثَ النَّبَوِيَّةَ صَحِيحَهَا وَضَعِيفَهَا وَكَلَامَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا وَبَيَّنَ خَطَأَ مَنْ نَازَعَهُ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ وَبَسَطَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ . وَهَؤُلَاءِ لَوْ كَانُوا قَدْ قَالُوا بِبَعْضِ أَقَاوِيلِ الْعُلَمَاءِ فَلَمْ يَأْتُوا عَلَيْهِ بِحُجَّةِ ; فَكَيْفَ وَقَدْ قَالُوا مَا يُخَالِفُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجْمَاعَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ : فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي قَدْ بَيَّنَهُ الرَّسُولُ لِأُمَّتِهِ وَعَرَفَ ذَلِكَ عُلَمَاءُ أُمَّتِهِ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ إلَى هَذَا الزَّمَانِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْحُكْمِ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .